"إيلاف" من لندن: عاصفة الجدل المستمرة منذ اسابيع حول قائمة "كوبونات النفط" التي نشرتها جريدة "المدى" العراقية الاسبوعية المستقلة التي يرأس تحريرها الكاتب فخري كريم وقالت ان رئيس النظام العراقي المخلوع صدام حسين دفعها لسياسيين ومثقفين ورجال اعمال عرب واجانب لشراء تأييدهم له ماتزال مثار نقاشات حادة وتصريحات نارية تطلق هنا وهناك بين مؤيدة ومكذبة لها في فضيحة يبحث الجميع عن الحقيقة وسط تداعياتها الصاخبة التي يبدو انها لن تنتهي حتى تسلم القضية الى قضاء عادل ليقول كلمته الفصل فيها .
والقائمة تضم رئيسين للوزراء على الاقل ووزيرين للخارجية ورجال سياسة كبار وابناء رؤساء دول او وزراء وصحافيين ورجال أعمال ونواب .
وتابعت "إيلاف" القضية منذ اليوم الاول الذي تفجرت فيه حين نشرت القائمة التي أوردتها "المدى" التي اسماء اصحاب الكوبونات والدول التي ينتمون اليها .. وهي تتابع اليوم تداعياتها واثارها على جميع المستويات من خلال اطرافها الثلاثة : الجريدة وصاحبها ورجال الحكم في العراق ثم اصحاب الشأن ممن ذكرت اسماؤهم او مؤسساتهم .. وهنا الحلقة الاولى :
" المدى " حين قدمت لوثائقها الفضيحة
جريدة المدى عند نشرها اسماء اصحاب كوبونات النفط
تقول "المدى" في مقدمة تقديمها للوثائق التي تضمنت 280 اسما من 52 دولة " ان مميزات النظام الفاشي في بلدنا انه لا يمتلك اية لياقة وهو دائماً بحاجة الى استخدام الآخرين لكي يشعر بالتفوق من هنا كان يفسد حتى اولئك الذين يمتلكون ارادة طيبة واهدافاً نبيلة في دفاعهم عن الشعب العراقي من اجل فك الحصار عنه لا يعرف النظام سوى سياسة (فتح الخرج) من هنا لم يجمع حوله سوى المشمولين او الذين ارادهم ان يتسولوا لكي يشعر بالتفوق الاخلاقي عليهم ".
وما اثار الجدل اكثر حول أسماء الشركات والاشخاص الذين تم تخصيص كميات من النفط الخام لهم خلال مراحل "مذكرة التفاهم" هو احتواء القائمة على اسماء رموز سياسية عرفت اما بوطنيتها اوبمواقفها المساندة للنظام العراقي السابق وهذا ما اثار الاعتقاد بان هذه المواقف مدفوعة الثمن مسبقاً فيما راى البعض ان هذه مجرد عطايا لا تتعدى كونها هبات ومعونات وليست رشوة .. وفي حين انبرى الكثير ممن ذكرت اسماؤهم مدافعا عن نفسه مهددا باللجوء الى العدالة لمقاضاة "المدى" لاذ البعض بصمت لم يعرف سببه ارجعه البعض اما لرغبة في عدم اثارة تشويش على شخصياتهم واما لمعرفتهم ان قوائم الجريدة صحيحة ومؤكدة .
&
صاحب المدى يهدد بأسماء اخرى
وبعد نشر الاسماء هدد رئيس تحرير المدى التي بدأت بالصدور في بغداد بعد سقوط نظامها السابق وتطبع الاف عدة من النسخ فخري كريم انه سيفجر قضية جديدة بنشر قائمة باسماء " احزاب واشخاص" كانوا " يعملون لحساب المخابرات " العراقية في العهد السابق موضحا ان الامر يتعلق بقضية مهمة جدا بالاحزاب والاشخاص الذين كانوا يعملون لحساب المخابرات العراقية واضاف "هناك شخصيات على قدر كبير من الاهمية في بعض الدول" .
فخري كريم
وفخري كريم ابن الستينات ناضل في صفوف الحزب الشيوعي العراقي سنوات طويلة واغترب عن بلده 25 عاما عاش خلالها في دول شرقية اشتراكية وفي سوريا التي اسس فيها دار المدى للطباعة والنشر ثم عاد الى بغداد قبل اشهر ليصدر صحيفة المدى الاسبوعية المستقلة التي تنتمي الى اليسار الليبرالي والتي استطاعت ان تستقطب عددا كبيرا من الادباء والنقاد .
وقال كريم من مكتبه في مبنى الجريدة الواقع في حي سكني قرب شارع ابو نواس المحاذي لنهر دجلة وسط بغداد ان الصحفيين يتوافدون على الصحيفة صباح مساء او يتصلون هاتفيا ومعظمهم يسأل من اين حصلتم على هذه اللائحة؟ وهل لديكم المزيد من الاسماء؟ واضاف ان معظم السفارات الموجودة في بغداد اتصلت به لكنه يرفض استقبال ممثليها مؤكدا ان " هناك الكثير من الاسماء في اللائحة لا نعرف اصحابها ".
ويلوح كريم بنسخ من وثائق وملفات اخرى ينوي نشرها لاحقا لكنه يرفض كشف مصادره ويقول "لا توجد وثيقة لا يمكن كشفها. . والكثير من الناس يعملون في الاستخبارات وقد استخدموها او باعوها "موضحا "لقد اشترينا الكثير منها ولكن ليست هذه منها ".
