د. عبدالخالق حسين
&
&
&
إن مجزرة البصرة يوم الأربعاء الدامي كشفت مرة أخرى عن الوجه الحقيقي البشع للإرهاب السرطاني الذي ابتلى به شعبنا العراقي منذ سقوط نظام المقابر الجماعية قبل عام. ومن الحقارة والخسة والدناءة بمكان الإدعاء أن هذا الإرهاب هو مقاومة وطنية ضد الإحتلال الأجنبي. إذ يختلف هذا الإرهاب حسب المناطق الجغرافية والأثنية والمذهبية. ومن المؤسف القول أن أعداء العراق نجحوا في تعميم مصطلحات طائفية إلى حد أنه عندما يذكرون اسم أي شخصية سياسية عراقية، فبدلاً من ذكر العمر أمام اسمه كما هو المعتاد عالمياً، إلا إنهم عندما يذكرون العراقي فيضعون أمام اسمه انتماءه الطائفي. فمثلاً يقول، فلان الفلاني (سني) وعلان العلاني (شيعي) وهكذا... كما صار الإرهاب أيضاً يختلف بأسلوبه من منطقة إلى منطقة.
ولهذا السبب فقد قُسِم العراق إلى مثلثات: المثلث السني والمثلث الشيعي والمثلث الكردي. ففي المثلث السني حيث تتكاثر فيه فلول النظام المقبور والذين اعتمد عليهم صدام حسين في أجهزته القمعية ونشر المقابر الجماعية مقابل الامتيازات والاستحواذ على الثروات، يتعرض الإرهابيون فيه للأجانب فقط ويقتلونهم ويمثلون بجثثهم بمنتهى الوحشية كما حصل للمقاولين الأمريكان في الفلوجة قبل شهر. فلا ينالون السكان المحليين بسوء. أما في المثلثين الآخرين، الشيعي والكردي، فالإرهاب يأخذ منحىً آخر، إذ يتعرض المجرمون للأهالي فقط، أي بقتل أكبر عدد ممكن من السكان الأبرياء، أطفالاً وشيوخاً و نساءً وشباب وغيرهم. وهذا ما حصل في أربيل والنجف وكربلاء والكاظمية والإسكندرية في محافظة الحلة وأخيراً وليس آخراً في مدينة البصرة. وهذا يكشف الدوافع الطائفية والعرقية للإرهابيين. ومع ذلك فمازال الإعلام العربي وأيتام النظام المقبور ومرتزقته الأجانب يسمون هذا النوع من الإرهاب "مقاومة الاحتلال". فيا ترى، كم جندي من قوات التحالف قتل في الحوادث الإرهابية التي وقعت في المدن الشيعية والكردية لكي تسمونها مقاومة؟
لقد شاءت الأقدار أن يحتل العراق موقعاً جغرافياً مهماً في الكرة الأرضية، وكما تعلمنا منذ الدراسة الابتدائية، أنه جسر يربط الشرق بالغرب وأنه مهد الحضارات..الخ. ولموقعه الستراتيجي والتاريخي هذا، صار العراق هدفاً للمحتلين وبذلك صار شعبه يمتاز بالتعددية القومية والدينية والمذهبية. وقد عاشت هذه المكونات مع بعضها بسلام لقرون طويلة دون صراع دموي. وإذا ما حصل أي صراع فكان بسبب الغزوات الأجنبية التي اتخذت من العراق ساحة لحروبها الدموية كالتي كانت تحصل بين الدولتين، الصفوية والعثمانية. وفي كل هذه الحروب كان الشعب العراقي هو الضحية.
ومنذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة بعد الاحتلال البريطاني في الحرب العالمية الأولى، ورغم وجود التمييز الطائفي والعرقي يشكل خفي، إلا إن مكونات الشعب العراقي كانت تتقارب وتحاول التغلب عليه وردمه بشكل نهائي لولا تسييس الدين والعروبة وربطهما بالتمييز الطائفي.
إن ما يجري في العراق اليوم من صراع بين قوات التحالف وقوى الإرهاب يشبه الصراع الذي كان يجري قبل قرون بين الدولتين الصفوية والعثمانية. ولكن في هذه المرة هناك تحالف غريب وعجيب اقتضته ظروف المرحلة بين مختلف قوى الإرهاب التي لا يجمعها أي جامع سوى العداء لأمريكا وللشعب العراقي. تحالف يجمع الإيراني إلإسلامي الشيعي والسوري العلماني البعثي والسعودي السني الوهابي وفلول النظام الساقط ومن فقد عقله من الشيعة فيما يسمى بجيش المهدي وحزب الله اللبناني الشيعي وحماس الفلسطيني السني.
