"ان لبنان جدير بان يُحبّ لذاته، ويستحق ان نعيشه من أجل ما يقدّمه، ويتطلب منا ان ندافع عنه لأجل ما يجسّده، فلا تدعوا التهديد، أياً يكن مصدره، يرهبكم، ولا التعصّب، أياً يكن مشربه، يفقدكم توازنكم، ولا الأصوليات التي تطوقنا توهن عزيمتكم (...) فعلى الضغط الشعبي والديموقراطي ان يستمر، ويتسع، ويتعاظم، حتى نصل الى نتيجة ثابتة (...) وعلينا كذلك الاعتصام بالصمود (...) فخلاص لبنان رهن بذلك، وعليه يتوقف أمر استكمال استقلاله، واسترجاع سيادته، واستعادة حريته، وبناء ازدهاره".
مروان حماده
وزيرالمهجرين
(متوجهاً الى طلاب الطب المتخرجين
في جامعة القديس يوسف في 30/6/2001)
&
عيد القديس يوسف، شفيع الجامعة اليسوعية، بات محطة سياسية، منذ تولى الاب سليم عبو رئاسة الجامعة.
وقد حرص الاب الرئيس، سنة بعد سنة، على جعل المناسبة فرصة لطرح الهموم الوطنية للبنانيين عموماً، وللشباب منهم خصوصاً، عبر سلسلة من التأملات يدفعه اليها حسّه بالانتماء الى مجتمع حر يتعرض منذ اكثر من ربع قرن لشتى أنواع الضغوط، كما تتعرض فيه القيم الديموقراطية للانتهاك على يد سوريا الدولة الوصية على لبنان، والمهيمنة على مقدراته.
وغالباً ما كانت أفكاره تلقى تجاوباً من قطاعات واسعة من المجتمع اللبناني، بمسلميه ومسيحييه، وخصوصاً عندما يتوسل التحليل العلمي والموضوعية، وحتى الشمولية، للاقناع في موضوع استرجاع السيادة والاستقلال والقرار الحر، وضرورة انهاء الوصاية على لبنان وخروج القوات السورية من أراضيه تنفيذاً لاتفاق الطائف ولقرار مجلس الامن الدولي رقم .520
الا ان "تغرّب" الأب عبو وهو الذي عاش فترة طويلة في الارجنتين، وحصر نفسه بالمراجع الاجنبية في استشهاداته، او ما يُترجم له انتقائياً من العربية، جعله متخلفاً بعض الشيء عن مواقف يومية، لسياسيين ورجال دين، جريئة ووقحة احياناً من الوصاية السورية على القرار اللبناني، فضلاً عن التدخل السوري في الشأن الداخلي واخضاع اللبنانيين لنوع من الارهاب الفكري والسياسي، وحتى الطائفي والديني.
ولقد كان مستغرباً في خطابه الاخير يوم الثلثاء بعنوان "غضب الجامعة"، حديثه عن "سورنة" الجيش اللبناني وان ضباطه "يستكملون اعدادهم في سوريا حيث يتلقون بمثابة علاوة دروساً في عقيدة البعث".
ولسنا هنا لندافع عن الجيش، وقد ردت مديرية التوجيه فيه على ما ورد في الخطاب معتبرة انه "كلام تحريضي ضد الجيش اللبناني من مسؤول في صرح اكاديمي عريق". كما لا يعنينا الرد على الرد من الاب عبو ان الخطاب جاء "في اطار وطني واكاديمي محدد"، رافضاً أي "استغلال" له خارج هذا الاطار، وقد شكّل الرد على الرد "عذراً اقبح من ذنب"، نظراً الى استدراك صاحبه - بعدما وزع خطابه مترجماً من الفرنسية الى العربية، على كل وسائل الاعلام - انه وقع في خطأ كبير حيال الجيش فأخذه في جاروفته السياسية المندفعة بقوة في اتجاه الجبهة السورية، وهي تحض على "مقاومة وطنية، ديموقراطية وتوافقية، ترمي الى تحرير لبنان من كل وصاية" بعدما "انجزت المقاومة الاسلامية مهمتها عندما اضطرت المحتل الى الجلاء عن جنوب لبنان، على غرارما حققته المقاومة المسيحية في الامس القريب، عندما احبطت المشروع الاميركي الرامي الى تحويل لبنان وطناً بديلاً للفلسطينيين".
