موريتانيا والسودان في صدارتها... والصيف موسمها
الإنقلابات العسكرية لعبة ما زالت تنشط عربياً وأفريقيا


نبيل شرف الدين-ايلاف : ربما كانت بعض الدول العربية والأفريقية هي آخر بلدان العالم التي تشهد انقلابات عسكرية، أو حتى المهيئة لها، ففي أميركا اللاتينية طويت هذه الصفحة تمامًا من تاريخ القارة، كذا لم يعد لها وجود يذكر في بلدان آسيا، ناهيك بالطبع عن استبعاد وقوعها تمامًا في أي من دول أوروبا وأميركا الشمالية وأستراليا .

وإذا كانت عقود الأربعينات والخمسينات والستينات وحتى السبعينات من القرن المنصرم هي الحقبة الذهبية لتلك الانقلابات، فإن التاريخ يسجل أول انقلاب عسكري عربي والذي وقع في سورية يوم الثلاثين من آذار (مارس) عام 1949 وقاده حسني الزعيم، وهو الانقلاب الذي ينظر إليه باعتباره السابقة الأولى التي مهدت الطرق أمام الانقلابيين، وأرست quot;الأعراف الانقلابيةquot; ـ لو صح التعبير ـ في عدة بلدان، والملاحظ أيضاً أن الصيف كان الفصل الذي شهد العديد من الانقلابات العسكرية في شتى دول المنطقة .

يأتي هذا فضلاً عن انقلابات أخرى وإن حملت صفة quot;الثورةquot; لكنها تظل في جوهرها انقلابات عسكرية مكتملة الأركان، وفي الصدارة منها ما جرى في الثالث والعشرين من تموز (يوليو) في مصر 1952 ثم العراق 1958 وسورية عام 1961 ثم 1963، وفي اليمن 1962، وفي ليبيا عام 1969، هذا فضلاً عن انقلاب القصر الذي أطاح فيه أمير البلاد الحالي بوالده وإن جرى ذلك دون تدخل من قبل القوات المسلحة.

وفي المقابل فإن هناك بلدانًا بعينها كانت مسرحًا نشطاً للعديد من الانقلابات العسكرية، منها السودان مثلاً، الذي شهد أكثر من عشرة انقلابات منذ استقلاله في عام 1956، نجحت منها ثلاثة انقلابات، وقد تعرض نظام الرئيس السوداني عمر البشير ـ والذي وصل بدوره للحكم بانقلاب عسكري ـ لعدة محاولات انقلابية خاصة في مستهل عهده، واشهرها المحاولة التي عرفت بـ quot;انقلاب رمضانquot; عام 1990 بقيادة اللواء عبد القادر الكدرو، واللواء الطيار محمد عثمان حامد، وهي المحاولة التي انتهت بإعدام 28 ضابطاً شاركوا في تلك المحاولة الانقلابية الفاشلة .

أما في موريتانيا فحدث ولا حرج، فلم يكن انقلاب الثالث من آب (أغسطس) عام 2005 الذي أطاح بالرئيس الموريتاني السابق معاوية ولد الطايع هو الأول من نوعه، بل كان الأخير قبل انقلاب يوم الأربعاء السادس من أغسطس، وبهذا الانقلاب الأخير تكون موريتانيا قد شهدت منذ استقلالها ثلاثة انقلابات ناجحة أطاحت بالحكم وأتت بحكام جدد، هذا فضلاً عن نحو عشرة محاولات انقلابية فاشلة، وكانت أطول فترة استقرار سياسي في البلاد في عهدي الرئيسين السابقين ولد داده ومعاوية ولد الطايع .

انقلابات موريتانيا

وبعد استقلال موريتانيا عام 1960 تولى رئاسة البلاد المختار ولد داده وتميزت فترة حكمه بالاستقرار السياسي والتنمية الاقتصادية، وضع ولد داده اول دستور في 20 أيار (مايو) 1961 لتتوالى بعده الانقلابات العسكرية، ففي 10 يوليو (تموز) 1978 قاد العقيد مصطفى ولد السالك انقلاباً عسكرياً تولى بموجبه الحكم لمدة لم تتجاوز السنة، ليستقيل بعدها ويخلفه العقيد محمد ولد لولي، الذي اعتزل بدوره تاركاً منصب رئيس الدولة لوزيره الاول، الإسلامي محمد خونة ولد هيداله، الذي وضع دستوراً جديداً للبلاد في 17 كانون الأول (ديسمبر) عام 1980 فترة حكم ولد هيدالة عرفت الكثير من الأزمات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، كانت كافية ليقود الجيش انقلاباً تحت اسم حركة الخلاص الوطني بزعامة رئيس أركان الجيش معاوية ولد سيدي أحمد الطايع في 12 كانون الأول (ديسمبر) عام 1984، كما عرفت البلاد عدة محاولات انقلابية في سنوات 1981 و1987، اكتشف عدد منها قبل حدوثها، اهمها كان عام 2001

