افرز تخبط وضبابية الحركات والتيارات الاسلامية في الدول العربية وتحديدا الاردن تيارات اسلامية شابة يمكن اطلاق وصف" الاسلاميون الجدد" عليها ان صح التعبير.

الاخوان المسلمون الاردنيون هم حاضنة التيار الاسلامي او الحركة الاسلامية في الاردن والمراقب لاحوال الجماعة اليوم يلمس ارباكا وتخبطا وتيها وضياعا سواء في تحدي البقاء والاستمرارية اوعلى صعيد التعامل مع المتغيرات والاحداث والتماشي مع راح التغيير او حتى على صعيد استيعاب واحتضان جيل جديد يكون الوقود للحركة.

في الحالة الاردنية الوضع يبدو واضحا وجليا.. فثمة عشرات بل مئات من الشبان الاردنيين الذين كانوا ينتمون الى الحركة الاسلامية والاخوان..باتوا اليوم اكثر انطلاقا واكثر ابداعا وانعتاقا بعدما تحرروا من قيد التحزب الاسلامي الذي مثل بالنسبة للبعض حجرا فكريا وروحيا ولم يشكل اية اضافة تذكر.

جيل من شباب الاخوان المسلمين سابقا ينطلق اليوم في فضاءات السياسة والفكر والاعلام والثقافة في الاردن وخارجه مشكلا – دون توافق – تيارا جديدا من الاسلاميين الاكثر اعتدالا وتنورا ووسطية وثقافة ووعيا.. بينما لا زال يعاني شباب الاخوان حتى اليوم من غياب الخطة الشاملة والمشروع الفكري الباعث على الحركة وغياب الهدف والقدوة والرمز..وضبابية المشروع ان وجد وتناقضات السياسي والديني...الخ.

راديكالية اكثر واعتدال اقل هو ما يتسم به جيل شباب الاخوان في الاردن فضلا عن سطحية الفكر ومحدودية العقل والابداع..كيف لا والفضاءات المتاحة امام هذا الجيل المتحرق لخدمة الاسلام..ليست اكثر من اسرة مغلقة او مفتوحة..لا تتجاوز ادبياتها وتربوياتها اكثر من حديث شريف وبضع ايات قرانية والقليل مما كتبه "الامام" في رسائله.
توابيت وقوالب موروثة.. لم تخلق الا جيلا مسلما يحرص على اطلاق اللحى وسماع الاناشيد الجهادية وقراءة " الرسائل " دونما ادنى التفات او محاولة لتنمية قدراته ومواهبه وامكانياته وتطويرها ثقافيا وسياسيا وفينا واقتصاديا...الخ.
ثمة قلق وفوضى يعبث في شباب الاخوان مرده الى تردي الحالة الاخوانية عموما حيث الافتتان بالمشيخة ووصاية التنظيم وإقالة العقل.. بينما يصعد تيار اسلامي شاب يحاول الانعتاق من كل هذا ليخلق حالة اسلامية جديدة تخرج على الجمود الفكري والحزبي وحتى الشرعي.
ما اقوله ان ثمة مظاهر ودلالات على بروز تيارات اسلامية جددة في الاردن قد تطغى على التيار الاخواني وسيكون المستقبل لها في ظل زوال التيارات الاخرى وربما يكون فكر هذه التيارات امتدادا للفكر الاخواني لكن مع كثير من التعديل..وافراد هذه التيارات يمتلكون فكرا اخوانيا خاصا متجددا اكثر انفتاحا واقل جمودا من فكر جماعة الاخوان.
لكن ليس ثمة ما يربط بين هذه التيارات او يجمع بينها وهو جيل باعتقادي عميق الوعي ثاقب النظر واسع الأفق..تنكر لعقيدة التفويض والتسليم في الحراك الدعوي..وضاق صدره من الرؤوس المهيمنة والأسماء "اللامعة" ومن الشورى الملزمة.
هذا التيار وفكره بحاجة الى مرجعية ما لإنضاجه خاصة وان امامه العديد من التحديات ابرزها الانخراط في العملية السياسية والاجتماعية من خلال مؤسسات ومراكز أو تجمعات مدنية، حيث النزول إلى ساحات التأثير والاحتكاك بالقضايا والهموم، وإنضاج الرأي والاشتراك مع "الغير" في طلب الحق والظفر بالصواب والعمل به.
وهي جميعها امور تعد من المآخذ على فكر وسلوكيات جماعة الاخوان المسلمين حيث التسلط والجمود وعدم قبول الاخر بل ونفيه...وبسبب هذه المطبات للفكر الاخواني اللظ الذي لا يحفل بما يحصل من حولنا في هذه الدنيا ويقتصر اثره على رد الفعل فقط..نشا جيل اخواني "أمي" لا يقرا التاريخ ولا يكتب المستقبل..ويرى العالم بمنظار المعممين واقوال اصحاب الفضيلة..جيل تورط في الأوهام حتى الثمالة ولم يدرك يوما حقيقة التحولات في النفس والمجتمع والسياسة وحقيقة ان ثمة عالم اخر خارج اسوار المسجد او المركز العام للاخوان المسلمين وسط العاصمة الاردنية عمان.
ولنعترف ان ثمة تيار شد عكسي داخل الاخوان يرفض ان يخرج احد على هذا الفكر البالي وان ثمة تيارات في داخل الاخوان تحاول ان ترفض وتتحدى..فيكون مصيرها اما الفصل او " التجميد" او الاستبعاد من الحياة الاخوانية.
اما الجيل الجديد الذي نبشر به فهو اكثر التفاتا الى الاصلاح الديني وتغيير لغة الخطاب واحياء مدرسة النهضة والإحيائية والنقدية واقل اهتماما بمسألة "الارتباط" و"الولاء" و"التبعية" للاشخاص دون الافكار والمباديء.
كنا نعاني اخوانيا من غياب الخطة والهدف والمشروع الفكري.. اما اليوم فان تيار الاسلاميين الجدد قادر على بث روح الحداثة في المشروع الاسلامي اذا ما توافرت الظروف المواتية والعمق والدراية وأهل التخصص.