احمد الجلبي: الرجل الذي دخل تاريخ العراق من بوابته الخلفية (3/4)
معركة واترلو بين صدام حسين واحمد الجلبي

الفكيكي للجلبي: أحمد... في قلبك صدام حسين صغير!

زيد بنيامين من دبي:
بدأت عجلة المعارضة العراقية تسير وكان الاجتماع الاول قد عقد في يونيو 1992 في العاصمة النمساوية فيينا وقد عرف الكل ان الجلبي لم يدفع فلساً واحداً من اموال بنك البتراء لجمع قادة المعارضة في ذلك الاجتماع بل جرى الاستعانة باموال الاستخبارات الاميركية ... والمفارقة ايضاً ان ايا من اصدقائه في الحكومة الاميركية لم يسأل الجلبي عما حصل في البتراء وكان الحقد على صدام حسين قد اعمى الصحافيين الاميركيين ايضا الذين لم يسألوا عن قصة الجلبي مع هذا البنك في وقت ظهور الجلبي في واشنطن للتهيئة لحملته لقيادة المعارضة العراقية.
سرعان ما بدأت الانقسامات، فالجلبي لا يعرف العمل مع شركاء لان الكل كانوا موظفين لديه واصبح يمارس مهمته المحببة اليه بجلب اناس من الخارج دائماً ليظلوا معتمدين عليه في عملهم ومن معاونيه الذين ظهروا في تلك الفترة فرانسيس بروك وهو احد الذين عملوا على تجميع لوبي للجلبي في واشنطن ولديه تصريح شهير يقول فيه quot;انا مستعد لاضحي بجميع العراقيين من اجل التخلص من صدام حسينquot;.
بدأت مجموعات من المنفيين تدور حول الجلبي لتكون حلقته المقربة وسيكونون مرافقيه خلال الفترة التالية من حياته واشهرهم انتفاض قنبر الذي يعد من اكثر الموالين للجلبي ويعرف بلسانه الطويل حتى انه قام بضرب رجل دين عراقي اثناء حوار تلفزيوني جمعهما!
عرفت السي اي ايه ان الرجل الذي اعتمدت عليه ليقود المعارضة في العراق لن يكون تلك الاداة الطيعة في يدها بل كان ابرز ما فعله في شمال العراق هو ان ابعد حلفاء اميركا من العراقيين عنها بسبب تصرفاته (القيادية) الطائشة.
وصل الجلبي الى شمال العراق في عام 1995 مع مجموعة صغيرة من العاملين معه وقرر التحالف مع عدد من شيوخ العشائر في منطقة الموصل من اجل استهداف الرئيس العراقي صدام حسين ولكن سرعان ما ستفشل هذه الخطة حينما استلم رؤساء العشائر في الموصل الاموال من الجلبي وقرروا البقاء في بيوتهم.
حتى الاستخبارات الايرانية التي كان لها ضلع في الموضوع بتقديمها الوعد للجلبي لدعمه في بغداد عبر عملائها هناك، استلمت الاموال الامريكية التي وزعها الجلبي وقررت البقاء عدم الاتصال بعملائها حتى بخصوص الموضوع.
انشغلت القوة المتبقية في كردستان في حروب عصابات في كردستان حيث كانت ايران قد بدأت تسيطر على اجزاء واسعة من المنطقة بدعمها للطالباني الامر الذي استدعى قيام زعيم المتمردين الاكراد الاخر مسعود البارزاني بطلب دعم الرئيس العراقي صدام حسين في رسالة كتب فيها ما معناه quot;لطالما كنت تحارب ايران وهاهي الاخيرة في بلدك الان وسيأخذون كردستان الانquot;.
وصلت القوات العراقية خلال ساعات الى اربيل في اغسطس 1996 وكان من بين اولى العمليات التي قامت بها تلك القوات التخلص من قوات المؤتمر الوطني الذين سرعان ما هربوا ونجا القليل منهم ليصل الى واشنطن ومن بينهم احمد الجلبي الذي كان بعيدا وقت العمليات ليتخذ من تدخل صدام حسين في ابريل ذريعة لتبرير اخفاقاته وتخلي حلفائه عنه ولتغير فكرته عموماً عن العمل العراقي المعارض. .. وصفت معركة اغسطس 1996 هذه بانها معركة (واترلو) مثل فيها المؤتمر الوطني العراقي الجانب الخاسر فيها.
