تحت عنوان محرقة الوزراء ذكرنا في مقال سابق أن من يتولى منصب وزير العمل سيكون عمره قصير في هذه الوزارة وألقينا الضوء على أهداف الوزراء السياسية وأهم أسباب عدم قدرتهم على تحقيق أهدافهم وهنا نريد أن نستكمل مابدأناه بربط بعض العناصر التي من شأنها أن تسلط مزيد من الضوء على جذور مشكلة البطالة ونتائجها السلبية على رجال الأعمال وعلى المهاجرين من العمالة الوافدة وعلى دول المنطقة بشكل عام ودور المنظمات الدولية في تسوية الإشكاليات والتجاوزات.
ومحاولات هذه المنظمات لإصدار قوانين ومباديء وماتزال تنادي بإعادة النظر في قوانين العمل بما يحقق العدل والمساواة للجميع وهذا مايتعارض مع التوجه القومي لمعظم الدول الذي يرفضه الإسلام، ومن البديهي أن تفكر الدول في توظيف أبناءها حتى ولو على حساب العمالة الوافدة وهنا خطر ببالنا سؤال هل وزارات العمل أصبحت شركات توظيف؟.
أنه من الضروري أن نفهم ونفرق بين شركات التوظيف وبين وزارات العمل، فمهما إجتهدت هذه الوزارة في دولة ما أو تلك في دولة أخرى في عملها وتوجهاتها فإنها لن تستطيع أن تسد الهوة بين الطلب على العمالة الوافدة من قوائم العاطلين عن العمل من المواطنين الأمر الذي يجعلنا نتطرق الى مشكلة البطالة والتي تسعى دول مجلس التعاون الخليجي كما هي الدول الأخرى للتخلص منها وتتجنب آثارها السلبية، وتشير الإحصائيات الى أن نسبة البطالة في السعودية وصلت الى 15%، أما النسبة في دولة عُمان فقد وصلت الى 17.20%، وأخيراً دولة قطر التي بلغت النسبة فيها الى 11.60%.
منظمة العمل العربية تقول على لسان أحد مسؤوليها أنه لم تعد أي دولة عربية محصنة من البطالة، وأن هناك جهود نشطة من قبل الحكومات لإعادة توظيف المواطنين وأنها وضعت إجراءات لتحفيز تشغيلهم، وفي المحصلة النهائية لم نلمس على أرض الواقع تنمية حقيقية تساهم في الحد من تفشي هذه الظاهرة التي بدأت تقض مضاجع أصحاب القرار في هذه الدول وظهرت فئة من المواطنين تتخذ الإرهاب لها سبيلا وتنهش لحوم أنظمة هذه الدول وتتمرد عليها وبدأت حاضنات تفريخ الإرهاب تزيد من إنتاجها للإرهابيين العاطلين عن العمل والذين بدأوا رحلة عمرهم لينهوها من خلال تأكيد ذاتهم بالإنتحار في عمليات خاسرة ومخسرة.
وعودة الى الإحصائيات نجد أن هناك 14 مليون عامل وافد في دول مجلس التعاون الخليجي وفي نفس الوقت نجد أن المواطنين من أبناء دول المجلس والتي تتضارب الإحصائيات حول عدد العاطلين منهم ورغم أن هذه الدول من الدول البترولية الغنية والتي تتمتع بأكبر إحتياطيات في العالم من البترول والغاز الطبيعي أي أنها تتحكم في مصادر الطاقة العالمية إلا أنه لايوجد في كثير منها أنظمة تأمين ضد البطالة التي بدأت تعصف بأبناءها ليتم تجيير معظم العمليات الإرهابية التي تحصل في العالم بإسم أبناءها ومن ثم تعتبر ذريعة للدول التي تبحث عن ذرائع لتنقض على فريستها تماماً كشريعة الغاب التي تتميز بأن القوي فيها يأكل الضعيف.
دعونا الآن نخوض في أسباب عدم قبول المواطنين للعمل في القطاع الخاص الذي ينبغي أن يكون هو المحرك الأساسي للإقتصاد في هذه الدول كما هو شأن باقي دول العالم ولعلنا نذكر أهمها مايلي : ضعف مستوى الأجور والحوافز المادية والمعنوية، وانخفاض فرص الترقية والتقدم الوظيفي، وارتفاع ساعات العمل اليومية والأسبوعية، قصر الإجازات مقارنة بالقطاع العام، مبالغة القطاع الخاص في شروط التوظيف المتعلقة بسنوات الخبرة ومستوى اللغة الإنكليزية والحاسب الآلي، انخفاض مستوى الأمن الوظيفي في القطاع الخاص مقارنة بالقطاع العام، إختلاف النظام التقاعدي في القطاع الخاص عنه في القطاع العام وإن كان هناك أسباب أخرى لايتسع المجال لذكرها.
