ولد في الناصرية العام (1957). امضى 12 عاما في الجيش جنديا مكلفا. اربعة قبل الحرب العراقية الإيرانية وثمانية فيها. تشرف وعائلته بالمشاركة في انتفاضة آذار المجيدة في العام 1991 في الناصرية، مع مئات الألوف من أبناء المدينة. امضى ثلاث سنوات في مخيم رفحاء.
كتاباته كتاب عن انتفاضة آذار المجيدة 1991 في الناصرية. جمهورية رفحاء. حرب 80 مجموعة شعرية غير مطبوعة. كلمات سلسلة من المقالات السياسية تواكب الأحداث الجارية في بلاده، منذ ماقبل سقوط طاغية العراق. ترجَمَ عن اللغة النرويجية ثلاث مجاميع شعرية صدرت منها اثنتان عن دار الواح. مالاقيمة له تور أُلفن. إلى الأرض مع التحية رولف ياكوبسن. أحاسيس شاعرية ستَيْنْ مَيرَن. ترجمتْ قصائده إلى الإنكليزية والإيطالية والنرويجية والفارسية. يقيم في أوسلو منذ العام 1993 ولايقيم حتى يتبرك ثانية بتراب وطنه الحبيب.
في فضاءات الشعر
كل تأمل سابق على كتابة النص الشعري هو ألم وقلق على كتابة النص وفيه، ذلك ان الاستغراق في الحياة والتأمل فيها يتطلب نوعا من الحب والمجاهدة للوقوف على صورتها، كل انتهاء من كتابة نص جديد هو تبويب للألم اللغة فيه وعاء، بها يغترف الشاعر من بحر الحياة الزاخر ويشكل أوهامه، كل شاعر ينزع إلى استباق نصه بروحه شاعر يعيش في الألم الإنساني بتجرد النسّاك، كل سهر حتى يطلع الصباح، دون الظفر بنسق يضع الشاعر فيه تجربته وانفعالاته ألم زمن يمضي باستمرار، كل ذهول لما يعتري الحياة من معاني جديدة في صيرورتها ألم، ينبغي أن يتمخض بسرعة عن قصيدة قبل حلول ذهول جديد ويكون الألم مضاعفا، وعلى الشاعر ان لاينتظر حتى يُعصف بقلبه الضعيف كل هذا العصف، كل استحسان لفكرة في قصيدته مبعث ألم للشاعر، لأن الاستحسان وقوف والشعر يخطو إلى الأمام باتجاه الحقيقة، كل ماليس يصطاده الشاعر من الفاظ ومعاني، فيتلاشى بعيدا ويصبح هو كالقابض على الجمر ألم على الشاعر التفكير جديا باعادة المحاولة من جديد، لأنه أي الشاعر مقيم رؤى مدفوع بشغف لانظير له، كل عمل شعري إبداعي بنية رآى فيها المبدع زمانه تنطوي على ألم محضته يد ليس لحظها من الغموض بأقل من حظ الحياة في غموضها وعنفوانها، كل معرفة بالوجود ألم -اذا استعرنا مواجد المتصوفة- يتسع ليشمل فضاء الكلمات الذي يشتغل عليه الشاعر، كل ما يدافع عنه الشاعر المبدع لكي تكون الحياة أجمل يضمر الالم، لأن الجمال ليس ميؤسا منه حتى نقف مكتوفي الأيدي أمام نقيضه،كل جلوس للشاعر على نهر الزمن، فتمر العصور من تحت سن قلمه، ألم يتزود من آلام شعراء تلك العصور وهم يقفون على سواحل أزمان مضت، كل حرف يربيه الشاعر ويسهر عليه، يهدهده ويحنو عليه حتى يصب فيه رؤياه، ألم مستمر مابقي الشاعر مخلصا لشرط وجوده الإبداعي، كل خيال ألم حتى يتماثل مع ماينتظر منه الشاعر، كل سهر على ورقة بيضاء ألم حتى تَسوَدَّ من كثرة الجذب، كل روح تنفعل بالعالم من حولها، فتزهد بكل شيء الاّ الشعر، ألم يطهر الروح أكثر مما ينتكس بها على أعقابها، كل قصيدة لاتزحزح قناعة راسخة في هذا العالم، ألم لم ينكتب وهذا هو أسوأ انواعه ، لأن القصيدة رؤيا تنتقل بالعالم خطوات خلال حقول الجمال البكر، كلما لاح فجر نص جديد، وانقلب الشاعر على فراشه، كما لو كان مغشيا عليه، ألم صحَّ في قول أي شيء عن الحب الخلاق والنجوى والهيام، كل تآخي يسعى إليه الشاعر بين النبات والروح الانساني والسماء والكائنات ألم، لان الهيامات التي في قلب الشاعر لابد أن تكون معطوفة على ماقبلها من سورات الحب، كل ولادة لقصيدة جديدة مخاض وألم عسيران، لأن الشاعر امتثلت فيه دورة زمنية وأفلاك وأوتار وأرقام وخفقات قلوب ونزوعات وأوهام وتبريرات دبرها ذهنه وعافها عقله.
اوروك
في النظرة المنحرفة لأسد بابل
في الطيران المعادي للثور المجنَّح
في حيرة جلجامش أمامَ سيدوري
في النهر وأصدقائي السعداء بغرقهم
في ذكرياتي التي نسيتُها
ونَسَبَتْها الحروبُ إلى نفسها
في منتصف ليل ساعة البلاد
في اللصوص
وهم يُصعّدون الغنيمة إلى فكرة ما
لم يكسروا قفلا
لم يلبسوا قفازا
في الحرب التي رجعتْ من أخي بجثّتها
في الصواريخ التي قصفتْ أحلامنا
وزلزلتها تسع درجات على مقياس ريختر
خرجنا
اقمنا الخيام في عراء الدول
في الخراب الذي أخذ العراق بين اصبعيه
ومايزال السذج من أبناء وطني
في المناسبات
يرفعون أصابعهم
يسمون الموت نصرا!
في الرمق الأخير لصوت المؤذن
في الحصار الذي فصل الرغيف
عن صدر أمه قائلا:
كوني صفراء ياأرض السواد
في عطر المعلمة
حين صادفتها بثياب الحي الصناعي
في رؤية عدنان فالح للجمال الإغريقي
أواه.. لقد كبروا جميعا
حرب 80
1
الى سطوح البنايات
صعد رجال من الدفاع المدني
من الذروق والتراب
نظفوا صافرات الإنذار
كنا ننظر اليهم
ندخن ونفكر
نفكر ونثرثر
لم نفهم من الأمر شيئا
حتى بعد أن حلَّ المساء
ونزل من السماء ملائكة عابسون!

