عون وفرنجية يهاجمان الفكرة بعدما تحوّلت كرة ثلج
quot; كتلة وسطية quot; تخلط الأوراق الإنتخابية في لبنان

إيلي الحاج من بيروت:
لم يبدأ بعد تركيب لوائح المرشحين والتحالفات للإنتخابات النيابية المقرر إجراؤها خلال يوم واحد 7 حزيران / يونيو المقبل في كل لبنان، ولا تزال أسئلة تُطرح عما إذا كانت ستحصل حقاً لأن لبنان بلد اعتاد المفاجآت. ثم أن حرب غزة أخرت الإهتمام السياسي والشعبي بالشأن المحلي الضيق الذي تمثله إنتخابات نيابية تقرر أن تكون على مستوى القضاء وفقاً لقانون يعود إلى عام 1960، ولبنان مقسم 25 قضاء ، بينها 4 مدموجة في دائرتين ، فيما قُسمت العاصمة بيروت 3 دوائر مما يجعل الإنتخابات تدور في 24 دائرة لإيصال 128 نائباً إلى البرلمان نصفهم مسيحيون ونصفهم مسلمون.

في الإنتخابات الماضية عام 2005 نالت قوى 14 آذار/ مارس المناهضة لسورية الغالبية بنحو 70 صوتاً من دون أن تنال نسبة الثلثين، واحتفظت بصفة الغالبية رغم انشقاق النائب الجنرال ميشال عنها وانضمامه مع تكتله إلى قوى 8 آذار/ مارس المتحالفة مع سورية بقيادة quot;حزب اللهquot;. وكان عون حقق نتائج كبيرة في البيئة المسيحية وصلت إلى نحو 70 في المئة من الأصوات في ما اصطلح على تسميته quot;تسانوميquot; يعود إلى أسباب متعددة أبرزها شعور المسيحيين بأنهم مهددون بالتهميش مجدداً من خلال quot;تحالف رباعيquot; نشأ في ذلك الحين بين القوى الإسلامية الرئيسية ، أي quot;تيار المستقبلquot; وquot;حزب اللهquot; وحركة quot;أملquot; والحزب التقدمي الإشتراكي. ومنذ ذلك الوقت تؤكد القوى الأربع أن ذلك التحالف كان إنتخابيا ولم يكن سياسياً، وأنه كان خطأ لن يتكرر.

دفع quot;مسيحيو 14 آذارquot; غالياً في تلك المرحلة ثمن quot;التحالف الرباعيquot; من حسابهم وركزوا مع حلفائهم على استعادة حجم حضورهم في بيئتهم الشعبية والسياسية، وساعدتهم - إلى درجة تبين صناديق الإقتراع نسبتها- سلسلة خطوات مفاجئة أقدم عليها النائب الجنرال عون يعتقدون أنها لا تعبر عن المزاج السياسي للمسيحيين. مثل التحالف مع quot;حزب اللهquot; وتغطيته على سلاحه وعلى حربه في تموز 2006 وعرقلته انتخاب رئيس الجمهورية التوافقي العماد ميشال سليمان، فضلاً عن تحالفه مع سورية ومن يدورون في فلكها في لبنان. ولم يترك إعلام 14 آذار مناسبة إلا قصف فيها على الجنرال عون الذي لم تهزه المواجهات السياسية المتفرقة بقدر تحركات العضو السابق في تكتله النائب ميشال المر الذي نشط أخيراً رأس حربة في تشكيل ما سمي quot;كتلة وسطيةquot; يختصر برنامجها بدعم رئيس الجمهورية والدولة والجيش.

قبل طرح فكرة quot;الكتلة الوسطيةquot; التي بررها رئيس الجمهورية ثم أوضح أنه يترك للمرشحين والناس حريتهم ولا يتدخل في الشأن الإنتخابي، كانت آمال فريق 8 آذار معلقة على الشارع المسيحي ليعطي الجنرال عون ما يعتقد أنه كان حقاً سلب منه عبر quot;التحالف الرباعيquot; خصوصاً في دوائر إنتخابية صوّت فيها الشيعة، مثل دائرة بعبدا الكبيرة، للوائح quot;14 آذارquot; وبعد ذلك غيّروا رأيهم لحسابات تعود إلى تناقض السياسات، الأمر الذي ارتكز عليه quot;حزب اللهquot; والجنرال عون للقول أن الإنتخابات الماضية كانت مزورة للواقع الشعبي ولا تعكس حقيقة توجهات الناس، وأن الغالبية البرلمانية ليست غالبية في الواقع.