يقول اراس حبيب القائد العسكري لمعركة اربيل quot;تسألون لماذا ليس لدينا جيش ولماذا لا نكون اكثر فعالية، كان لدينا جيش، كان لدينا جيش جيد، واسلحة، ومقاتلون وقد دمروا في اربيلquot; واراس هذا هو الوحيد من مجموعة الجلبي الذي امتلك علاقات مباشرة في واشنطن من دون المرور بالجلبي وسيلعب ادوارا اخرى بعد سقوط بغداد.
خطط احمد الجلبي في اربيل للسيطرة على كركوك والموصل وهما المدينتان الرئيستان في شمال العراق بالاضافة الى البصرة في الجنوب، من اجل وضع الرئيس العراقي صدام حسين في المنتصف وهي الاستراتيجية التي اتبعت ايضا في تمرد الشيعة عام 1991 على صدام بعد وقف عمليات التحالف وتحرير الكويت وحاول الايرانيون تحقيقها خلال حرب الثماني سنوات مع العراق.
يقول زعب سينثا وهو مستشار الجلبي وصاحب المقولة الشهيرة انه مستعد للتضحية بجميع العراقيين من اجل التخلص من صدام حسين بأن quot;المؤتمر كان يؤمن ان العراقيين يريدون التخلص من صدام حسين وان الرغبة كانت موجودة ضد صدامquot; وان الطريق الوحيد لتسريع ذلك هو quot;ببناء قوات المؤتمر في الشمال والجنوبquot;.
كانت خطة الجلبي تتضمن عاملين رئيسين، الاول تعاون الحزبين الكرديين في شمال العراق بقيادة كل من مسعود البارزاني وجلال الطالباني وكان الحزبان مشغولين بتصفية الحسابات بين بعضهم البعض لتقسيم عائدات التجارة العراقية التركية عبر المنفذ الحدودي التابع جغرافياً لمسعود.
كان جيش الجلبي بحلول العام 1996 بمساعدة السي اي ايه قد وصل الى 1000 جندي وقاد عددا من عمليات التجسس الفعالة في مناطق الرئيس العراقي المتاخمة لكردستان ولكن سرعان ما بدأت خطط الجلبي تنهار بحلول الحادي والثلاثين من اغسطس 1996.
يقول الجلبي quot;كنت احضر اجتماعاً في السفارة الاميركية في لندن بين الحزبين الكرديين، حينما وصلت دبابات صدام الى حدود اربيل ، كنا ننتظر الدعم الجوي ولكن هذا الدعم لم يصل ابداًquot;.
فيما يقول سينثا من جانبه quot;لقد كان الوضع مخيباً، كان مقاتلونا يتصلون بنا عبر التلفونات المتصلة بالاقمار الصناعية وكانوا يقولون لنا إنهم يرون الدبابات العراقية من مسافة قريبة وكان يتصلون بنا من اجل مساعدتهم عدة مراتquot;.
اختارت السي اي ايه عدم مساعدة جنود الجلبي وتم اعدام المئات من مقاتلي الحركة فيما فر الالاف الاخرون من اصدقاء وعوائل هولاء المقاتلين الى تركيا.
اختار الجلبي الانتحار حينما قرر ايقاف قواته المتواضعة عدداً وعديداً امام قوات صدام حسين التي بلغت وقتها 80 الف جندي من الحرس الجمهوري وهي قوات النخبة في العراق.
وقد عززت عملية (وتوكلنا على الله) التي قام بها الرئيس العراقي صدام حسين ضد الطالباني والجلبي في اغسطس 1996 من كره الجلبي للعرب وكانت لغة الكره واضحة في لقاءاته التلفزيونية في واشنطن، ويقول احد قادة المعارضة الذين رافقوا الجلبي في تلك الفترة انه لم يخف حقده هذا ورغبته التعاون مع اسرائيل من اجل الاقتراب من صانع القرار الاميركي في الكونغرس.
كان الشيء الاول الذي فعله بعد الخيبة التي لاقاها الجلبي في كردستان ان استدعى الوجوه نفسها التي عملت معه في بنك البتراء والذين قرر استبعادهم لعدم (تشويه عمله الوطني) وكان من بينهم عبد الهدى فاروقي الذي سبق ان تنازل بنك البتراء له عن 12 مليون دولار من دون سبب قبل اسبوع من انهيار البنك.
في الحلقة الثالثة:
الجلبي تخلى عن احلام السلطة واكتفى بوزارة النفط في بغداد!
[email protected]
المصادر:
ارشيف صحيفة النيويورك تايمز ولوس انجلوس تايمز
مجلة التايم الامريكية
الحقيقة عن الجلبي: اندور كوكوبرن
ارشيف الفايننشال تايمز
احمد الجلبي وانا: لكرستوفر هتشينز