الشيخ اللحيدان يعود إلى واجهة المتاجر الصحافية بعد فتوى مثيرة
رئيس مجلس القضاء السعودي: لمن تقرع الأجراس؟
سلطان القحطاني من لندن: لا شيء يمكن أن يجعل من رئيس مجلس القضاء الأعلى في السعودية الشيخ صالح اللحيدان متطرفًا أكثر من ذي قبل سوى مرارة الشعور بالعزلة بعد أن ثبت عمليًا وبالأدلة أن عباءة القضاء التي يتولى شؤونها مليئة بالثقوب، إذ لا أحد يصدق أن هذا الشيخ ذا الصوت الوادع والملامح الهادئة يمكن أن يكون متطرفًا إلى هذا الحد.
إلا أن محبي الشيخ وطلبة علمه الذين يعتبرونه بمثابة الأب الروحي فإنهم لا يميلون مع هذا الرأي البتة معتبرين أنه تفسيرٌ يخالف الحقيقة، ذاك أنه بالنسبة إليهم أكثر من رجل دين، وأكثر من عالم، وأكثر من داعية، وأكثر من أب, وهم يرونه رجلا صلبًا يقاتل في سبيل مبادئه بشراسة تزيد مع تقدمه في السن عامًا في إثر آخر.
وعاد اللحيدان إلى واجهة المتاجر الصحفية في الرفوف العليا التي عليها لوحة quot;صدر حديثًاquot; بعد فتوى له ستتصاعد فصولاً خلال الأسابيع المقبلة أفتى فيها بجواز قتل ملاّك القنوات الفضائية كونهم quot;ينشرون الفسادquot; وذلك خلال مقابلة أجرتها معه إذاعة القرآن الكريم في برنامج نور على الدرب الذي تبثه إذاعة الرياض الرسمية صباح الخميس.

ويعتبر نورٌ على الدرب برنامج البرامج الدينية في المملكة المحافظة قبل أن تثور ثورة الأطباق الهوائية التي تلتقط كل يوم مئات القنوات والأفكار من الشرق والغرب مما أقصى جهاز الراديو إلى أجل غير مسمى عن سلم الأهمية. وإستضاف هذا البرنامج على مدار سنوات عددًا من أهم رجال الدين في البلاد.
وكان اللحيدان من أكثر الأصوات الدينية المعروفة بالنسبة إلى السعوديين وذلك دون الحاجة إلى رؤية ملامح وجهه؛ فقد كونوا مع صوته علاقة حميمة حتى أصبح بعد مرور السنين جزءًا لا يتجزأ من الذاكرة المحلية. بل إن الأغلب من محبيه وجمهوره لا يعرفون له هيئة مصوّرة إلا ما تبثه الصحف أحيانًا من ردود أو فتاوى أو مقابلات، ولا يعرفونه حين يظهر تلفزيونيًا إلا وقت أن يعلن المذيع عن اسمه، حتى أن صوره في أرشيف الصحف المحلية يمكن أن تعد على أصابع اليد الواحدة.
وبموجب الفتوى التي أصدرها فإن كل حكام الخليج وبعض أمرائها يقعون تحت طائلة هذا quot;الضوء الأخضر لتصفيتهمquot; كونهم يستحوذون على النسبة الكبرى من بين مالكي القنوات الفضائية. وتأتي هذه الفتوى التي من المتوقع أن تثير الجدل داخل الأوساط السعودية في تزامن مع الذكرى السابعة لأحداث الحادي عشر من سبتمبر.
والشيخ الذي هو على عتبة الثمانين من العمر لا يزال محترفًا في إثارة المعارك أسبوعيًا، إثر آخر معركة في المملكة التي تشهد حراكًا ثقافيًا لم يحسم بعد بين ما يسمون بالسلفيين والليبراليين. إلا أن هذه هي المعركة الأخطر أو قد تكون الأخيرة.