لكن quot;الكتلة الوسطيةquot; سرعان ما تبين أنها تحوّلت كرة ثلج تكبر وتتنامى مع الوقت، ولم يعد حتى الرئيس سليمان وقفها ولا سيما في الدوائر المسيحية التي يعوّل عليها الفريقان باعتبار أنها الوحيدة التي ستشهد معارك إنتخابية فعلية، نظراً إلى أن التوجهات السياسية العامة للطوائف الأخرى معروفة ومكرسة: quot;المستقبلquot; لقيادة السنّة، quot;حزب اللهquot; وquot;أملquot; للشيعة، والحزب التقدمي الإشتراكي للدروز. ومع بروز ترشيحات لأبناء عائلات سياسية قوية في جبل لبنان وإقامتها تحالفات شبه معلنة في ما بينها برعاية النائب المر ودأبه دق الجنرال عون النفير، بعدما كان اكتفى سابقاً بانتقاد فكرة الوسطية في المبدأ ووصفها بأنها فكرة غير وطنية ولا معنى للحياد في القضايا المصيرية التي حددها بمحاربة الفساد. وعندما قال عون أن quot;الوسطيةquot; لا معنى لها ولا طعم لها ولا لون تصدى له المر قائلاً بل أن لها لوناً وطعماً quot;وسنذيقكم إياهquot;. ودخل الوزير السابق سليمان فرنجية على الخط ليهاجم الفكرة ويتخطاها إلى رئيس الجمهورية واصفاً موقفه بأنه quot;ملتبسquot; داعياً إياه إلى إثبات براءته من السعي إلى تشكيل هذه الكتلة التي تخدم قوى 14 آذار، كما وصف كل من يدعم quot;الكتلة الوسطيةquot; بأنه quot;متآمرquot;.

ولا شك أن فرنجية استخدم كلمات كبيرة في معرض التعبير عن التبرم والضيق بالكتلة المذكورة التي لقيت تأييدا من البطريرك الماروني نصرالله صفير و14 آذار وفئات واسعة ممن لا يجدون أنفسهم في معسكر 14 آذار ولا في معسكر 8 آذار اللذين يوحيان برامج فكاهية عديدة على التلفزيونات اللبنانية تتهكم على مظاهر إنقسام عمودي عمّت البلاد من جراء خلافهما الشديد والذي لا هوادة فيه. كلمات كبيرة لأن جد فرنجية الرئيس الراحل سليمان ما كان ليصل إلى رئاسة الجمهورية لولا إنتمائه عام 1970 إلى كتلة وسطية وقفت في منتصف الطريق بين كتلة quot;النهج الشهابيquot; وخصومها في quot;الحلف الثلاثيquot;.

إلا أن الكتلة الجديدة المحكي عنها لن تقتصر على الأرجح على نواب مسيحيين ، فالوزير محمد الصفدي ، حسب معلومات quot;إيلافquot;، سيكون فيها أو قريباً منها وربما الرئيس السابق للحكومة نجيب ميقاتي إذا خاض الإنتخابات في طرابلس، وغيرهما. والأكيد حتى اليوم أن quot;مسيحيي ١٤ آذار يفسحون في المجال لquot;الوسطيةquot; ويؤيدون فكرتها ما دامت معركتها تصب في خدمة هدفهم الأول وهو إسقاط عون الذي لا يعترف بوجود أحد سواه بين السياسيين المسيحيين وفق اعتقادهم.

ومن مفاعيل quot;الكتلة الوسطيةquot; أنها ستبرد حدة الصراع التنافس بين مسيحيي 8 آذار و14 آذار بعد انهيار كل محاولات المصالحات في ما بينهم، وتؤمن لرئيس الجمهورية أصواتاً مرجحة في مجلس النواب نظراً إلى أن الفارق بين الكتلتين سيكون ضئيلاً، وبالتالي تحول هذه الكتلة دون انعكاس الصراعات الإقليمية في شكل مؤثر وحاسم على لبنان.

وثمة كثر في لبنان يفلسفون لهذه الكتلة التي قد تصل إلى 10 نواب، لكنهم لن يقدروا على تغيير موقف الجنرال عون الذي يقول إن quot;من ليس معنا فهو ضدناquot;.