لسنا لندافع عن الجيش، لانه قادر على الدفاع عن نفسه، الا اننا نريد ان ندافع عن الصواب في فكر الاب عبو الذي استشهد بالسيدة علياء الصلح والوزير مروان حماده الداعيين الى النضال (علياء) والصمود (مروان) حتى استرجاع السيادة والاستقلال والحرية والازدهار. والدفاع عن الصواب يقضي بالا نشكك في وطنية الجندي او الضابط الذي نطالب بارساله فوراً الى الجنوب ليتسلم الاراضي المحررة، ويبسط سلطة الدولة على التراب الوطني المجبول بدماء المقاومة البطلة التي حطّمت اسطورة الجيش الذي لا يُقهر، وهو المصنف واحداً من اقوى اربعة جيوش في العالم.
ولا نريد ان نشكك في لبنانية هذا الجيش الذي نعتبره رمزاً للكرامة الوطنية وعنواناً للشهادة والذود عن حياض الوطن، وحامي الحريات الديموقراطية - او هكذا يفترض - وضامن الامن والاستقرار. واذا انحدرنا الى هذا الدرك خسرنا كل شيء.
وحذار هنا الخلط بين الجيش كمؤسسة لا تقوم اوطان ولا دول من دونها، والاجهزة الامنية والمخابراتية العاملة فيها والتي غالباً ما تناط بها مهمات، بتوجيهات من السلطة السياسية، تسيء الى الجيش وسمعته ومناقبيته. والمؤسسة العسكرية قادرة في هذا المجال على التصحيح والتصويب، وخصوصاً ان الخطأ فيها ممكن، لانه بشري، وان نظامها يقوم على مبدأ "نفّذ ثم اعترض"، اي ان على العسكري العادي والمخابراتي ان ينفذ اولاً - وإن شعر ان في الامر خطأ - ثم يعترض.
على ان جيوش العالم كلها هي جيوش وطنية وشريفة - غير مرتزقة - ولا تحتاج الى شهادات من أحد في هذا المجال، لان رجالها يكتبون سيَرَهُم بدمائهم. وليس قليلاً انهم قدوة في النظام والانضباط والخضوع للقانون. وكثيرون يخطّئون رئيس الجمهورية، الآتي الى رأس الهرم السياسي، من قيادة المؤسسة العسكرية، عندما يقول عن الجيش الذي يفاخر بأنه اعاد تنظيمه، أنه "الجيش الوطني"، ذلك بأن جيش لبنان كان دائماً "للوطن، للعلا، للعلم"، جيشاً وطنياً، تشارك فيه كل العائلات الروحية، ودوره معروف ومشهود له. وانه من الجيوش القليلة التي شاركت في معارك عام 1948 في فلسطين وحققت انتصارات. فهو احتل مواقع استراتيجية في معركة المالكية
التي ابلى فيها البلاء الحسن، وحرر فرقاً عدة من "جيش الانقاذ" قدرت بثلاثة آلاف مجاهد، من الحصار الصهيوني.
ثم طبيعي ان تكون للجيش عقيدة قتالية، ويعرف ان اسرائيل دولة معادية ومُغتصبة، وان شرف العسكري مرتبط بمقاومته الاحتلال والدفاع عن الارض والشعب.
وقليلون يعرفون دور الجيش في دعم المقاومة في الجنوب، ومشاركتها في عمليات كثيرة دون تعريض لبنان الدولة لخطر حرب مفتوحة مع اسرائيل.