لقد اعتدنا على أن نشاهد بعد كل مجزرة جماعية في كربلاء والبصرة والكاظمية أن تقوم شلة من الشباب برمي جنود التحالف بالحجارة لتأليب الجماهير عليها بحجة فشلها في حفظ الأمن!! فهم يقومون بزعزعة الأمن ليلوموا غيرهم. فمن الواضح أن الذين تعرضوا للجنود البريطانيين في البصرة بالحجارة أو أحرقوا العلم الأمريكي في كربلاء والنجف، كانوا على اتفاق وتنسيق مع الإرهابيين فحضروا المكان والزمان المعينين لأداء دورهم في التأليب على جنود التحالف وتفجير شحنة غضب الناس ضد من جاء لإنقاذهم، وكان على المسؤولين إلقاء القبض على هؤلاء وإجراء التحقيق معهم.
إن الأعمال الإرهابية في المناطق الشيعية تحمل بصمات الغلاة السلفيين الوهابيين من أنصار القاعدة والزرقاوي الذين أباحوا سفك دماء كل من يختلف معهم في المعتقد الطائفي واعتبروه عبادة وتقرباً إلى الله ومفتاحاً لأبواب الجنة. فأية آيديولوجية هذه التي تبيح لهم قتل الأبرياء من أطفال وهم في طريقهم إلى المدارس دون أي تمييز؟ أي دين هذا الذي يجيز لهم قتل المئات من الناس الأبرياء لا لشيء إلا لأنهم يختلفون عنهم في الدين والمذهب؟ الدين الذي يسمح بارتكاب هذه البشاعات ضد الإنسانية هو فاشية وليس بدين.
إن الهدف مما يجري في العراق وغيره من مناطق العالم من القتل الجماعي هو سعي الإرهابيين لحكم العالم وتحويله إلى فوضى تسودها شريعة الغاب. فليس صحيحاً أن الإرهاب بدأ بسبب وجود قوات التحالف في العراق، لأن هذا الإرهاب بدأ منذ سنوات. وليس صحيحاً أنه ضد القوات التي تعاونت مع أمريكا في غزو العراق، لأن تركيا التي لم تشارك بالغزو وحتى لم تسمح لقوات التحالف بالمرور بأراضيها صارت هدفاً للإرهاب وكذلك المغرب وغيره من بلدان العالم.
كذلك ليس هدف الإرهاب الإسلامي إخراج القوات الأمريكية من العراق أوالجزيرة العربية كما يدعي بن لادن، فهذه السعودية تتعرض للتفجيرات شهرياً تقريباً رغم مغادرة القوات الأمريكية لأراضيها قبل أكثر من عام المطلب الذي كانت تلح عليه القاعدة. فالإرهاب يتمادى في طلباته كلما تحقق له طلب.
إذن ما هو هدف الإرهابيين من كل هذه الأعمال الإجرامية؟
أولاً إن أشد غلاة الإرهاب هم من السعوديين الوهابيين الذين تلقوا الفكر الظلامي الإرهابي في المدارس منذ الصغر. فقد لعب التعليم الخاطئ على شحن النشء الجديد بالعداء والكراهية والتعصب الديني والمذهبي ضد غيرهم. بل وحتى مفتي السعودية السابق الشيخ عبدالعزيز بن الباز أصدر فتوى أباح فيها قتل الشيعة. وعداء الوهابية يمتد ليشمل حتى المذاهب السنية الأخرى. فاعتبروا كراهية غير المسلم وغير الوهابي من الفروض الدينية. والنتيجة معروفة، فمن يزرع الشر لا يحصد إلا الشر. فهاهي المملكة العربية السعودية التي شجعت على ربت أبناءها على التعصب وكراهية الآخرين وساعدت على تأسيس منظمة القاعدة وغيرها من منظمات الإرهاب الإسلامي، تدفع اليوم ثمناً باهظاً.
إن ما يتعرض له العراق من إرهاب هو نتيجة تحالف قوى الشر في دول الجوار مع القاعدة وفلول النظام الساقط والقوى السلفية في الداخل. وهذا التحالف ناتج عن غباء مفرط، إذ يحلمون بإجبار قوات التحالف على الرحيل لتعم العراق الفوضى ويتحول إلى دولة "حرة" لهم يمارسون فيها نشاطاتهم الإرهابية كما عملوا في أفغانستان إبان حكم الطالبان. وليعلم البؤساء الحفاة من المخدوعين الشيعة الجهلة الذين مقتدى الصدر إلى الهاوية دون وعي، أنهم سيكونون أول ضحايا الوهابيين وسيعملون بهم كما عملوا بسكان هزارا في أفغانستان... يقتلون رجالهم ويسبون نساءهم وأطفالهم كما كان يعمل المسلمون الأوائل في غزواتهم المعروفة مع سكان البلدان المفتوحة وسيسوون عتباتهم المقدسة مع الأرض وينهبون خزائنها ويعتبرونها من غنائم الحرب.
