الحقوقي التونسي زهير مخلوف لإيلاف:
العمل الحقوقي يعيش حالة من الانحسار


quot;نستهدف التجاوزات مهما كان مصدرها و لم نتعمد التصعيد فنحن لسنا طرفا أو خصما لأحدquot;

quot;منفتحون على كل الحساسيات و الألوان وأبوابنا مفتوحة لكل من يبدي استعدادا للعمل في إطار العلنية و القانون والتزاما بالأسلوب الديمقراطي في التسييرquot;

quot;عاقدون العزم على مواصلة دربنا بكل جدية و مسؤولية دون استعداء أو استهداف لأحدquot;

حاوره إسماعيل دبارة من تونس : طويلة جدا المدّة الزّمنية الفاصلة بين تاريخ الوعد الذي قطعه لنا الحقوقي التونسي زهير مخلوف كاتب عام جمعية حرية و إنصاف للدفاع عن حقوق الإنسان بإجراء حوار صحافي معه ، وبين التاريخ الفعلي لعقد الحوار .

فالمنع و التأجيل المتكرران اللذان غالبا ما يكون وراءهما أعوان الأمن الذين يمنعون تارة مراسل ' إيلاف' من دخول مقرّ المنظمة في وسط العاصمة و طورا يمنعون ' مخلوف' ذاته من مقابلة أي كان ، من الأسباب التي جعلت هذا الحوار صعبا للغاية .

وفي مكان بعيد من كل من مقره ومحلّ سكنه ، كشف زهير مخلوف لإيلاف عن حالة من الانحسار يعيشها العمل الحقوقي في تونس عزاها إلى ما سمّاه quot; المضايقات و التعطيل الذي يحصل غالبا و الاختراق الذي استهدف بعض المنظمات و الهيمنة الإيديولوجية التي ميزت بعضها الآخر quot; .

كما شددّ الكاتب العام للمنظمة الحقوقية الأشهر في تونس عن استعدادها لـ 'رصد التجاوزات و الانتهاكات بكل القطاعات و المجالات دون تمييز أو تفريق ومهما كان مصدر تلك التجاوزات،معتبرا في الوقت ذاته أن العمل الحقوقي في تونس أضحى quot;ضريبة كبيرة و عبئا ثقيلا quot; كون المنظمة quot; لا تطمح للتسهيلات على حساب الانتهاكات quot; على حدّ تعبيره .

وفي ما يلي نصّ الحوار كاملا:


بداية سيدي، لو تعطينا نبذة مختصرة عن نشأة 'حرية وإنصاف' وهيكلتها و طبيعة عملها ؟

نشأت المنظمة في 1 تشرين الأول من العام 2007 بعد أن اتفقت مجموعة من الحقوقيين التونسيين على بعث هيكل حقوقي يهتم بمسألة الحريات و الحقوق الفردية و الجماعية الداخلية و الدولية و يرصد التجاوزات في هذا المجال ، و من هذه المجموعة تأسس مكتب تنفيذي موقت قام بالإجراءات القانونية العادية المعمول بها في تونس لبعث منظمة تعنى بالجانب الحقوقي ، وانتظرنا ثلاثة أشهر وهي المدة القانونية المفروضة لإخطارنا بالمنع أو رفض الطلب ، و لم يصلنا أيّ إخطار بالمنع أو الرفض و بذلك أصبحت منظمتنا جمعية حقوقية شرعية تعمل في إطار القانون سميت حسب قانونها الأساسي quot; منظمة quot;حرية وإنصاف quot; . و قد حضر جلستها العامة الأولى ثلاثة وثلاثون مؤسسا قاموا بانتخاب مكتب تنفيذي يضم أحد عشر فردا و نقحوا لائحة القانون الداخلي و سطروا السياسات الكبرى و المبادئ العامة للمنظمة.

و قام المكتب التنفيذي المنتخب و حسب القانون الداخلي بانتخاب الرئيس و توزيع المسؤوليات على أعضائه الأحد عشر و بذلك اكتملت الهيكلية المركزية للمنظمة.

الواضح للجميع أن منظمتكم استطاعت في وقت وجيز للغاية أن تتموقع في الساحة الحقوقية و تلفت إليها الأنظار ، ومن ذلك أن الحكم لم يستسغ طبيعة عملكم التّصعيدي و الذي يصفه البعض بالتّشهيري؟

نحن قمنا بدورنا الحقوقي العادي و البسيط و لكن بشجاعة وجدية و مسؤولية و من دون خلفيات إيديولوجية أو مصلحيّة أو سياسية و من دون معاداة لأحد شعارنا quot; أن نقول للمحسن أحسنت و للمسيء أسأت quot; وعلى أساس.quot; الدستور و القانون فوق الجميعquot; و لم نتعمد التشهير مطلقا بقدر ما استهدفنا التجاوزات مهما كان مصدرها ، و لم نتعمد التصعيد فنحن لسنا طرفا أو خصما لأحد ، إلا أن يكون عرض الانتهاكات في قاموس البعض يعتبر تصعيدا.