لقد كان الجيش العين الراصدة، واليد المساندة، والدرع الواقية... و"قبع الاخفاء"، وقد تحدت المقاومة التكنولوجيا المتطورة في اسرائيل ان تكتشف وإن صاروخاً واحداً، أو قافلة، او مجموعة متسللة. علماً ان ساحة المقاومة كانت بقاع عمليات الجيش، على طول الحدود، وفي الداخل. وهذا كاف في ذاته.
ولطالما كان جيش لبنان "الصامت الاكبر"، وسيبقى.
ان مثل هذا الجيش يفرض احترامه على الآخرين، جيوشاً كان هؤلاء أم دولاً أم احزاباً.
ولن تقدّم في مفهومه للجندية ولدور العسكري الوطني، كما لن تؤخر، محاولات "السورنة" والتلقين البعثي، على ما اشار الاب عبو. ذلك بأن الجيش اللبناني محصّن كفاية، وله من تاريخ شعبه الذي قاوم التتريك قرابة خمسة قرون، اكبر حصانة حيال أي محاولة - في حال وجودها - لتطبيعه سورياً سواء في اطار التنسيق بين الجيشين السوري واللبناني، او في المسار الموحّد و"التلاحم" بين رفاق السلاح.
بل قد يجد السوريون في تنشئة العسكري اللبناني، وانفتاحه على العلوم العسكرية المعاصرة، وفنون القتال وأساليبه الحديثة، فضلاً عن اطلاعه، بفعل ثقافته الواسعة واللغات المتعددة التي يتقنها ونظام التعليم في المدرسة الحربية كما في كليات الاركان المختلفة - قد يجدون في رفاقهم ونظرائهم اللبنانيين "معلمين" "لا تلاميذ" يتوجهون الى سوريا من اجل& "التلقين" و"القولبة" البعثية العقائدية.
ولا نظنها غائبة عن اللبنانيين، عسكريين ومدنيين، عقيدة البعث والعقيدة السورية القومية، والافكار الوحدوية التي رافقت نشوء لبنان وكانت& الدافع الاساسي "لاسترجاع" سوريا للبنان - او توهمها ذلك - بوضع يدها عليه منذ حزيران 1976 تاريخ دخول قواتها الى لبنان.
ويجب ان يكون واضحاً، في ذهن الاب عبو، كما في اذهان سواه من المخلصين في نضالهم من اجل استرجاع السيادة والاستقلال والقرار الحر، ان الجيش يجب الا يكون بعيداً عن الشعب وتطلعاته،& بحمايته الحريات الديموقراطية لجميع اللبنانيين بكل فئاتهم وطوائفهم، وإن قضت اوامر السلطة السياسية في بعض الاحيان بتدخل الاجهزة التابعة له وتعرضه للحريات وقمع الاحرار. او منع الجيش من التدخل لحماية الكيان، كما حصل مع الرئيس رشيد كرامي الذي رفض انزال الجيش لوقف الاقتتال في بداية الاحداث، خوفاً من انقسامه، فانقسم الجيش رغم ذلك وتشرذم.
ويغلب على الظن ان محاولة "السورنة"، في حال وجودها، قد تتحول "لبننة"، كما ان تلقيح عقيدة الجيش اللبناني بالعقيدة السورية البعثية قد تنتج منها عقيدة معقلنة لبنانياً، تضفي على الايديولوجية السورية لمقاتلة اسرائيل - دون ان يتاح لجيش سوريا الانتصار عليها ودحرها - شراسة في التمسك بالحق المؤيّد بصواب النظرة المستمدة من تجربة مقاتلة العدو في الجنوب ودحره بالتضامن والتلاحم بين الجيش والمقاومة، بدعم من سوريا، ولكن من بعيد.
لذلك يجب ان يبقى الجيش حصناً وملاذاً، فوق التشكيك والهلوسات، جيشاً وطنياً بامتياز.
والجيش، مثله مثل لبنان لا يحتاج الى اضافات تكمّله.
ان الجيش. نقطة على السطر. (النهار اللبنانية)