وفي جميع الأسباب المذكورة أعلاه نجد أن المقارنة بين القطاع العام والخاص وهذ يعني أن هناك فجوة تفصل بين مميزات القطاعين وهذه الهوة بحاجة الى تقليل لتتساوى الإمتيازات أو تكون قريبة من ذلك ولهذا لجأت كثير من الحكومات الى الخصخصة لتعالج هذه المشكلة وغيرها ومن المعروف أن القطاع الخاص أسرع تأثراً بالأوضاع الإقتصادية العالمية ومن هنا قد تتسع الفجوة أو تضيق حسب مرونة كل قطاع وتأثره بالإقتصاد العالمي وعليه ينبغي عند إصدار القرارات المحلية في دولة ما أن تضع بعين الإعتبار القرارات المثيلة بالدول الأخرى ومدى قوتها في مواجهة التوجه العام للإقتصاد العالمي.
وعودة إلى توصيات وزراء العمل بدول مجلس التعاون بشأن تحديد مدة إقامة العامل المهاجر والذي يعمل في تلك الدول بعدد من السنوات قد يكون قراراً خاطئاً إذا لم يدرس جميع ردود الأفعال المحلية والدولية وهل هناك قرارات مثيلة عالمية بهذا الشأن أم أن هذا القرار قد يجلب العداء لدول المنطقة من قبل أطراف عدة ومنها المنظمات الدولية والمنظمات التي تعني بحقوق الإنسان، ولانريد أن نذهب بعيداً بل دعونا ندرس موقف رجال الأعمال والعاملين أنفسهم قبل دراسة رأي المنظمات الدولية والتي سنذكر ببعض مبادئها وتوصياتها بهذا الشأن فيما بعد.
إن تأثير مثل هذه التوصيات إذا ماتحولت الى قرار سيكون مباشراً على رجال الأعمال والعاملين أنفسهم ومن الطبيعي أن تثير غضب رجال الأعمال لأن أي أعمال تجارية كانت أم صناعية أم إدارية بحاجة الى خبرات عامة وخبرات خاصة وهي ماتسمى بالخبرات الذاتية وسنركز على الخبرات الذاتية لأنها هي المحرك القوي لنمو شركة معينة أو مصنع معين أو حتى متجر وطالما أن الخبرة هي نتاج سنوات من العمل والتدريب فكأنما يريد الوزراء من رجال الأعمال التخلي عن الخبرات الذاتية للعاملين لديهم وهي التي تساهم بنسبة كبيرة في إنجاح أعمالهم لذا فمن الطبيعي أن يقاوم رجال الأعمال مثل هذه التوصيات قبل أن تتحول الى قرار ملزم لأنها تمس العصب وتعتبر خط أحمر ينبغي عدم تجاوزه.
ولهذا بدأنا نسمع ونرى مشاعر الضيق والغضب من بعض القرارات التي تضيق الخناق على العمالة الوافدة ليس حباً في العمالة الوافدة وليس نقصاً في الشعور بالحس الوطني ولكن مبنية على توقعات مستقبلية لمآل تدهور أعمالهم المهددة بالركود وعدم النمو الأمر الذي يعتبره البعض الآخر بمثابة محاربة لهم في أرزاقهم أو وضع العراقيل أمام نجاحهم بل قد وصفها البعض الآخر بأنها تسبب لهم الضرر وتصيب أعمالهم بالشلل وهذا ماسيؤدي الى نتائج عكسية على توظيف العمالة الوطنية.
ولهذا ينبغي أن نستعرض الآن أسباب إنخفاض توظيف العمالة الوطنية ومنها إرتفاع تكلفة العامل المواطن مقارنة بالعامل الوافد، وإرتفاع إنتاجية العامل الوافد مقارنة بالعامل المواطن نتيجة لضعف التأهيل العلمي وإنخفاض مستوى التدريب المهني للعامل المواطن، وإرتفاع مستوى التسرب عند العمالة المواطنة، وأن العامل الوافد أكثر إنضباطاً وأكثر تحملاً للمسئولية كما تشير بعض الدراسات، وسنستكمل في مقال آخر توصيات المنظمات العالمية التي تتناقض مع توصيات وزراء العمل الآنفة الذكر لعلهم يراجعون توصياتهم حتى يكون هناك فائدة من إجتماعاتهم.


مصطفى الغريب

شيكاغو

محرقة الوزراء