2
النغمات تلاشتْ
الناي في طريقه إلى المخازن
الراعي في طريقه إلى الحرب

3
انكسر في الشاحنة العسكرية
قلم التلميذ انكسر في الشاحنة العسكرية
طحنتها سرفة دبابة
نظاراته الطبية طحنتها سرفة دبابة
العمال في الخنادق
الفلاحون توجّهوا بالقطارات إلى البصرة

4
يللّه.. دارتْ عجلات المسلخ!
منتهراً قطعانه بنظرات صارمة
قال الجزار
منتهراً قطعانه بنظرات صارمة

5
لأنه رفض الذهاب إلى الحرب
وأن يُساق كما تساق النعاج
هجرتهُ زوجته
المرأة المجنونة ذات الشهوات
هجرتْ زوجها
ذبح ابنه الوحيد
الأب ذبح ابنه الوحيد
6
جنود
جنود
جنود
كم فيك جنود أيها الوطن!؟
جنود مُجرَّحون
على السفوح وبين الوديان
سالتْ دماؤهم أياماً وليالي
الى أن جاء الدود
وسحلهم من أحلامهم
7
جنود بين ثلوج الشمال
تدحرجتْ
خوذهم المقطوعة تدحرجتْ

طويلا
طويلا
اصطدمتْ بالصخور
توقفتْ
لم تتوقف الحرب!

