واقع مقعد تعيشه المدنية أدى لإبتكار حلول جديدة
حناطير الخليل في مواجهة المستوطنين
أسامة العيسة من الخليل:
حتى قبل أسبوعين كان قاسم احمرا، يعمل عربجيًا فينقل الخضار في شوارع مدينة الخليل الضيقة، في جنوب الضفة الغربية، ولكنه الآن يعمل على حنطور، ينقل الركاب من الوسط التجاري في مدينة الخليل، المعروف باسم باب الزاوية، إلى البلدة القديمة، في تجربة جديدة، وفريدة لمواجهة واقع معقد تعيشه المدينة.
واحمرا هوواحد من خمسة سائقين على عربات الحنطور، التي تعمل في نقل الركاب إلى بلدة الخليل القديمة، في مسار بطول كيلو ونصف، في محاولة لتشجيع المواطنين الى الذهاب للبلدة التي هجرها معظم سكانها، بسبب الهجوم الاستيطاني عليها، طوال السنوات الماضية، والذي أدى إلى زرع بؤر استيطانية عديدة في البلدة، إضافة إلى تقسيم معلمها الأبرز وهو الحرم الإبراهيمي الشريف، بين المسلمين واليهود.
ويضم الحرم الابراهيمي قبر النبي ابراهيم، عليه السلام، وابناءه، وزوجاته وزوجات ابنائه، وحول المستوطنون بحماية الجيش الاسرائيلي، القسم الذي يضم هذه القبور الى كنيس يهودي، بعد ان كان جزءًا من الحرم الابراهيمي.
وتم إطلاق مشروع الحناطير، بإشراف لجنة اعمار الخليل، وبتمويل من القنصلية البريطانية في القدس، بهدف بعث الحياة من جديد في البلدة القديمة، ولو بشكل نسبي.
ويخشى المواطنون من الذهاب إلى البلدة القديمة، خوفًا من اعتداءات المستوطنين المسلحين، الذين يتمتعون بحماية من الجيش الإسرائيلي المنتشر في المدينة، ويضع الحواجز والعراقيل دون تواصلها الجغرافي.
ويعيش في مدينة الخليل، قادة المجموعات الاستيطانية المتطرفة، وبعضهم اصبح نجومًا في الإعلام، لتورطهم في قتل فلسطينيين، مثل باروخ مارزيل، وايتمار بن غفير، ونوعام فدرمان، وكان المستوطن باروخ غولدشتاين ارتكتب مجزرة مروعة استهدفت المصلين في الحرم الإبراهيمي الشريف، وهم يؤدون صلاة الفجر يوم 25-2-1994، مما أدى إلى مقتل نحو 30 منهم، وسقوط عشرات جرحى وقتلى برصاص الجيش الإسرائيلي، خلال الاحتجاجات الفلسطينية التي أعقبت المجزرة.
وبالنسبة إلى كثيرين من الفلسطينيين، فإن الوصول إلى البلدة القديمة، يعتبر مغامرة غر محسوبة، مع وجود البؤر الاستيطانية والمدارس الدينية اليهودية، ومواصلة المستوطنين السيطرة على منازل المواطنين.
والى قبل سنوات كانت بلدة الخليل القديمة مركزًا تجاريًا مهمًا، يخدم سكان الضفة الغربية وقطاع غزة، بسبب طابعه القديم ووجود بضائع وحاجيات تقليدية، لا توجد في أي مكان آخر.
والان تنتشر في أسواق البلدة المهجورة، ذات العمارة المملوكية والفاطمية والأيوبية، الأسلاك الشائكة، للحيلولة دون تحرك المواطنين داخلها، بالإضافة إلى إخضاع الداخلين إلى الحرم الإبراهيمي للصلاة، لتفتيش دقيق، وفي كل يوم تقريبًا تعلن سلطات الاحتلال عن اعتقال فتية أو فتيات قرب الحرم، بحجة محاولتهم طعن الجنود الإسرائيليين بالسكاكين.
