ولدت دنيا ميخائيل في بغداد سنة 1965وحصلت على بكالوريوس أدب انكليزي من جامعة بغداد ، كلية الآداب، وماجستير آداب شرقية من جامعة " وين ستيت" الأمريكية. تعيش حاليا في ولاية ميشغان حيث تدرّس لغة عربية في مدرسة ابتدائية. نالت جائزة حقوق الانسان في حرية الكتابة من الأمم المتحدة ، 2001 .
أعمالها المنشورة: "مزامير الغياب" (دار الأديب البغدادية ، بغداد ، 1993)، "يوميات موجة خارج البحر" (دار الشؤون الثقافية، بغداد، 1995 ). هناك طبعة ثانية، صدرت عن دار عشتار (القاهرة ، 2000)، "على وشك الموسيقى" (دار نقوش عربية، تونس، 1997) و"الحرب تعمل بجد" (دار المدى، دمشق، 2001)..
أسعى الى الشعر البارد
من الصعب عليَّ أن أدرك ما هو الشعر بالضبط، لكني أعرفهُ قريبا الي كنفسي، جوهرياً كالماء، صديقاً افتقده دائماً، بيتاً ألجأ اليه واهتم بتأثيثه وتجديده. بالنسبة لشكله، هو خلية أميبية لا شكل معين لها. اما بالنسبة للمضمون فكل شيء يصلح للشعر اذا توفرت المهارة. بقدر تعلق الأمر بي، لا يدعو شعري الى تغيير العالم ولا يحلم بالخلاص مثلاً ولا ينطق باسم الجماعة ولا يحمل نفسه مشاق العمل على ابتكار جمل غامضة او كلمات عسيرة الفهم. تشتغل قصائدي بعفوية واعية غير سائبة، على نحو واقعي الى حد ما بالاعتماد على أفكار ولكن ليس على ايديولوجيات. المفارقة هي احدى أهم علامات اسلوبي في الكتابة وهي احدى أسرار تحقيق اللذة كذلك.
في كل الأحوال، تسعى قصائدي لأن تبدو "باردة" في أقسى المواقف مكتسبةَ سخونة داخلية أو توتراً داخلياً مثل أحشاء سمكة قبل الصيد بثانية. في نهاية الأمر، الشعر مسألة تجريبية تماماً، فكل قصيدة هي روح جديدة نحاول أن نمنحها الحياة لأول ولأخر مرة.
ربةُ الأشياء الجامدة
(خاصة بإيلاف لم تنشر من قبل)
الآن في ساعةِ موتِكَ
دعني أجيءُ إليك
أنا ربةُ الأشياء الجامدة
دعني أجيءُ إليك
الآن
ها أنذا :
الدراهمُ التي طالما عملتَ من أجلها
الشهادات
نظاراتك الطبيةُ
أحجارُ بيتك القرمزيةُ
الكتبُ
أوراقُ التأمين
بطاقات الهويةِ
البوصلةُ
حقيبتك الجلديةُ
الأثاثُ الخشبيُ
الحاسبةُ الأليةُ
دفتر المذكراتِ
تلك الشمعة المنطفئةُ
في الزاوية البعيدةُ
المظلةُ
والدبابيسُ
وكل الأشياء الجامدةْ
أجيءُ إليك الآن
في ساعةِ موتِكَ.
الحرب تعمل بجد
كم هي مجدّةٌ الحرب
ونشطة
وبارعة !
منذ الصباح الباكر
تبعثُ سيارات إسعاف
إلى مختلف الأمكنة
تؤرجح جثثاً في الهواء
تزحلق نقالات إلى الجرحى
تستدعي مطراً من عيون الأمهات
تحفُر في التراب
تُخرج أشياء كثيرة
من تحت الأنقاض
أشياء جامدة براقة
وأخرى باهتة ما زالت تنبض
تأتي بالمزيد من الأسئلة
إلى أذهان الأطفال
تسلّي الآلهة بإطلاق صواريخ
وألعاب نارية في السماء
تزرعُ الألغامَ في الحقول
تحصدُ ثقوباً وفقاعات
تدفعُ عوائلَ إلى الهجرة
تقفُ مع رجال الدين
وهم يشتمون الشيطان
(المسكين يدهُ مازالت في النار تؤلمهُ)
الحربُ تواصلُ عملها صباح مساء
تُلهمُ طغاةً لإلقاء خطب طويلة
تمنحُ الجنرالات أوسمةً
والشعراءَ موضوعاً للكتابة
تساهمُ في صناعة الأطراف الإصطناعية
توّفُر طعاماً للذباب
تضيفُ صفحات إلى كتاب التاريخ
تحققُ المساواة بين القاتل والقتيل
تعلّمُ العشاقَ كتابة الرسائل
تدرّبُ الفتيات على الانتظار
تملاٌ الجرائد بالمواضيع والصور
تشيّدُ دوراً جديدة لليتامى
تنشّطُ صانعي التوابيت
تربتُ على أكتاف حفاري القبور
ترسمُ ابتسامةً على وجه القائد
إنها تعملُ بجد لا مثيل له
ومع هذا لا أحد يمتدحها بكلمة .
بابا نويل
بلحيتهِ الطويلة كالحرب
وبزته الحمراء كالتاريخ
وقف بابا نويل مبتسماً
وسألني أن أطلب شيئاً
أنتِ فتاةٌ طيبة ، قال
لذلك تستحقين لعبة
ثم أعطاني شيئاً يشبه الشعر
ولأنني ترددتُ ...
طمأنني: لا تخافي يا صغيرتي
أنا بابا نويل
أوزعُ الجمالات للأطفال
ألم تريني من قبل
قلتُ: ولكن بابا نويل الذي أعرف
يرتدي بدلة عسكرية
ويوزع علينا كل عام
سيوفاً حمراً
ودمىً للأيتام
وأطرافاً اصطناعية
وصوراً للغائبين
نعلّقها على الجدران.
الطائرة
بعد ساعة من التأجيل
أقلعت الطائرة بركابها المشغولين
المضيفةُ لن تبتسم
الطالبُ لن يقرأ الرسالة
الممثلة لن تقوم بدور الأميرة
رجل الأعمال لن يحضر الاجتماع
الزوجُ لن يرى زوجته
المدرسّةُ لن تضع نظاراتها
خريجة الجامعة لن تتسلم عملها الجديد
العاشقُ لن يحتفل بعيد ميلادها
المحامي لن يدافع عن الموّكل
المتقاعدُ لن يكون هناك
الطفلةُ لن تسأل المزيد من الأسئلة
الطائرة لن تحط.
ضمائر منفصلة
هو يلعبُ قطاراً
هي تلعب صفارة
هم يرحلون
....
هو يلعبُ حبلاً
هي تلعبُ شجرة
هم يتأرجحون
....
هو يلعبُ حلماً
هي تلعبُ ريشاً
هم يطيرون
....
هو يلعبُ قائداً
هي تلعبُ شعباً
هم يعلنون الحرب.