شربل بعيني
&
&&
&& هذه هي المرّة الثانية التي أتنعّم فيها بمشاهدة فيلم سينمائي يعالج التزمت المسيحي في القرون الوسطى..& الفيلم الأول كان لدامي مور بعنوان (العلامة الفارقة) والثاني بعنوان (التزمت) لواينونا رايدا ودايفيد داي لويس.. ووجه الشبه بين الفيلمين كان سفك دماء الأبرياء الذي ارتكبه بعض رجال الدين المسيحيين باسم اللـه تعالى.
&& دامي مور، في الفيلم الأول، مثلت دور امرأة متزوجة، أحبت وزوجها أن ينتقلا إلى المدينة المثالية (أورشليم) التي بناها بعض المتعصبين المسيحيين في الغرب، تحت إشراف أحد الكهنة الشباب.. بغية تثبيت دعائـم الدين وتطبيق الوصايا العشر.. وكل من يخالف الوصايا جزاؤه الموت.
&& وتشاء الصدفة، أن يتأخر زوجها عن الركب، فوصلت المدينة (المقدسة) قبله، فأحدثت بذلك بلبلة بين الناس: امرأة متزوجة تسافر لوحدها!!.. تعيش بينهم لوحدها!!.. بمعنى آخر، ستسرق من النساء رجالهن.. وهذا غير مسموح في (أورشليم) الجديدة.
&& ذات يوم، كان كاهن القرية يستحم في النهر المجاور لبيتها، فشاهدته عرياناً ، دون أن تعلم أنه الكاهن.. فتركته يداعب المياه الباردة، وأسرعت متجهة نحو الكنيسة لحضور قداس الأحد.. وفي الطريق، أوقف الكاهن عربته، وكان قد انتهى من حمامه، وطلب منها الصعود.. فأخبرته أنها في عجلة من أمرها، لأن الكاهن سيغتاظ إذا دخلت القداس متأخرة.. فأجابها وهو يضحك: أنا هو الكاهن، لا تخافي.
&& وتبدأ زيارات الكاهن لها، ويبدأ الحب يتلاعب بقلبيهما، ولكنها قاومت الإغراء، رغم تأخر زوجها عن اللحاق بها عدة أسابيع.. ولـم تستسلم له إلا عندما جاءها نبأ مقتل زوجها على يد أحد الهنود الحمر.. عندئذ وهبته جسدها، ليهبها جنيناً ما أن كبر في بطنها، حتى تنادى مجلس الأمناء على (الدين) وطالبوا بمحاكمتها وشنقها لأنها لـم تحترم الوصية التي تقول (لا تزنِ)..
&& أرادوا معرفة اسم والد الطفل دون جدوى.. سجنوها.. ضربوها.. هددوها بالموت.. ولـم تنبس ببنت شفة.. كل هذا، والكاهن (الوالد) يدير المحاكمات دون أن يرف له جفن.
&& وما أن ولدت طفلها، حتى سلمتها المحكمة لحبل المشنقة.. وفي الساحة العامة، حيث يحتشد المئات من (المؤمنين) سألها أحدهم عن اسم والد الطفل.. فلم تجب.. فوضع الحبل حول رقبتها بغية شنقها.. عندها ارتفع صوت الكاهن ليعلن للجميع انه والد الطفل.. وان اللـه محبة.. يرفض كل ما نقوم به من أعمال سيئة باسمه.. وان معظم الذين حاكموها، وهو واحد منهم، حاولوا ممارسة الجنس معها وكانت تصدهم بقوة.. أي أنهم نصّبوا أنفسهم أوصياء على الدين والأخلاق وهم أبناء الرذائل.
&& أما فيلم (التزمت) فيبدأ بمشهد لمجموعة من الفتيات المراهقات يرقصن حول النار ويقدمن القرابين للشيطان.. كي يحبّب الشبان بهن.. واحدة ترمي العدس في النار وتتمتم اسم (دايفيد)، وأخرى ترمي القمح وتنطق باسم (أنطوني).. أما (واينونا رايدا) فلقد ذبحت دجاجة وشربت دمها من أجل عينيّ حبيبها المتزوج (دايفيد داي لويس)، الذي أقسمت أن تسرقه من زوجته مهما كان الثـمن، خاصة، وأن علاقة غرامية جنسية قد جمعتها به أثناء مرض زوجته وقيامها هي بالسهر على راحة أطفاله.
&& وفجأة، يظهر كاهن القرية ، ويبدأ بملاحقتهن بين أشجار الغابة، فيضبط ابنته الصغيرة، التي أوهمته أنها خسرت نطقها، وراحت في غيبوبة لامتناهية. عندئذ، اتهم الشيطان بذلك ، وطالب بطرده من القرية، وشنق كل من يتعامل معه!! (هكذا واللـه)!!.
&& هنا، لمعت الفكرة في مخيلة (واينونا)، فجمعت رفيقاتها وطالبتهن بتقليد كل ما تفعله، وإلا، أوقعتهن بمشاكل لا حصر لها.. فبدأت تصرخ وتشهق أمام رجال المحكمة المكلفين بطرد الشيطان، وتتهم أناساً أبرياء رأتهم يرافقون الشيطان في القرية.. وإمعاناً في التضليل كانت المراهقات الأخريات يوافقن على كل كلمة تقولها.. لا بل كن يشهقن كما تشهق ويصرخن كما تصرخ.. إلى أن وصل الدور الى زوجة حبيبها.. فاتهمتها أيضاً بمصاحبة الشيطان بغية التخلص منها والتفرغ لزوجها، الذي بات يصدها ويدعوها الى التعقل واحترام شعوره.
&& ولكن الزوج دافع عن زوجته، عن إخلاصها له، عن إيمانها المسيحي القويم، واتهم (واينونا) بالكذب.. بالرذيلة.. وبفقدان عذريتها.. وعندما سأله رئيس المحكمة الدينية كيف يعرف ذلك؟ اعترف بممارسة الرذيلة معها، وانها أوقعت بزوجته بغية الوصول اليه ليس إلا.. كما أنه قدم للمحكمة الروحية ورقة تعترف فيها إحدى الفتيات بعدم رؤية الشيطان.. وبأن (واينونا) هي التي أوحت إليهن بذلك..
&& ولأن (واينونا) لا تريد أن تقع في الفخ.. صاحت: ها هو الشيطان.. ها هو الشيطان.. اني ارى هذه البنت التي شهدت ضدي ترافقه ..
&& ترافقه؟! صاح رئيس المحكمة.. فأدركت الفتاة المسكينة أنها راحت ضحية صدقها، وان المحكمة ستشنقها كما شنقت الآخرين لا محالة.. فبدأت بالصياح أيضاً، وادعت انها ترى الشيطان وبرفقته زوج المرأة (دايفيد داي لويس)، الذي أجبرها على الشهادة ضد (واينونا) ورفيقاتها !!
&& عندئذ،& أمرت المحكمة بإعدام (الزوج) أيضاً.. فما كان منه إلا أن صاح بصوت عالٍ جداً: لقد مات اللـه.. أنتم قتلتموه.. أنتم الشياطين.. وكل الذين سفكتم دماءهم أبرياء وقديسون وسترتد عليكم دماؤهم.. فالويل لكم.. الويل لكم يا أفاعي الأرض.. وبدأ بالصلاة الربّانية التي علمنا إياها السيّد المسيح: أبانا الذي في السماوات ليتقدس إسمك..
&& هكذا كان وضع المسيحيين في القرون الوسطى، يوم باع رجال الدين المسيحيون صكوك الغفران بملايين الدولارات، ووعدوا كل من يشتريها بدخول الجنة!!
&& اليوم، تعيش أمتنا العربية حالة من التخبط الديني الوسخ الأليم، فهل يتعظ رجال الدين الذين يصدرون الفتاوى المخجلة التي تزهق ارواح الملايين من الأبرياء، وتعيدنا الى القرون الوسطى، في زمن الكومبيوتر والإنترنيت والعمل على استيطان المريخ .. لست أدري!!