على أرائك المقاهي
خلال الإجازات
يسألون
متى تنتهي الحرب!؟

تحت شمس الجنوب
يتفسخون
في فراش الزوجية

في الكراجات والمطاعم
ينامون

ياما نهتني أمي عن كتابة الشعر
ولم أنته!

على المزابل يتورمون
ينتفخون
ينفجرون
ينتفخون و......
أغمضتْ عينيه الكلاب
كان لهم حلم
أغمضتْ عينيه الكلاب

تحطمتْ في البراري
كانت لهم أسلحة
تحطمتْ في البراري

بالصواريخ نقحّوا سماواتنا
جنود بالصواريخ نقحّوا سماواتنا
طيَّرتهم الريح سقطوا وراء الأفق
وبين أيديهم غسق الوطن
شفاههم لايدري أحد أين تبتسم
متى
عيونهم تترقرق فيها دموعنا؟

أبدلتِ الغازات السامة جلودهم
زرق
حمر
بنفسجيون
بلارؤوس يتمددون
تلفهم راية لاترفرف
لأن ريحها ذهبتْ بالوطن!

تشتمُّ رائحة شواء
جنود إذا مرّوا بك
تشتمُّ رائحة شواء
تسمع وشيشا
كلما تقدموا خطوة
سقطتْ منهم أكوام لحم وزيت
وتقول ياربي ماذا دهى العراق!؟

من يحمل وزر هذا النص
ويكمله عني !؟

اسابيع وشهور
جنود مرتْ عليهم أسابيع وشهور
وهم مرميون في ثلاجات الموتى
بين الدماء والأوصال الآدمية
لايقوى أهلهم وذووهم على رؤيتهم
ارباع أنصاف
ارباع شرائح
لكثرة الزحام لايستطيعون أن يتمغطوا
أو يطقطقوا أصابعهم
أو على الأقل يخلعوا أحذيتهم الثقيلة

8
ماأكثر الذباب
ماأكثر الدود
بين سروال ضابط تسليم الجثث؟!
ماأكثره متسلقاً
حذاء إمام الصلاة
على أرواح الموتى؟!

9
من الخديعة
عاد الجنود من الخديعة
ورقاً أصفر كنسته الريح

الى النهر
عادت البنادق إلى النهر
وغسلتْ صور القتلى
الذين تساقطوا من الأغصان
ورقة
ورقة

اليكِ عني أيتها الحرب

اليك عني ايتها الحرب
اريد أن أغفو قليلا
.......
جاء المأمور برأس إلى أمه
لم يكن لدينا قماش أبيض ولاأسود
هرعنا إلى القماش
قال ابنه الصغير: بابا ذهب إلى الحرب!
عدنا مع البردي نصفر لحنا
بلاراية
الوطن على خوذنا بلاراية
لكن الوطن
يخفق في دواخلنا
وسيخرج من بلاغتنا بعد حين
سقط صديقي من الجبل
على رأس الكلمات الخائنات
فأيقظ أشواقنا معا
لرؤية أوروبا عبر تركيا
لم نصل
بقينا بلا حراس يا عواطفي العارية
ماذا سنفعل قبيل الفجر
دموع السهوب المترامية في خضرة قلبي طويتها
ولم نصل
من المدرسة
اخذتني دبابة من المدرسة
لأن المعلم كان عند الطبيب!
خلعتنا ضرس الحرب
تلك التي تقشر الجنود على المائدة
وتنكتُ نواتهم بسكينها
تقول (ليليان) بابا (1)
فأبتسم ويخرج من بين أسناني سلاح أبيض
في الإجازة الأخيرة سألتني أمي
عن معنى أسلحة التدمير الشامل
فغيرتُ الحديثَ إلى سيارة جارنا الجديدة (2)
فتحتِ الطائراتُ فتحة لكي نتنفس
فجاءتْ يد وخاطتِ الكواكب
يوم أمس لم أَنَمْ أيضا
لبستُ ثماني سنين
خرجتُ من الحلم
صوت يشبه الرعد
وليس طبولا
شيء ما يشبه الدخان
وليس ضبابا
لمحتُ ذئباً ينعس في الأرض الحرام
وذيله مفروش في بيتي
بعد ذلك
احترقتِ الأرضُ انطفأتْ عليها ذكرياتي
يقولون بأن الشعر يغير العالم
والأسلحة أخفقتْ
لم أصدقْ حتى نوهتْ بي
ذراع مبتورة
نبتَ عليها الريش في خزانة ملابسي
ياللّيل كم هو أعمى
ضرير يقوده كلب مبصر
أدرتُ وجهي عما أحب قليلا
فانقلبتْ طائرة على عقبيها
تَبيَّنَ وجه النهار أزرقَ مليئاً بالكدمات
ثم طلعتْ خوذة وعظمان متصالبان
امام شتاء طويل بلانوافذ
ماأضيع الأفكار؟!
اين أشواقنا تتلاطم!؟
من يذكر
شاطئا أظلم بعد فوات أوان عينين عراقيتين
او بحرا يلظم أمواجه خيط من شبابنا
يشرق وجه حسين (3)
بين شفتيه سيجارة
كان يخجل أن يدخنها في حضرتي
- الحياة المرقطة تنزل
أمام نظرتي الصاعدة إلى هامتك
وداعا
سنلتقي يوما ما!
طلع الفجر وخرج الجنود الإيرانيون
أعطونا خبز (ركَاك) وفستقا
قلنا لماذا الحرب
قالوا لأن قلب الإنسان يمرض أحيانا

