من يزور لندن هذه الأيام سيجد أن هناك شيء تغير في هذه المدينة الجميلة،هناك مسحة من الحزن والخوف في كل ركن،لن نشاهد تلك اللندن التي يعيش سكانها حتى أقصى ما يمكن أن يصل اليه الانسان من الحرية، وما تراكم عبر آلاف السنوات من الحضارة والعراقة،ستلحظ البوليس الانجليزي واقفا على قدميه أو يتجول فوق خيله في كل ركن وزاوية وفي اصرار لا رجعة فيه على أن لا تتكرر تلك الهجمات مهما كان الثمن،لم يعد القطار اللندني الشهير(الأندرجراوند) ذلك المكان الذي يعلمك أبجدية احترام الوقت حيث يغرس الجميع وجوههم في كتبهم أو ينشغل الأحبة في قبلات محمومة،أصبح هذا القطار شبه فارغ الا من بعض الوجوه الخائفة وخاصة عندما تدخل عليهم بسحنتك الشرقية،وقد أدى ذلك الى انتشار علاج جديد اسمه :
metro therapy
وهو علاج فوبيا القطارات التي أصابت الكثيرين بعد التفجيرات،والى جانب فوبيا القطارات ستجد فوبيا من نوع آخر وهي فوبيا الحقائب،فمطار هيثرو يعلن وأنت لم تدخل المطار بعد وبأصوات مكبرة عن التحذير من أي حقائب غير معروفة وأنه سيتم اتلافها،ولأول مرة تفتش الحقائب عند مداخل دور السينما والمسارح، وان كان التفتيش لا يخلو من دماثة أحفاد شكسبير حيث تجده يفتش حقيبتك بينما يتغزل بجمالها وبذوقك الرفيع !!،في أحد المقاهي كانت تجلس الى جواري أسرة يبدو أنها من أصول عربية انتهت من الطعام ونسي طفلها الصغير حقيبة ظهره،هذا الحادث كان يمكن أن يمر ببساطة قبل شهور قليلة أما اليوم فكل حقيبة هي قنبلة محتملة،فجأة طلب منا اخلاء المكان وجاء المختصون لفحص الحقيبة التي لا أتصور أنهم وجدوا فيها سوى بعض الألعاب والشوكولاتة الخاصة بطفل صغير،،دماثة سائقي التاكسي هذه المرة أكثر من أي عام وقد قالها لي بصراحة أحدهم أن شهر أغسطس بالذات نعتمد فيه بشكل كبير على العرب وأن هذا هو أسوأ شهر أغسطس مر عليهم منذ ثلاثين عاما،سمعت الكثيرين الذين يربطون بين تفجيرات لندن وبين التدخل البريطاني في العراق سمعت ذلك من عرب ومسلمين وبريطانيين لكنني لم أسمع هذا الربط من أي عراقي،فالعراقيون وجاليتهم الكبيرة في لندن أدرى من غيرهم بما فعله النظام العراقي السابق بهم،حيث شرد الملايين منهم ووجد الكثيرون في لندن الوطن الذي فتح لهم قلبه ومنحهم الفرصة لممارسة حقهم الطبيعي في حياة آمنة كريمة مستقرة، باختصار كانت هناك مسحة من الحزن في لندن...أحزنتني.


[email protected]