ويقول سعيد احمرا، وهو سائق لإحدى الحناطير التي تقودها الأحصنة، بان الخبرة المتوفرة للسائقين هي من عملهم على عربات تجرها الحمير لنقل الخضار، ويشير إلى خضوعهم لاختبارات لفحص مدى قدرتهم على قيادة الحناطير، من قبل مسؤولين في لجنة اعمار الخليل.
ويشير إلى انه تم استيراد الحناطير من مصر، بينما تم شراء الأحصنة من تجار محليين، ويرتدي احمرا، مثل زملائه ملابس خاصة ويعتمر طربوشا لإعطاء نكهة وطابع معين في العمل.
ويعمل احمرا وزملاؤه، من الساعة الثامنة صباحًا وحتى الثانية ظهرًا، حيث تخف الحركة إلى البلدة القديمة، وعلى الرغممن أن الأولاد والسكان فرحون بالحناطير، إلا انه لا يوجد إقبال كبير على ركوبها، حتى من قبل زوار المدينة والسياح، الذين يفضلون التجوال سيرًا على الأقدام.
ولا تتكلل رحلة ركوب الحنطور، دائمًا بالنجاح، ففي أحيان كثيرة تعترض قوات الاحتلال الحناطير وتمنعها من مواصلة طريقها.
ويقول احمرا، إن الحناطير تضفي طابعًا تراثيًا يناسب أجواء البلدة القديمة بشوارعها وبناياتها التراثية، والتي كانت تستخدم فيها العربات لنقل البضائع، عندما كانت تموج بالحركة.
ويتجمع الأطفال وتلاميذ المدارس في المكان الذي تقف فيها الحناطير، بدافع الفضول، والمرح، ويحتلون مقاعدها، حتى يصل الركاب.
ويقول أحد التلاميذ quot;لم يسبق لنا أن رأينا الحناطير، ونحن نفرح بها، ويا ريت كل السيارات تتحول إلى حناطيرquot;.
ويأمل قاسم احمرا، أن يقبل الناس على ركوب الحناطير، لمواجهة الاستيطان والمستوطنين، ولكي يستمر هذا المشروع، ويمول نفسه ذاتيًا.
ولم يواجه القائمون على المشروع، الذي يبدو حتى الان احتفاليًا، تحديات حول استمراره، وتطويره، وإيجاد ورشات للصيانة، ومواقف ملائمة.
ويقول سعيد احمرا quot;الحناطير التي نقودها جديدة، ولم نحتاج حتى الان لإصلاحها، ولكنني على ثقة بأنه يوجد في الخليل مهنيون يستطيعون إصلاح أي خلل بهاquot;.
وينقسم الرأي العام في مدينة الخليل تجاه مشروع الحناطير الجديدة، إلى عدة أقسام، فمنهم غير مبال، وقسم آخر لا يعول عليه كثيرًا، ما دام المستوطنون والمحتلون يقتلون ويسيطرون على منازل السكان، ويوجد قسم آخر غير مرحب بهذا المشروع، ويعتبره مظهريًا.
وقال أحد المواطنين quot;بريطانيا هي الدولة المسؤولة عن مأساة الشعب الفلسطيني، وإذا كانت تريد مساعدتنا، فلتعمل على إزالة الاحتلال، وعندما نعيش في ظل دولتنا المستقلة، فسنشتري الحناطير إذا احتجنا إليهاquot;.
وتدخّل في الحديث مصور يعمل في أستوديو تصوير قائلا quot;لا باس من تسيير الحناطير، ولكن التعويل عليها في احياء البلدة القديمة، اعتقد انه أمر غير واقعي أبدًاquot;.
واضاف أن quot;البلدة القديمة تحتاج إلى اهتمام ليس فقط فلسطينيًا، ولكن أيضًا عربيًا وإسلاميًا، فهي ثاني مدينة فلسطينية بعد القدس، من ناحية الأهمية الدينية، ونحن نرى أثرياء اليهود يأتون من أميركا ومن آخر الدنيا لدعم المستوطنين، بينما لا نرى أي من الرأسمال الخاص الفلسطيني أو العربي
الصور بعدسة إيلاف