المسؤولون العراقيون محتارون في طريقة التصرف
المصادر العراقية التي تابعت الموضوع لاحظت تناقضا في مواقف المسؤولين العراقيين من قوائم "كوبونات النفط " بين مهدد بمتابعة اصحابها ومتردد خوفا من تداعيات لايتحملها الوضع العراقي الحالي الهش اصلا .. حيث تعتقد المصادر ان اثار هذه القوائم ستبقى معنوية بالدرجة الاولى تلطخ سمعة اصحاب الاسماء الواردة فيها انطلاقا من صعوبة اقدام المسؤولين العراقيين على ملاحقة جميع تلك الاسماء نظرا لتشعب مواقعها ونفوذها والدول كثيرة العدد التي تنتمي اليها وامتداد تأثيراتها السياسية والاقتصادية على اكثر من صعيد .
ومع ذلك أكد مسؤولون عراقيون ان حكومتهم ستحقق فيما نشر بان عشرات المسؤولين ورجال الاعمال في شتى انحاء العالم حصلوا بشكل غير قانوني على براميل نفط مقابل مساندة الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين بينهم أفراد وشركات ومنظمات من داخل العراق وخارجه حصلت على ملايين البراميل من النفط واسماء اعضاء عائلات عربية حاكمة واسماء ورؤساء حكومات حالياً وسابقاً وابناء رؤساء دول حالياً وابناء مسؤولين كبار.
وقال نصير الجادرجي عضو مجلس الحكم العراقي انه يرجح ان هذه القائمة صحيحة وطالب باجراء تحقيق ومحاكمة هؤلاء الناس.
لكن موفق الربيعي عضو مجلس الحكم اشار الى ان وثائق اخرى كثيرة يملكها المجلس عن رشوة صدام حسين ساسة أجانب لكنها ستظل سرية في الوقت الراهن خشية من المجلس أن يؤدي هذا الى حدوث فضيحة دولية. وقال الربيعي "رأيت أشياء غريبة جدا بعضها لا يصدقه العقل .. نظام العهد البائد هو راش ومرتش وحاول ان يشتري ذمما كثيرة من السياسيين والاعلاميين." وذكر أن تلك الوثائق تدين بعض الساسة العرب والاجانب وبعض الشخصيات الاسلامية.
واكد قائلا "لن تنشر هذه الوثائق في الوقت الحاضر حفاظا على المصلحة الوطنية ولاننا لا نريد استعداء أحد" مضيفا أن النشر سيكون "في وقته وبطريقة بناءة وليس من اجل الثأر أو الانتقام."
وحتى ان قضية هدايا صدام النفطية التي تلقتها شخصيات سياسية لبنانية لم يتم بحثها خلال زيارة وفد مجلس الحكم العراقي الى بيروت الاسبوع الماضي والتي التقى خلالها رؤساء الجمهورية اميل لحود والبرلمان نبيه بري والحكومة رفيق الحريري ووزير الخارجية جان عبيد.
واوضح علي الشبوط المستشار الاعلامي لرئيس الوفد موفق الربيعي ان كلاً من الجانبين اللبناني والعراقي لم يثيرا هذا الموضوع خلال المحادثات مشيراً الى ان لدى مجلس الحكم وثائق تؤكد حصول اصحاب بعض الاسماء الواردة في اللائحة على الهدايا النفطية.
&ومن جهته لمح وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري الى انه يصدق ما نشر من قوائم واكد ان توزيع الرشاوى كان "ممارسة شائعة" لدى نظام صدام قائلا ان " كسب خدمات عبر تقديم رشاوى من النفط والمال كان ممارسة شائعة لدى نظام صدام حسين".
واعلن زيباري ان " السلطات ستتحقق وستعيد التحقق من لائحة الدول والاشخاص هذه. . وقد بدأ تحقيق في بغداد" في اشارة الى ان مجلس الحكم العراقي امر وزارة العدل بالتحقيق في هذه القضية.
واشارعاصم جهاد المتحدث باسم وزارة النفط الى ان الاف الوثائق نهبت من مؤسسة تسويق النفط العراقية بعد سقوط نظام صدام في أيدي القوات الامريكية في التاسع من نيسان (ابريل) الماضي والتي يمكن ان تثبت ان صدام استخدم الرشاوى لكسب المساندة واضاف ان ايا من تورط في سرقة ثروات العراق سيحاكم.
&وقال ان وزارته تملك وثائق خاصة بشركة تسويق النفط العراقية تكشف الاسماء التي حصلت على منح نفطية وعقود مختلفة لتسويق النفط العراقي من قبل النظام السابق متهما بذلك المستفيدين بالمشاركة في تبديد الثروات العراقية مشيرا الى ان الوزارة لديها النية لمتابعة المتهمين في المحاكم الدولية.
اما المتحدث باسم المؤتمر الوطني العراقي انتفاض قمبر فقال انه حتى بعض المسؤولين الحكوميين من دول عربية منتجة للنفط حصلوا على نفط من صدام وأضاف "تلقى هؤلاء رشى.. وللأسف كان الشعب العراقي هو الذي يدفع الثمن" .
&وكان قد سمح للعراق بالرغم من العقوبات التي فرضتها الامم المتحدة عليه ببيع نفط في الفترة من عام 1996 الى عام 2003 ضمن اتفاق مع المنظمة الدولية ينص على استخدام عائدات مبيعات النفط لشراء أغذية وأدوية وامدادات اساسية ولكن مصرفيين يقولون ان بعض الشركات الدولية التي كانت تبيع بضائع للعراق ربما دفعت عمولات لمسؤولين عراقيين جرى ايداعها في بنوك عربية مقابل الحصول على عقود في اطار اتفاق النفط مقابل الغذاء.