إن هذه الجرائم الإرهابية كشفت مرة أخرى صحة ما قلناه سابقاً عن ضرورة حل الجيش وقوات شرطة النظام المقبور. فكما صرح ناطق رسمي للقوات الأمريكية أن أربعين بالمائة من الشرطة الجديدة تركوا وظائفهم بسبب التهديد الذي تلقوه من فلول النظام وعشرة بالمائة منهم انضموا إلى "المقاومة" أي كانوا متسللين من فلول النظام، فقط خمسين بالمائة منهم قاموا بأداء واجباتهم في حفظ الأمن. فإذا كان هذا وضع القوات المسلحة الجديدة المختارة فما بالك مع الجيش العقائدي والشرطة العقائدية التابعة للنظام المقبور لو لم يتم حله؟ بالتأكيد لانضم كل ذلك الجيش إلى الإرهاب الذي يسمونه مقاومة. لذلك نؤكد ما قلناه سابقاً أن حل القوات المسلحة العراقية كان إجراءً صحيحاً وإلا أنقلب بكامله على الوضع الجديد.
كذلك أتفق مع السيد مراد مصطفي في مقاله في إيلاف يوم 21/4/2004 ينتقد فيها "الدبلوماسية العراقية، التي تستمر في استجداء الدول العربية ومغازلتها، حتى أن مجلس الحكم يطلب رسميا من هذه الدول إرسال "قوات سلام"، ويا للعجب ألف مرة! قوات عربية من دول ينتشر الإرهابيون من مواطنيها في الفلوجة وسائر مناطق العراق لممارسة التفجير والتفخيخ! فهل لا يعرفون يا ترى أن من المحتمل جدا أن تنضم هذه القوات للإرهابيين، أو تصمت عن جرائم تقترف أمام أبصارهم؟ وهل هذه القوات أقدر من قوات التحالف على حماية الأمن بالتعاون مع القوات العراقية؟".
&
ما المعمل:
المطلوب من قوات التحالف والمسؤولين العراقيين أن يواجهوا الإرهاب بمنتهى الحزم والقسوة لاستئصال هذا السرطان الخبيث وتطهير أرضنا العراقية المقدسة من رجسهم. فالأغلبية العظمى من الشعب العراقي مع الإجراءات المشددة لحفظ الأمن لذا نقترح ما يلي:
1-&&& تبني مبدأ (الأمن أولاً والديمقراطية ثانياً). يجب أن يعرف المسؤولون أنه لا يمكن أن تقوم الديمقراطية على حساب أمن وسلامة الناس وفي بلاد تعمها الفوضى. إذ لا يمكن إقامة نظام ديمقراطي ما لم تكن هناك حكومة حازمة وقوية تعمل على حفظ أمن الناس وسلامتهم وحماية أرواحهم وممتلكاتهم.
2-&&&& تطهير جهاز القوات المسلحة الجديدة من جميع المتخاذلين الذين رفضوا أداء واجباتهم في حفظ الأمن وتشخيص المندسين من فلول النظام المقبور وطردهم. كما ويمكن الاستفادة من الضباط الجيدين السابقين النظيفين الذين لم يتلوثوا بجرائم النظام المقبور، وضمهم إلى القوات المسلحة الجديدة بعد أن يدينوا النظام السابق ويتعهدوا بالدفاع العراق الجديد والديمقراطية.&
3-&&& يجب طرد جميع مراسلي الفضائيات العربية المعادية التي تشجع الإرهاب في العراق وغلق مكاتبهم، دون الخوف من لومة لائم.
4-&&& عدم التساهل مع المجرمين الذين يتم القبض عليهم ويجب تسليمهم للمسؤولين العراقيين لنيل جزائهم العادل.
5-&&& مطالبة أمريكا وبريطانيا بتوجيه إنذار شديد اللهجة إلى سوريا وإيران بعدم التدخل في الشأن العراقي وطرد رعاياهم وغلق الحدود الدولية معهما.
6-&&& طرد جميع العرب الوافدين بصورة غير رسمية وبدون سبب مشروع.
7-&&& إقامة علاقة صداقة ستراتيجية قوية بعيدة المدى مع أميركا وبريطانيا.
8-&&& عدم مطالبة الدول العربية بإرسال قوات حفظ السلام لأن أغلب هذه القوات ستنظم مع الإرهابيين.