مرضى يفترشون الرمال وصياح يصم الآذان
مشهد من دارفور: عملية جراحية بوسائل بدائية

مروة كريدية من مخيم سيكلا للنازحين في دارفور: الطريق في نيالا ترابي أحمر مغبر، كما تكثر في المنطقة الحفر والروائح الكريهة المنبعثة من النفايات المنتشرة في كل مكان، لا سيما المخلفات البلاستيكية من أكياس النايلون مما يشير إلى كارثة بيئية محدقة. تطالعك المواشي السارحة التي ترعى على المخلّفات العضوية وهي تحاول جاهدة علك البلاستيك وهضمه، كما تنتشر الحمير كأداة تنقل فارهة في مجتمع بائس. الطرق المعبدة تكاد تكون معدومة في ظل غياب تام للبنى التحتية، وينتاب المرء شعور بأنه خارج كوكب الأرض المعروف، وخارج العصر، الوضع كله مأسوي، سألت مرافقنا عن معسكرات النازحين هل هي أسوأ مما نشاهد؟! فابتسم قائلاً إنت في قلب المدينة الآن حيث تتوفر جميع الاشياء؟! المخيمات أسوأ حالاً بكثير...

توجهت صباحًا الى مخيم سيكلا للنازحين في منطقة نيالا التابعة لإقليم دارفور، هذا المخيم يطلق عليه اليوم حيّ الوالي، وفي خيمة بيضاء جانبية اصطف أمامها طابور سيدات يحملن أطفالاً توقفت سيارتنا ليشير لنا مرافقنا انه مستشفى المعسكر العتيد، ويُطلق عليه اسم عيادة حيّ الوالي وهو تابع للمؤسسة الصحيّة العالمية، المكان في وقت الظهيرة اشبه ما يكون بالرمضاء القاتلة والخيمة عبارة عن شادر هزيل لا يقي حرّ الصيف ولا برد الشتاء...

دخلت ما يسمى بالمستشفى الذي يفتقد أدنى وابسط درجات السلامة الانسانية، فكمية الادوية قليلة جدًا، وتقتصر على المضاد الحيوي والباندول، ولا يوجد فيه سرير او طاولة وكارثة الحقيقة أنه لا توجد مياه نقية، والذي يتولى الاشراف على سير الامور هو مساعد طبي وليس طبيبًا يحمل بطاقة مزاولة المهنة، استأذنته للاطلاع عليها لأتفاجأ بأنها منتهية الصلاحية منذ اواسط العام الماضي وهي صادرة عن مفوضية العون الانساني التابعة للحكومة السودانية.

المرضى امام العيادة يفترشون الرمال... وصياح الاطفال يصمّ الآذان، دخلت الخيمة الداخلية لأصعق: امرأة عجوز جالسة على الأرض تنزف من رأسها لأجد المساعد الطبي السيد آدم أحمد فضيل، يقوم بتخييط رأسها، بوسائل بدائية...

وفي دردشة مع المصَابة، قالت لي إنها تدعى أمينة موسى وتبلغ من العمر 60 سنة ، أصيبت بجرح عميق في مقدمة رأسها نتيجة شجار مزمن يتجدد من حين لآخر بينها وبين جارتها، ولم أفهم منها سببًا واضحًا وصريحًا للنزاع، غير اني ما استخلصته ان ما حصل يُعدّ أمرًا غير ذي أهمية، وأن الحاصل يصنّف بأنه حادث عرضي طفيف، فمن العادي والطبيعي كثرة الشجار بين الافراد في عرف أهل القبائل، أمينة كانت تنتميقبل نزوحها إلى منطقة تدعى مشامة،وكانت تعمل بتربية الأبقار وحلبها كما كانت تمتلك قطيعًا من الأغنام .

أنهت حديثها بدمعة ونظرة شاردة نحو مستقبل مبهم، فجلّ طموحها أن تستطيع مواصلة العيش بأمان !

*** الصور خاصة بايلاف.