وفي العام 1991 وضع ثالث دستور للبلاد، وهو الدستور الذي أقر التعددية الحزبية في البلاد، وأجريت بموجبه أول انتخابات بلدية ورئاسية في نفس العام، وقد أسفرت تلك العملية عن انتخاب معاوية ولد سيدي احمد الطايع رئيسا للبلاد، كما تمت إعادة انتخابه في 15 كانون الأول (ديسمبر) من العام 1997

وتتمتع موريتانيا بثروات طبيعية متنوعة أهمها الثروة المعدنية كالحديد والذهب والنحاس، وتم اخيراً اكتشاف حقول من البترول والغاز، كما تعتمد موريتانيا في اقتصادها بشكل أساسي على عوائدها من الثروات السمكية والزراعية والرعوية وغيرها .والإسلام هو الدين الوحيد السائد في البلد، والعربية هي اللغة الرسمية هناك، بالإضافة إلى انتشار الفرنسية بشكل واسع خاصة بين أوساط الطبقة العليا، وهناك أيضاً عدة لهجات محلية مثل البولارية والسوننكية والولفية، ونواكشوط هي العاصمة السياسية والادارية للبلاد ونواديبو العاصمة الاقتصادية، وتضم موريتانيا 12 ولاية و53 مقاطعة مركزية .

أسباب الانقلابات

وحول الأسباب التي جعلت البلاد مستنقعا للفوضى يقول الخبير في الشؤون الاستراتيجية اللواء دكتور أحمد محمود حسين، إن في صدارتها عدم اعتراف الأنظمة العربية بالمعارضة وتصنيفها على أنها مجموعة من الطامعين في السلطة واللاهثين وراء تشويه صورة البلاد وسمعتها في الخارج، وتجاهلها عما تعتبرها الأنظمة الحاكمة إنجازات حققتها في شتى المجالات .

وفي موريتانيا تحديداً يقول اللواء حسين إن الأنظمة الحاكمة المتعاقبة لم تفتح مع قوى المعارضة أي حوارات جادة، ولم تسع لاستيعاب هذه القوى مما خلق تصادمًا حادًا، وقطيعة تامة، لم يعد ممكنًا في ظلها أن يعمل الفرقاء معاً بصيغة مشتركة لخدمة الصالح العام لبلادهم .ثمة أمر آخر لا يقل أهمية عن انسداد الأفق السياسي، وهو العامل الاقتصادي الذي يرى الخبير الاقتصادي د. سمير شركس إن له دوره البالغ في هذه الانقلابات عموماً، وفي موريتانيا على نحو خاص، إذ أن ثروات البلد المتعددة تتحكم فيها قلة تتصرف في تلك الثروات تصرف المالك في ملكه، وبالتالي تجمعت تلك الثروة في طائفة محدودة تزداد غنى يوما بعد يوم، وتنهب خيرات البلد، غير أن أيّاً من أولئك لم يقدم للعدالة، بل إن بعض المسؤولين حينما تطال يده العابثة مؤسسة ما، ينقل لمؤسسة أخرى يعبث بها وفق هواه، وأمسى من المسلمات في الشارع الموريتاني أن المال العام غنيمة يحق لمن تطال يداه أن ينهبها .

وفي هذا المناخ السياسي والاقتصادي المحتقن يزداد الفقراء فقرا، وتتآكل الطبقة المتوسطة لتتشكل في المجتمع ثنائية طرفاها طبقة عليا صغيرة تغرق في الترف، وأخرى كبيرة مهمشة وتشمل غالبية الموظفين والعمال والرعاة، وأغلب فئات المجتمع تعيش دون خط الفقر وفي ظل ظروف بالغة التردي .
ولعل هذه القراءة السريعة تضع أيادينا على جذور الأزمة السياسية في موريتانيا وليست هذه الانقلابات العسكرية إلا تجليا لها، ومظهرا من مظاهر تلك الأزمة السياسية والاقتصادية، وفي ظل تزايد الاحتقان الاجتماعي الناتج عن ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة وغير ذلك .

[email protected]