-1ليليان إبنة الشاعر.
-2 هدية من السعودية مقابل رأس شقيقه المقطوع في الحرب.
-3 حسين هو شقيق الشاعر فقد في الحرب العراقية الإيرانية عام/ 1982.
قصيدة حب إلى الأرض
إلى إيلاف

أوقفني خفضُ جناحينِ على باب أغلقها النسيانُ وقال : افتحني،
هذا أول سكري يفتكُ بي فكيف بسكري الثاني؟!، ذلك أول
ألحاني فإذا أول ألحاني يضمرُهُ وترٌ مقطوعٌ في ليل الحانِ، وفتحتُ
الباب وناديتُ سرابي: ياعطش الساعة أمهلني حتى موج الليل ونوم
الحيوان بقلب الريح، فاالملاحون أتوا بالماء وصورته، والصيادون رموا
بشباك الصيد على كاهل نجم لايسطع، ونهار لايطلع، أوهمني صحوٌ
ألبسني خرقةَ أنكَ مفقودٌ في ظلّ سنونوة، إن شئتَ نجوتَ وإن غبتَ
فمحجوبٌ في أبد الأنوار، وكان الناس حيارى ماطلعتْ شمس أو غربتْ
في عينين بلاد ، حتى أوشك-من فرط هواني-أن أصرخ: أظلم كوكبنا
في صدر الإنسان، وتفرّقَ فينا الشمل على أول منعطف قبل رحيل الغيم،
أدناني صوت جرّحَ صمت الأرض: أُقسم أنك موصول ياغسقي بنقائض
هذا البحر، فاسمع همس الطير ولعثمة النسمات، ترنّحتُ طويلا حتى جزّأني
صوتٌ شيعاً في ومضة برق: لاتقرأ مايكتبه حقل رماد في لفتة طير هاجر
معصوب العينين، وأعدْ مالاتمحوه الألوان على حجر ينصتُ: مامرّ جناح إلاّ
وتركنا فيه ظلالاً هائمةً، ورأيتُ بأني آخذ هذي الكرة الأرضية في أحضان
سرابي ، ُأسرّحُ شعر صباها، أكتبها أمحوها أسردها أنساها أذكرها، بدَّدَني
خيط دخان حتى ماعدتُ أفَرّقُ بين طيوف توجعني فيكِ، وحرف هجاء مكسور
في لغتي، يلمع نهر تمشي الأشجار إليه، وتعيد عليه صلاة بحروف فصحى،
قالتْ : ألهاني قدحي عن لثم يديكَ، وأنا يخفضني سرُّ هواك ويرفعني-تحت
سماء أخرى-فجر يديك الحاني