حكي عن ابن المفقع انه كان حكيم زمانه لكثرة ما نهل من ثقافات متنوعة فارسية وهندية ويونانية وعربية، وكان مثال للمثقف الخلوق والمهني والمخلص، وعلى الرغم من ان اشهر كتبه كليلة ودمنة الذي منهم من يقول إنه مترجمه، ومنهم من يظن بانه واضعه، ففي الكتاب نقد لاهل الحكم والحكام بأسلوب جاء على السنة الحيوانات، وعلى الرغم من اعتماده هذا الأسلوب غير المباشر الا أنه وقع ضحية السياسة والمشتغلين بها. والتي عاش عمره يشتغل في بلاطاتها، وسخر ضميره في سبيل اصلاحها.

ذكرتني مقالة الزميل زاهي وهبي التي نشرت في جريدة المستقبليوم امستحت عنوان "فخامة القاتل " بابن المقفع المقالة التي نشرت في 7 حزيران 2005 وهي :

فخامة القاتل
زاهي وهبي:
من التالي
سؤال بتنا نطرحه على أنفسنا كل لحظة.
مَن منّا سوف يودّع مَن؟
مَن منّا سوف يضيء شمعة لمَن؟
مَن منّا سوف يزرع وردة على اسم مَن؟
وراء نعش مَن سوف نسير غداً؟
أي أمّ سوف تنزوي في ثياب الحداد؟
أي زوجة سوف يطفح كيل حزنها وأساها؟
أي ابنة سوف تقطف وردة لروح أبيها؟
الأسئلة تدور وآلة القتل تدور.
القتلى يُشيّعون تباعاً والقاتل يحتفظ بابتسامته الصفراء.
المفجوعون والمقهورون والحيارى يصلّون لراحة أنفس الضحايا والقاتل يحار: أي ربطة عنق سوف يرتدي هذا النهار؟
البلاد تسبح في دموعها والقاتل يسبح في حمام الحقد والكراهية والحسد.
الأرض تهتزّ من هول الجريمة والقاتل متشبث بكرسيّه الهزّاز.
الوطن يكاد يمسي جنازةً يومية والقاتل يمشي خلف نعش القتيل. يعزّي أهله ومحبّيه لكنه لا يذرف دموع التماسيح. إنه يبتسم فقط.
كل القتلة يبتسمون.
ينهض القاتل من نومه كل صباح ويرتدي ابتسامته كما يرتدي ربطة عنقه.
الابتسامة قناع.
الابتسامة خنجر في الظهر.
كم مرّة ابتسم القاتل للقتيل؟ كم مرّة سدّد ابتسامته إلى قلبه؟
الإجرام ليس شكلاً. ليس تقطيب حاجبين أو تكشيرة أسنان. الإجرام ذهنية.
كل المجرمين والسفاحين والقتلة غلّفوا جرائمهم بالشعارات، كلهم ادّعَوا العفّة والطهارة.
كلهم انتهَوا إلى مزابل التاريخ أو اعواد المشانق.
كان الجنرال الفاشي (هو أيضاً) فرانكو طريح فراشه حين تناهى إلى مسامعه هدير الشعب وهو يحيط بالقصر من كل الجهات. فسأل زوجته، وهو في سكراته الأخيرة: ما هذه الأصوات؟
قالت زوجته: الشعب أتى لوَداعك؟
أجابها فرانكو: لوين رايح الشعب؟
لم يفهم الجنرال، ولن يفهم، ان الشعب لا يروع، وأن الذين يروحون بلا أسف عليهم هم القتلة السفلة.
فيا فخامة القاتل كفى. إرحل
ألا تسمع هدير الشعب الآتي لوداعك؟

ويبدو ان ما يربط ابن المقفع بزاهي وهبي الكثير، فهذا الأخير لم يسمِّ الاشياء باسمائها، كما ومقالته ترشح حزنا واسى على شهداء الحرية، وكذا يريد للحكام ان يصلحوا من امور دولتهم، عن طريق المثل والحكمة فالعبرة لمن يعتبر من التاريخ، وبدل من أن يعيد اهل الحكم النظر بما يبدر منهم، فإذا بزاهي وهبي مطالب للمثول امام "العدالة" للدفاع عن نفسه!

ماذا اقترف زاهي وهبي في مقالته؟ فالصحافة كلها استهجنت واتهمت وحللت وسمت الاشياء باسمائها. فعلى الدولة اللبنانية إذن ان توقف كل صحافي، حر القلم وحر النفس، ويؤمن بوطن حر ومستقل، فلماذا زاهي وهبي وبماذا أخطأ؟؟؟

فلو عدنا الى المقالة لوجدناها تنقسم من حيث المعنىالى ثلاثة اقسام القسم الأول يتساءل فيه زاهي وهبي عن من سيكون التالي. وبنوع خاص ان اللائحة باسماء الصحافيين المهددين في لبنان طويلة، وطويلة وجدا، وهذا ما يتناهى لأسماع الكل وليس فقط لزاهي وهبي.

في القسم الثاني وصف للقاتل الذي يتفرج على ضحيته مبتسمًا ابتسامة صفراء تشبه قلبه المتجمد ومشاعره التي بطلت ان تكون إنسانية، وهذا الوصف ينطبق على كل القتلة المجرمين في اي زمان واي مكان.

وفي القسم الثالث، تحدث فيه عن الجنرال فرانكو الذي لم يعد يفرق خلال سكرات موته بين استبداده الذي طال وبين ثورة الشعب المتعطش للحرية.
فهل هي كلمة فخامة في عنوان المقال هي التي اثارت حفيظة صاحب البسمة التي تضيء في السراء والضراء!
زاهي وهبي إنتبه على نفسك لا نريد خسارة مقاوم آخر و قلم آخر.