وصعد اللحيدان على سلم القضاء سريعًا بدرجة غير متوقعة؛ فبعد أربع سنوات من تخرجه من كلية الشريعة في الرياض أوائل الستينات من القرن الفائت تولى المحكمة الكبرى في العاصمة التي يعتبر كرسيه واحدًا من أهم الكراسي في المؤسسة القضائية السعودية بل وأكثرها نفوذًا.
وقد حصل على رسالة الماجستير من المعهد العالي للقضاء واستمر رئيسًا للمحكمة الكبرى حتى عين قاضي تمييز وعضوًا بالهيئة القضائية العليا.
ويرأس مجلس القضاء الأعلى منذ أكثر من 16 عامًا بعد أن كان نائباً لرئيسه مدة عشر سنوات. وعلاوة على هذا وذاك فقد كان صحافياً سابقاً في مجلة quot;راية الإسلامquot; الأمر الذي وفر له خبرة في قيادة معاركه الصحافية التي إشتهر بها خلال الأشهر الأخيرة في المملكة.
ويمتلك ترخيص هذه المجلة حالياً الكاتب السعودي المعروف بمناهضته للتيارات المتشددة محمد بن عبد اللطيف آل الشيخ.
والشيخ اللحيدان، الذي رفض إدانة الإرهاب بشكل صريح، حريص على اتخاذ مواقف متطرفة نتيجة عزم الدولة السعودية على إصلاح القضاء السعودي الذي يعيش أسوأ أوضاعه التنظيمية، على الرغممن محاولات وزارة العدل المدعومة من قبل عاهل البلاد الملك عبد الله بن عبد العزيز بغية تطوير القضاء وتقنين الشريعة.
وفي نظر مراقبين للشؤون السعودية فإن القضاء يظل أكثر العقبات صعوبة أمام مسيرة الإصلاح التي يقودها عاهل البلاد الملك عبد الله بن عبد العزيز.
إلا أن مجلس القضاء الأعلى الذي يرأسه اللحيدان وقف أمام كل هذه الخطوات الإصلاحية بالمرصاد. ولم يتوقف عند هذا الأمر وحسب بل عارض الخطة الملكية الرامية إلى تطوير المسعى لاستيعاب الأعداد الهائلة من الحجاج والمعتمرين التي تأتي إلى المملكة كل عام.
وعمت الساعات التي تلت فتوى الشيخ السعودي المتطرف اتصالات خليجية على ارفع المستويات للتعرف ودراسة الاحتياطات الأمنية تجاه تطور الفتوى وترجمتها عمليًا من المتطرفين ومؤيدي تنظيم القاعدة.
وعلم أن أوساطًا دولية تلقت هذه الفتوى بالدهشة المشوبة بالقلق نتيجة أنها تتناول العائلات الحاكمة في الخليج التي تتولى رعاية المحطات الفضائية وتمويلها وتعرضها لخطورة الاغتيالات، خصوصاً وأنها الأولى من نوعها التي ينطق بها اللحيدان كاسرًا بذلك احتكارًا حصريًا كان يمتلكه بن لادن والظواهري الذين أهدرا دماء أغلبية الزعامات العربية.
وسبق للشيخ أن أثار زوبعة سياسية كادت أن تتصاعد فصولاً بعد أن حصلت أجهزة الأمن الأميركية على تسجيل صوتي منسوب إليه يحث فيه الشباب السعوديين على الذهاب إلى العراق للانضمام إلى ما يسمى بقوات مقاومة الاحتلال.
كما أنه أبدى اعتراضه على مؤتمر الحوار الوطني الذي يعقد سنويًا في المملكة السعودية بقرار من الملك عبد الله قائلاً إن ما دعا إليه، في مؤتمره الأخير، من الحوار مع الآخر فساد معتبرًا أن التسمية الصحيحة للآخر هي quot;الفاسقquot;.
وإليكم الرابط الصوتي لفتوى الشيخ اللحيدان المثيرة للجدل: