د. وليد محمود خالص
هذا كتاب آخر من الكتب التي طُبعت عن أصل مخطوط يدخله التحيّف، ويلابسه الظلم، وهناك كتب كثيرة سبقته نالها ما نال هذا الكتاب من التعجّل، وتجنّب المنهج العلمي في التحقيق، ونشر النصوص المخطوطة، وستكون هذه الوقفة عند قضية التحقيق وحدها بلا تعمّق في الكتاب، وما طرحه من آراء مختلفة عليها، فهذا ليس موضعه هنا، كما إنَّه يقتضي جمهرة من المقالات لا مقالة واحدة، وسيكون المدخل لهذا الموضوع التوقّف قليلاً عند المؤلف، وكتابه بالاعتماد على المصادر الموثقة.
أمّا المؤلف فهو الشاعر العراقي الكبير الأستاذ معروف عبدالغني الرصافي المولود ببغداد سنة 1875 للميلاد، والمتوفّى بها في اليوم السادس من الشهر الثالث من سنة 1945 للميلاد، وهو بين ذينك التاريخين يدرس، ويكتب، وينشغل بالسياسة، ويقضي ردحاً من عمره في التدريس، ويتنقّل في أرجاء المعمورة حتى يستقر به المقام أخيراً في بلده. وهذا موجز سريع لحياة الرصافي إذ لسنا في معرض الاستفاضة عن حياته فهناك دراسات كثيرة متخصصة سبقتنا فَصَّلت الحديث عن تلك الحياة المضطربة القلقة، غير أنَّ ما نريد لَفْتَ النظر إليه هنا هو ذلك الظلم الذي رافقه في مراحل حياته، ويبدو أنَّه ظلَّ ملازماً له بعد وفاته، ومن مظاهر ذلك الظلم تلك الصورة التي ظهر عليها كتابه الذي نحن بصدد الحديث عنه، وكأنَّي أستذكر أبيات الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري في رائعته التي مطلعها:
تمـرَّ سـتَ بالأولى فكنـتَ المغامـــرا


وفكـَّرت بالأخـرى فكنـتَ المجاهـرا
تلك الرائعة التي يخاطب بها الرصافي قبيل وفاته بقليل، وذلك في سنة 1944، فيقول فيها:
وإنِّـي إذ أهـــدي إلـيـكَ تحـيـّتـي



أهـزّ بـك الجيـل العَقوق المعاصـرا

أهــزّ بـك الجيـل الـذي لا تـهــزّه

نوابـغـه حتـى تــزور المقابــرا
ولا ريب في أنَّ الجواهري بأبياته السابقة يشير صراحة إلى شيء من ذلك الظلم الذي وقع على الرصافي، وهو الظلم الذي أوصله إلى المقابر محسوراً، ممروراً، حزيناً، وأزيد فأقول إنَّ الرصافي نفسه يشخّص حالته، وما آل إليه في أبيات يرسلها من الفلوجة إلى الجواهري وهو ببغداد، يقول فيها:
ركبـتُ بحـور الشعـر قبلـك خـائضـاً

لعمـرك منهـا كـلّ طــامٍ وزاخـرِ

بكيـتُ بهـا المجـدَ المضـاعَ& بأدمــعٍ


مـن الشعـرِ شـروى اللؤلؤِ المتناثـرِ

فلـم أَلـْفَ إلا منـكـريـن مكانـتــي

يحيـدون عنّـي بالوجـوهِ النـوافـرِ

أنـا اليـوم في هــذي الحياة على شفـا

أشاهـد منهـا مـرقـدي في المقابـرِ
وقد وقع الظلم، وكان ما كان، أمّا الكتاب فَلَه خبر آخر.
تحدّث مَنْ كتب عن الرصافي، أو ترجم له أنَّه ترك ثروة ثمينة من الكتب بلغت عشرين كتاباً، ويزيد. طُبع بعضها، وما يزال الآخر مخطوطاً ينتظر التحقيق، والنشر العلمي. وما يشغلنا من هذه الكتب الآن كتاب [ الشخصية المحمدية ] الذي صدر ضمن منشورات الجمل بألمانيا سنة 2002، ويقع بـ 766 صفحة من القطع المتوسط، ومن الجليّ أنَّه كتاب ضخم، عالج فيه الرصافي مسائلَ شتّى، كتبه في معتزله بالفلوجة، وقد أحسنت دار الجمل إذ نشرت الكتاب فقدّمت بذلك خدمة لتراث الرصافي المخطوط، ولكنّها خلطت بذلك الإحسان أشياء وأشياء ما كان ينبغي لها أن تقع، فكأنَّها اشتركت مع أولئك الذين ظلموا الرصافي، وأيّ ظلم أكبر، وأوقع من نشر كتاب لمؤلِّف راحل لا يلتزم فيه ناشره بأصول التحقيق العلمي، وطرائقه المعروفة، وهذا بيان بالمآخذ التي وقعت في تلك الطبعة، ونترك التعليق النهائي إلى آخر المقال.
1- تخلو الطبعة خلوّاً تاماً من اسم محقّق، أو شخص ما قد اعتنى بها، فمن الذي قرأ المخطوطة؟ وقدّم لها القراءة السليمة كما ارتضاها صاحبها الرصافي. أي مَنْ يتحمل مسؤولية النشر هذه؟ أهي الدار؟ أم جهة أخرى؟ إنَّ هذه النشرة تذكِّرنا بتلك الطبعات البيروتية التي راجت، وانتشرت لجمهرة من كتب التراث، إذ خرجت بلا اسمِ محقّقٍ مكتفية باسم الدار وحدها، وهي الطبعات التي اصطُلح عليها بـ [ الطبعات التجارية ] التي لا يجوز للباحثين الذين يحرصون على المنهج العلمي أن يرجعوا إليها في أبحاثهم، فهي بعيدة عن التوثيق، والتدقيق. فهل تنضوي طبعة هذا الكتاب تحت ذلك المصطلح، أي [ الطبعات التجارية ]؟ مظهر الكتاب، وهيئته يشيران إلى ذلك.
2- جاء في الصفحة الرابعة، وهي صفحة ظهر الغلاف ما يأتي: [ ... كما إنّ له الرصافي العديد من المخطوطات التي لم تطبع بعد، ومنها هذا الكتاب الذي أنجزه عام 1933 في الفلوجة بالعراق ]، أي إنَّ الرصافي خطّط لهذا الكتاب، وجمع مادته، وكتبه، وانتهى منه في عام واحد هو سنة 1933، وهذا لا يجوز عقلاً وواقعاً في كتاب كبير بهذا الحجم، وهذا شاهد من شواهد التعجّل، وإطلاق الأحكام بلا تدقيق، إذ الصواب أنَّ الرصافي كان قد بدأ التفكير في هذا الكتاب، وجمع مادته قبل هذه السنة، وحين اعتزل في الفلوجة بدأ الكتابة فيه، وظلَّ مستمراً في الكتابة إلى سنة 1941، يساعدنا على هذا الأمر نصّان وردا في مصدرين مختلفين، أمّا أولهما فهو ما ذهب إليه الأستاذ عبدالحميد الرشودي محقّق كتاب [ الآلة والأداة ] للرصافي في قوله: [... وعند قيام ثورة مايس 1941، ومداهمة المرتزقة الذين جلبهم الإنكليز لمدينة الفلوجة، واستباحتها، غادر الرصافي معتزله، واضطرّ للعودة إلى بغداد فاتخذ من الأعظمية مستقراً ومقاماً ] [ ينظر الآلة والأداة، مقدّمة المحقّق، ص504 ]، وثاني النَّصين ما قاله الأستاذ محمود العبطة وهو يتحدّث