أجواء إستقطاب، وتباين في مواقف القوى السياسية بشأنه
غموض يكتنف إستجابة المصريين لإضراب ثمانينية مبارك
كتب ـ نبيل شرف الدين :
تسود في مصر حالة من التسابق المحموم بين الأجهزة الحكومية والحزبية من جهة، وما اصطلح على تسميتهم بقوى المعارضة الجديدة ـ وهي مجموعات شبابية نشأت خارج الأطر التقليدية للمعارضة ـ من جهة أخرى بشأن دعوة الأخيرة إلى إضراب عام جديد يوم غد الأحد الرابع من أيار (مايو) الذي يوافق احتفال الرئيس المصري حسني مبارك بعيد ميلاده الثمانين .
واستبق الرئيس المصري الأمر بإعلانه عن علاوة كبيرة في رواتب الموظفين والعمال بلغت 30 في المئة من أساس الأجور، وهي الزيادة التي يعتبرها المسؤولون الحكوميون غير مسبوقة منذ قيام حركة الضباط عام 1952 وحتى الآن، وبالتالي فقد شكلت هذه الخطوة رسالة سياسية مربكة للدعوة إلى الإضراب، وأعادت طرح سؤال عما إذا كانت الدعوة إليهستستمر أم إن quot;منحة الرئيسquot; نزعت فتيله ؟
ولم تكن هذه quot;المنحة الرئاسيةquot; هي الخطوة الوحيدة التي اتخذتها السلطة في مصر لإجهاض الدعوة إلى الإضراب في هذا اليوم تحديدًا بما تحمله من دلالات مناوئة لعهد مبارك، بل ترافقت معها إجراءات أخرى بعضها معلن ومعظمها يأتي في إطار الضربات الاستباقية التي لا يعلن عنها، كمحاصرة منظمي الإضراب أو الداعين إليه، والتدخل في التغطيات الإعلامية لهذا الحدث خاصة من قبل الفضائيات الخاصة والمحطات الأجنبية والعربية، فضلاً عن الصحف الخاصة في مصر ومراسلي الصحافة الدولية والعربية .
أما التلفزيون الحكومي والصحف القومية (الحومية) في مصر فهي بالطبع لن تقترب من هذا الحدث سلبًا أو إيجابًا، بل تفترض مسبقًا أنه لم يحدث، وبالتالي تتجاهل الأمر برمته ما لم تقع أحداث عنف لا يمكن تجاهلها كما حدث في مدينة المحلة الكبرى الصناعية في إضراب السادس من نيسان (أبريل) الماضي .
مواقف من الإضراب
هذا التباين يعكس حالة من الاستقطاب الحاد في الشارع السياسي المصري، كان واردًا أن تسعى قوى سياسية للقفز عليها واستغلالها على نحو ما، وفي صدارة هذه القوى جماعة quot;الإخوان المسلمونquot;، التي أعلنت تأييدها للإضراب وتجاوبها مع الدعوة إلى التزام المواطنين بيوتهم، لكن دون المساس بمرافق الدولة أو الممتلكات العامة والخاصة، وألا يؤدي الاحتجاج السلمي إلى نوع من الفوضى .
وأعلن قادة جماعة (الإخوان) أن المشاركة في هذا الإضراب تأتي في إطار فردي لأعضائها وليس موقفًا عامًا للجماعة، وإن المشاركين لن يرفعوا شعارات الجماعة، وقد تباينت قراءات المراقبين لموقف الإخوان إذ رفضت الجماعة المشاركة في إضراب أبريل الماضي، غير أنها عادت وأعلنت عزمها على المشاركة في إضراب الرابع من مايو، وهنا يرى مراقبون أن هذه المواقف المتباينة ترتبط بالسلوك الانتهازي للجماعة ومحاولتها ركوب الموجة للضغط على النظام الحاكم من خلال إعلان المشاركة في الإضراب للرد على أحكام المحكمة العسكرية على نائب المرشد خيرت الشاطر ومجموعته، وبهذا فإن مقاطعة الإخوان لإضراب أبريل الماضي كان quot;ضمن صفقة تمنتها الجماعة ولم تستجب لها الحكومة للإفراج عن الشاطرquot;، وفق قراءات محللين سياسيين .
على صعيد الشارع المسيحي المصري فقد أعلنت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية ـ كبرى الكنائس المصرية ـ رفضها المشاركة في هذا الإضراب، بينما اعتبرت الكنيسة الإنجيلية أن الدعوة للإضراب لا مبرر لها خاصة بعد قرار الرئيس مبارك بزيادة الرواتب 30%، أما الكنيسة الكاثوليكية فقد تركت الأمر لأتباعها لتحديد مواقفهم وفقاً لقناعاتهم الشخصية، ولم تعلن رأيًا محددًا بشأنه.
أما الأحزاب السياسية الشرعية فقد نأت بنفسها عن الأمر، وأعلنت معظم الأحزاب أنها لن تشارك في هذا الإضراب، ووصفته بأنه quot;بروفة للفوضىquot;، والتزم معظم قادة تلك الأحزاب الصمت والتعليق على الدعوة لذلك الإضراب، وهو ما يفسره مراقبون بأنه ينطوي على توازن تسعى المعارضة التقليدية إليه مع أجهزة السلطة، خاصة في ظل مخاوف هذه المعارضة من قوى المعارضة الجديدة ممثلة في الحركات الاحتجاجية التي نشأت خارج الأطر التقليدية للحياة الحزبية، وفي سياق مختلف عن نشأة القوى السياسية الشائخة في الشارع السياسي .
أما الحركة المصرية من أجل التغيير (كفاية) فقد كانت في صدارة المؤيدين للدعوة إلى إضراب يوم الرابع من مايو، بل ووصفت هذا اليوم بأنه quot;تاريخ أسود في حياة المصريين، فهو يصادف الذكرى الثمانين لميلاد مبارك الذي حكم البلاد لمدة 27 سنة متصلة، وانتهى بمصر إلى عظيم البؤس والفقر والقهر والتبعيةquot;، كما قال بيان للحركة نشرته عبر موقعها الإلكتروني .
ومضت (كفاية) في بيانها قائلة: quot;إنها تجدد عزمها المشاركة في حملة عصيان مدني سلمي متصاعدة بهدف الإنهاء الشعبي لحكم مبارك، وتؤكد عزمها على مواصلة التشاور مع أطراف ائتلاف السادس من أبريل وكافة القوى الوطنية والاجتماعية المعارضة جذريًا لبناء ائتلاف جامع للتغيير يعتصم بحبل المقاطعة لحكم الفساد والاستبداد ويدعم صور العصيان والمقاومة المدنية السلميةquot; .