لكن عملكم الحقوقي يفترض أن تنالوا الاعتراف من قبل الجهات الرسمية و التوقّف عن تضخيم بعض الأحداث تمهيدا لبعض التسهيلات التي يمكن أن تفيدكم في نشاطاتكم؟

العمل الحقوقي في تونس يعيش حالة من الانحسار و ذلك لأسباب عدة منها الذاتي و منها الموضوعي ، فقلة نشطاء حقوق الإنسان و كثرة المضايقات والتجاوزات للحقوق و الحريات و ضمور ثقافة المطالبة بالحقوق الفردية و الجماعية لدى الناس و بروز ظاهرة الخوف على مستوى النفسية الفردية و العامة، و عدم اضطلاع جل النخبة المثقفة و الانتلجنسيا التونسية بدورها في تطوير الأوضاع تراكميا في الاتجاه الايجابي و ظهور عقلية المصلحيّة على حساب المبدئية في التعاطي مع القضايا و الانتهاكات ، كل ذلك و غيره دعم منظومة الظلم على حساب منظومة العدل و الحقوق و الحريات و منظمتنا لا تطمح للتسهيلات على حساب الانتهاكات و لا تقبل بالتجاوزات لحساب التموقعات فأعضاؤها و رجالاتها و مناضلوها طالما عانوا هذه الاخلالات في واقع الحياة.

هل استطعتم تجاوز الطرق التقليدية و النمطية في العمل الحقوقي وكسب قاعدة كبيرة من المنخرطين و الأنصار و الجميع يعلم أن الإحصائيات بخصوص إقبال التونسي على العمل التّطوعي غير ايجابيّة؟

المضايقات و التعطيل الذي يحصل غالبا و الاختراق الذي استهدف بعض المنظمات و الهيمنة الإيديولوجية التي ميزت بعضها الآخر،كلها أسباب جعلت من العمل الحقوقي في تونس يتميز بالتقوقع و التقهقر والانطواء حفاظا على الكيان من كل المترصدين و المتصيدين و من الهيمنة و الذوبان ، و قد عملت منظمتنا على تجاوز هذه التخوفات في تجربة فريدة من نوعها و ذلك بالانفتاح على كل الحساسيات و الألوان واعتماد الأسلوب الديمقراطي واقتحام الفعل العلني بعيدا من الذاتية و الأنانية و الحسابات الضيقة ثم إنه ليس للمنظمة ما تخشى منه أو عليه فالنضال ضد الانتهاكات لا يشترط التقوقع و التمحور حول الذات ( الكيان ) فكل المناوئين و المتصيدين و المترصدين و المخترقين سيسقطون عند الامتحان النضالي العلني الأول أو الثاني أو الثالث في أقصى الحالات، ثم إن شعبنا التونسي يزخر بالصّادقين و الصّالحين و المناضلين و بقدر ما نلتزم بقضايا المظلومين بقدر ما نكسب مناضلين آخرين و بقدر ما نكسب الناشطين تتوسع آليا دائرة اهتمامنا بالحقوق و الحريات ورصد التجاوزات بشكل أوسع و ترى هذه الجدلية بين النضال و الفعل و بين الاتساع العددي و الكمي و هكذا يتراكم النضال و التوسع و الصّدقية و المشروعيّة الواقعية للمنظمة.

لننتقل إلى شأن آخر، الحكم و بعض المعارضات في تونس لا تخفي خشيتها من أن تتحول 'حرية وإنصاف ' إلى بوابة لعودة بعض quot;الأصوليين القدامىquot; للنشاط الحقوقي و لم لا إلى النشاط السياسي ، و لا ننسى أن بعض قياديي حركة 'النهضة' هم من كبار مسؤولي منظمتكم؟

إن الظلم و القمع و المضايقات و الانتهاكات لم تفرق بين أحد من شعبنا التونسي مهما كان لونه أو إيديولوجيته أو فكره أو وضعه أو موقعه و حرية وإنصاف حين فتحت باب الانخراط في صفوفها لم تنظر إلى لون الناس و لم تبحث في مرجعياتهم و لم تنبش عن أفكارهم ولم تهتم بمعتقداتهم و إيديولوجيّاتهم بل إن كل من أبدى استعدادا للعمل في إطار العلنية و القانون والتزاما بالأسلوب الديمقراطي في التسيير و إيمانا بالقضايا الحقوقية دون تمييز أو خوف و على أساس المبدئية و الجدية و المسؤولية هو بالضرورة ناشط و مناضل حقوقي جدير بالانتماء إلى المنظمة وهي فخورة به. ثم إن النشاط الحقوقي في تونس بالذات ليس تموقعا ينال منه الحظوة و الجاه بل هو ضريبة كبيرة و عبء ثقيل لا يقدر عليه إلا مناضل حقيقي صادق و مخلص . و المتمعّن في تركيبة المكتب التنفيذي المنتخب أخيرا يكتشف وجود كل الحساسيات و الألوان و كما يقال quot; فان القانون الفيزيائي لحراك الألوان يخلص للون آخر جديد مغاير كليا quot; و خلط مجموعة ألوان ينتج منه لون مغاير ، فلما التركيز ndash; إذا ndash; على لون محدد بعينه في حالته الستاتيكيّة إذا كنا دائما في حالة ديناميكيّة تتحرك في كل الاتجاهات .