عن آثار الرصافي: [ ... وفكرة تأليف الكتاب قامت في نفسه الرصافي عام 1929، ونفّذها في عام 1933 عندما أقام في الفلوجة، وبقي يشتغل فيه حتى عام 1941 ] [ مقال الأستاذ محمود العبطة عن آثار الرصافي، مجلة المورد، بغداد، سنة 1975، العدد الرابع، ص57 ]، كما أكَّد هذا الأمرَ الأستاذ ميخائيل عواد وهو يفهرس مخطوطـات المجمع العلمي العراقي. [ ينظـر مخطوطـات المجمـع العلمي العراقي، 2/66 ]، ويتفق النَّصان على سنة 1941، وهي السنة التي ترك فيها الرصافي الفلوجة إلى بغداد، وهي السنة نفسها التي أودع فيها الرصافي مخطوطة الكتاب عند صديقه المرحوم محمود السنوي. وعلى هذا فإنَّ الرصافي ظلَّ يشتغل في الكتاب عشر سنوات وتزيد، وهي مدّة معقولة لإنجاز مثل هذا الكتاب الضخم، لا كما ورد في ظهر صفحة الغلاف.
3- وعد مَنْ قام بطبع الكتاب، وليعذرني القاريء الكريم في استعمال [ مَنْ ] فأنا لا أعرفه كما ورد في الملاحظة الأولى السابقة، أقول وعد بـ [ تقصّي الأحاديث والآيات وغيرها من التنصيصات بأنَّها سـوف تدرج في ملحق يشير إلى رقم الصفحة والسطر ] [ ص6 ]، ويخلو الكتاب من هذا الملحق الموعود، كما إنَّ لفظة الآيات يجب أن تسبق لفظة الأحاديث للاعتبارات المعروفة.
4- يحفل الكتاب بهوامش توثّق النصوص الواردة في المتن، ولا ندري إن كانت هذه الهوامش في أصل المخطوط، أم وضعها مَنْ قام بالطبع، ونرجّح الثانية بدليل ما سيأتي.
5- وضع مَنْ قام بطبع الكتاب قائمة بالمصادر، والمراجع في آخر الكتاب، ومن المؤكّد أنّها من عنده وليست في الأصل بدليل ورود كثير من هذه المصادر والمراجع بطبعات صدرت بعد وفاة الرصافي بزمن طويل، ومن الملاحظ أنَّ الناشر يتعمّد إغفال سنوات الطبع، وهو أمر ملزم للباحثين والمحقّقين وهم يضعون مثل هذه القوائم، وندَّ عن هذا الإغفال واحد من المصادر هو كشّاف الزمخشري الذي تشير القائمة إلى أنَّه طبع سنة 1966، ونضيف هنا كتاب إعجاز القرآن للباقلاني الذي طُبع طبعته الأولى سنة 1954، وتاريخ الخلفاء للسيوطي بتحقيق رحاب عكاوي الذي طبع سنة 1992، وهي الطبعة التي يرجع إليها الناشر، وطبعة شعيب وعبدالقادر الأرناؤوط لكتاب زاد المعاد لابن القيم الجوزية التي صدرت في ثمانينات القرن الماضي، فهذه وغيرها طبعت بعد وفاة الرصافي، فهل يعقل أن يكون قد قرأها بعد الوفاة؟ ولا بيان لذلك كلّه في هذه الطبعة الغريبة.
6- أراد الناشر أن يوهمنا أنَّه يتبع المنهج العلمي في التحقيق، ونشر النصوص فأثبت في الصفحة الرابعة ما نصّه: [ نسخة من الأصل، مع الوثائق الملحقة محفوظة في إحدى مكتبات جامعة هارفارد، وجاءت هذه الطبعة مطابقة لها ]، ويعتري هذا النصَّ وهن من جهات مختلفة، فهو يصرّح أنَّ الناشر لم يطّلع على الأصل بل على صورة منه يسّميها [ نسخة ]، وهي ليست بنسخة، ولو كانت كذلك لجاء الكلام مختلفاً، ووهن آخر يتمثّل في تلك التعمية التي جاءت هكذا: [ ... إحدى مكتبات هارفارد ]، فما رقمها هناك؟ وفي أيّ مكتبة تقبع من تلك المكتبات هذه النسخة المظلومة؟ فلفظة [ مكتبات ] تشير إلى الكثرة مع أنَّ المقام يستلزم التحديد، والتعيين، وكيف وصلت إلى هناك مع أنَّها [ صورة ] حديثة نسبياً؟ الله وحده يعلم ذلك، وناشر الكتاب. ووهن ثالث هو تلك الوثائق الملحقة، فما هي؟ وما طبيعتها؟ أهي جزء من الكتاب ارتأى الرصافي أن يجعلها خاتمة لكتابه؟ أم شيء آخر؟ وقد ضنَّ علينا الناشر بهذا كلّه فلم ينشر منها شيئاً، ويفيدنا هنا وصف النسخة الأمين المحفوظة في مكتبة المجمع العلمي العراقي، فنرى الرصافي يلحق بعد انتهائه من الكتاب ثلاثة أمور هي: إيضاح عن النسخة الأصلية وسنفصّل الحديث عن هذا الإيضاح في النقطة التالية، ويأتي بعد ذلك صورة الرصافي، ثمّ وصيّته. فهذه ثلاثة أمور أغفل الناشر نشرها، وهو وحده يعلم السبب.
7- ونأتي إلى مربط الفرس، وفصّ الحديث، وجوهر الكلام كما تقول العرب، ولعلَّ ما قلناه سابقاً هو أشبه بالحاشية على هذا المتن الذي نريد جلاءه، وتبيانه هنا، فقد جاء في ص13 تحت عنوان كبير هو: [ إيضاح عن النسخة الأصلية ] ما يأتي:
[ إجازة الرصافي في النقل اطّلعت على هذه النسخة... من كتابي الشخصية المحمدية فرأيتها صحيحة كاملة خالية من الأغلاط في النسخ، فلذا أجيز... روايتها، والنقل عنها... كتبت هذا إعلاماً بذلك.
معروف الرصافي
وأسارع فأقول إنَّ النقاط الواردة في النصّ هي في صلب المطبوع، وليست من عندي ممّا يشير إلى حذف ما قد وقع، وهذا الحذف قد أفقد هذه المطبوعة قيمتها العلمية؛ لأنَّه ثلم الأساس الذي قامت عليه الثقة بها، وصحّة نسبتها إلى الرصافي، فقد رأينا الرصافي يستخدم لفظتي [ إجازة ] و [ أجيز ] وهما من مصطلحات علم الحديث الشريف خاصة، والعلوم العربية الإسلامية عامة، ومعلوم أن الإجازات [ متنوعة أنواعاً ] على حدّ قول ابن الصلاح في مقدمته، ص263، إذ أوصلها إلى سبعة أنواع، والإجازة قسم مهمّ من أقسام طرق نقل الحديث النبوي وهي تشير إلى ضبط، وإتقان أولئك المحدّثين رحمهم الله، والإجازة التي استخدمها الرصافي هنا هي أوّل أنواع الإجازات، وهي [ إجازةٌ لمعيّن في معيّن، مثل أن يقول: أجـزت لك الكتاب الفلاني، أو: مـا اشتملـت عليه فهرستي هذه ] [ مقدمة ابن الصلاح، ص262 ]، ويقول الدكتور محمد عجاج الخطيب، وهو من علماء الحديث المعاصرين: [ ... والإجازة على أنواع عدّة، وأعلى صورها أن يحمل العالم كتاباً أو كتباً من كتبه ومروياته ويقول للطالب: هذا الكتاب أو هذه الكتب سمعتها من فلان، وإنّي أجيز لك روايتها عنّي، وهذا ما يسمّونه إجازة من معيّن، وهو الشيخ، لمعيّن وهو الطالب، في معيّن وهو الكتاب المجاز به [ أصول الحديث، ص238 ]، ويقترن بالإجازة مصطلح آخر هو المناولة، وفي حالتنا هنا تتلخّص في قول [ الشيخ لتلميذه: خذ هذا الكتاب فانسخه وراجعه ثم ردّه إليّ ] [ علوم الحديث ومصطلحه، د. صبحي الصالح، ص97 ]، ومن المؤكّد أنَّ الرصافي كان عارفاً بذلك كلّه، خبيراً بأنواع الإجازات والمناولات، فقد بدأ حياة الطلب على يد أعلام كبار أخذ على أيديهم العلوم الإسلامية المتداولة ومنها علم الحديث ومصطلحه، مثل الشيخ عباس القصاب، والشيخ عبدالوهاب النائب، أمّا السيد محمود شكري الألوسي فقد كان أستاذه الحميم الذي أولاه عناية خاصة، وزرع فيه علومـه الغزيرة، [ ينظر معجـم الشعراء العراقيين، جعفر صادق التميمي، ص401 ]، وتأسيساً على ما تقدّم فإن إجازة الرصافي نفسه وهو المعيّن الأول، والكتاب وهو المعيّن الثالث، فمن المعيّن الثاني أو الركن الثاني في تلك الإجازة؟ هذا ما ضنّت به المطبوعة لسبب نجهله، بل هذا ما حذفته المطبوعة وجعلت مكان الحذف نقاطاً تشير إليه، ولكن لحسن الحظّ فقد توصّلنا إلى الركن الثاني المحذوف من خلال المصادر التي تحدّثت عن الكتاب، والركن الثاني هو الأستاذ كامل الجادرجي رحمه الله السياسي العراقي المعروف، فقد جاء في مقال الأستاذ محمود العبطة المشار إليه سابقاً ما نصّه: [ ... ويقع الكتاب في 43 كراسة، أودعه الرصافي بخطّه لدى صديقه المرحوم محمود السنوي، كما استنسخه الأستاذ مصطفى علي، واستنسخه الأستاذ كامل الجادرجي بخطّه، ويقع في أربعة مجلدات تضمّ 1154 صفحة، وعليه إجازة بخطّ الرصافي نفسه ]، فإذا كان هذا النصّ يشير إلى الإجازة، ولكنّه يغفل مَنْ أجيز له الكتاب، فإنَّ الأستاذ المدقّق ميخائيل عواد يجلو غامض تلك الإجازة، أو قل ركنها الثاني حين يصف مخطوطة الكتاب فيقول: [ إيضاح عن النسخة الأصلية (4ص) كتبها السيد كامل الجادرجي ناسخ هذه النسخة. يلي ذلك: كلمة كتبها معروف الرصافي بتاريخ 15 آب 1944 هذا نصّها: اطّلعت على هذه النسخة التي استنسخها صديقي الفاضل كامل الخيام (الجادرجي) على النسخة التي كتبتها بخطّي من كتاب الشخصية المحمدية فرأيتها صحيحة كاملة خالية من الأغلاط في النسخ، فلذا أجيز له روايتها، والنقل عنها، والاعتماد على ما هو مكتوب فيها قبل طبع نسخة الكتاب الأصلية. ونشرها، وبما أنّي أثق بثقافة كامل الخيام، وبصدقه وإخلاصه في مسائل العلم والأدب، كتبتُ هذا إعلاماً بذلك ]، ونقلت النصّ بحروفه كما ورد في كتاب مخطوطات المجمع العلمي العراقي، 2/69، والمجمع يحتفظ بنسخة مصوّرة من الكتاب، ومن الملاحظ أنَّ النصَّ هنا هو نفسه الموجود في المطبوع ولكن بلا حذف، أو تنقّص، وقد فعل الحذف فعله في تعمية نصّ الرصافي، وإضفاء طبقات من الغموض عليه، بل بروز الشكّ في كون هذه المطبوعة هي نسخة مطابقة للأصل، ثمّ مَنْ يدرينا بعد أن أعمل الناشر قلمه في حذف ما حذف في تلك الإجازة المهمّة، أقول ما يدرينا أنَّ الحذف، والتغيير قد داخل نصَّ الكتاب نفسه، فما دام قد وقع مرّة، فلِمَ لا يقع أخرى، بل مرات؟
إنَّ متن الكتاب يتعرّض لقضايا خطيرة تمسّ أصول العقيدة الإسلامية، وشخصية رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو محتاج لوقفات طويلة كما أشرت سابقاً -، غير أنَّني أدعو الناشر المحترم هنا إلى توضيح موقفه من تلك الملاحظات التي عرض لها هذا المقال، وإلى أن نسمع منه فإنَّ الشكَّ يكتنف الكتابَ من جهات مختلفة، فلم يثبت عندنا أنَّه للشاعر العراقي معروف الرصافي حتى الآن، وإن تفضّل الناشر فبيّن الأسباب التي حَدَتَ به إلى هذا الحذف، والتعجّل فلنا معه وقفات أخرى، ولعلّي أختم هذا المقال بأبيات شيخ المعرّة، أبي العلاء حين يقول:
جـُرْ يا غـراب وأفسـدْ لـن ترى أحداً

إلا مسـيئـاً، وأيّ الناس لـم يـَجـُرِ

هُـمُ المعاشـر ضامـوا كـلَّ مَنْ صحبوا

مـن جنسهـم، وأباحـوا كـلَّ& محتجرِ

لـو كنـتَ حـافـظَ أثمـارٍ لهـم يَنَعـَتْ

ثـمّ اقتربـتَ لما أخلــوكَ من حجـرِ


جامعة السلطان قابوس/ كلية الآداب والعلوم الاجتماعية