لكن هناك انطباع سائد يحوم حول خطيّة منظمتكم واستعدادها للدفاع عن الإسلاميين في تونس دون غيرهم ، ومن ذلك بياناتكم اليومية حول الانتهاكات التي تطالهم أو المحاكمات التي تستهدف بعض الشباب السلفي ؟

المتتبع لبيانات المنظمة يلاحظ توزع الاهتمامات و تنوع القضايا المتناولة حيث رصدت التجاوزات و الانتهاكات بكل القطاعات و المجالات وكل الأحداث دون تمييز أو تفريق فلقد اهتمت المنظمة بأحداث الحوض المنجمي و الانتهاكات الحاصلة به و بالأحداث التلمذيّة في محافظة صفاقس و مضايقة النشطاء الحقوقيين و النقابيين و المهنيين و السياسيين و عرضنا إلى تجاوزات البوليس السياسي في مسألة الحجاب و محاصرة المقرات و الاعتقالات العشوائية في صفوف الشباب المتديّن كما تابعنا جل التحركات المهنية و النقابية و الإعلامية و القضائية و الطلابية و ما اكتنفها من مطالب حقوقية كما أولينا أهمية لقضايا التحرر في الوطن العربي و في العالم سواء ما يتعلق بالأسرى أو بأوضاع العراق أو جثامين شهداء تونس في صفقة التبادل و قد واكبنا هذه القضية إلى أن دفن أصحابها و لم ننس أوضاع المهاجرين في أوروبا و ما يتعرض له من انتهاكات أو تمييز.و باعتبار تمركز الانتهاكات الحقوقية بشكل مفضوح في العقدين الأخيرين بما يتعلق بالمساجين السياسيين و مساجين الرأي فقد تركز اهتمامنا في هذا المجال بشكل ملحوظ و لكن لا يعني هذا أننا قصرنا في تناول المواضيع والأحداث الأخرى و ما اكتنفها من تجاوزات. و هذا ما أثار علينا البوليس السياسي و بعضا من أطراف السلطة.وقد أصدرت حرية و إنصاف تقريرها النصف سنوي أحاطت فيه بكل التجاوزات التي قامت بها السلطة وهو منشور ويمكن العودة إليه.

ألا تعتبر أنه من الخطر على العمل الحقوقي أن يتحول إلى تصفية حسابات بين بعض الجهات المعارضة و الحكومة ؟

إن أي نشاط حقوقي مهما كان بسيطا و مستقلا و حرا يعتبر في منظور المنتهكين لحقوق الإنسان بمثابة استقواء بالأجنبي أو عمالة للغرب أو هو تشويه لصورة البلد و في أحسن الأحوال ينعت بمقولة quot; التوظيف السياسي تحت غطاء العمل الحقوقي quot; فالظالم لكثرة ما انتهك و تعدى على الحقوق و الحريات و طوّع كل شيء في الوطن ( القانون ، القضاء، الإعلام، الأمن و الإدارة....) لتخدم منظومته القمعيّة فان أي تصدي لهذه الانتهاكات من طرف الحقوقيين يُخيّل لكل الملاحظين الانطباعييّن انه استهداف لكل شيء في البلاد و يعتقد أنه تصفية لحسابات و يصار إلى التضييق عليه من طرف السلطة الحاكمة ، و يخوّن ناشطيه. المطلوب هو أن تتخلى السّلطة عن أساليبها القمعية في التعاطي مع الحقوقيين و النشطاء فهم المكون الثالث للدولة ( حكومة وشعبا ومكونات المجتمع المدني) .

هنالك إجماع على أن المضايقات التي يتعرض لها حقوقيو quot;حرية و إنصافquot; قد بلغت حدّا كبيرا ، ألا تعتبرون أن تونس تمرّ حاليا بمرحلة حسّاسة تسبق انتخابات 2009 كما تتعاظم يوما بعد يوم التهديدات الإرهابية التي يمكن أن تطال البلاد؟ ثمّ ألا تضعون على عاتقكم 'مهادنة' مع الحكم في المرحلة المقبلة و استحقاقاتها الاستثنائية ؟

لقد تعرض حقوقيون سابقون لمثل هذه المضايقات و التهديدات و الهرسلة و الاستهداف و تعطيل النشاط. إذ كلما برزت حركة حقوقية جادة و جريئة و مسؤولة و مناضلة إلا وواجهتها السلطة بأعتى الأساليب القمعية و الانتهاكات المتنوعة و قد بلغت المضايقات للمنظمة و أعضائها حدا كبيرا و ذلك للصمود و المثابرة و الجرأة و المُصابرة التي تميز بها أعضاؤها و نحن سنقف ضد التجاوزات و الانتهاكات الصادرة من السلطة و أيضا ضد كل التهديدات التي تطال البلاد أو العباد و نحن نعتقد أن الوقت و المكان صالحان للنضال الحقوقي و عاقدون العزم على مواصلة دربنا بكل جدية و مسؤولية دون استعداء أو استهداف لأحد.