دائما ما يهلل فريق من أبناء أمتنا ويعلن سروره وفرحه عند سماعه أنباء الكوارث المتعلقة بمن يبغضهم خارج بلاده.. و قد ظهر ذلك جليا في عدد من المواقف، كان آخرها عند حدوث إعصار "كاترينا" بالولايات المتحدة الأمريكية، والذي خلَّف وراءه آلافا من القتلى والمشردين، وخسارة تقدر بمليارات الدولارات، فوجدنا روح الشماتة والتشفي تظهر من بين بعض أبناء امتنا.. ليكرروا ما قاموا به من قبل عقب وقوع حادث جسر الأئمة بالعراق، الذي وقع أثناء احتفال شيعي هناك، فأسفر عن مقتل نحو ألف عراقي.

كانت تلك العقلية الشامتة هي التي فسرت من قبل ظاهرة تسونامي على أنها عقاب إلهي لأهالي جنوب شرق آسيا، وهي التي بررت الأحداث التفجيرية التي ضربت مصر في الفترة الأخيرة.. وغالبا ما سيستمر هذا المنطق الشامت يمارس هوايته عقب كل كارثة تصيب قريب أو غريب... خصوصا وأن أصحاب هذا المنطق يستخدمون مرجعية قرآنية في توجههم هذا، كاستخدامهم قوله تعالى : ويومئذ يفرح المؤمنون (4) بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (5)الروم... فيتم تأويل المعنى، وكأن الآية دعوة للتشفي والفرح بمصائب الآخرين، على الرغم من أن القياس هنا لا يجوز بين الحالة التي نزلت فيها الآية، واستخدام البعض لها كمبرر للتشفي والشماتة..!

إن رسالتنا إلى كل شامت أن يتذكر دعوة رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم وهو يأمر كل مسلم أن يحب للناس ما يحب لنفسه، وان يكره للناس ما يكره لنفسه، وألا يظهر الشماتة لأخيه وقت ابتلائه كي لا يبتلى بابتلائه.... حتى الأعداء، كان من أخلاقيات الإسلام أن يترفع المسلم عن الشماتة بهم.

لقد كنا نتمنى من الشامتين أن يقوموا بعمل أفضل من شماتتهم.. عمل يحسِّن من صورتهم لدى الآخر، سواء كان هذا الآخر عربيا أم غربيا، كأن يقدموا عزاءهم للشعب الأمريكي في هذا التوقيت بالذات، فيقدموا بذلك – على المستوى الشعبي- تصرفا يحسِّن من صورة العربي المسلم التي شوهها البعض لدى الجماهير الغربية، فيكون في هذا التصرف عرضا لصورة للعربي النبيل على حقيقتها... وكنا نأمل من قبل أن يعبر هذا الفريق أيضا عن تعازيه لأهل العراق، عقب حادثة جسر الأئمة بالكاظمية، كمحاولة لطمأنة شيعة العراق أن بخارج العراق مسلمون مثلهم يألمون لألمهم.

ولعل الموقف الحكومي العربي من تلك الأحداث كان على المستوى المطلوب، وهو ما ظهر واضحا في قرار بعض الدول العربية مساعدة الولايات المتحدة الأمريكية في أزمتها الأخيرة بالدعم المادي، كقرار دولة الكويت التبرع بما قيمته 500 مليون دولار من المنتجات النفطية وغيرها من المساعدات الإنسانية للولايات المتحدة بغرض تخفيف آثار الإعصار كاترينا.

لكننا نأمل أيضا أن يكون هنالك تحرك شعبي في مثل تلك الأوقات على نفس مستوى التحرك الحكومي، ولو بصورة بسيطة كإرسال برقية عزاء أو إظهار روح التعاطف مع صاحب البلاء، أو على الأقل ألا يكون هنالك تحرك مضاد لهذا النشاط الحكومي النبيل.. فروح الشماتة ستزيد الفجوة بين الشعوب، وستضعفنا وتجعلنا دائما في موقف من يتلق الصدمات.

نأمل لمن يشمت في مصائب الآخرين – أيا كان هؤلاء الآخرين – أن يتحلى بخلق محمد نبي الإسلام، وأن يراجع سير فرسان امتنا العربية والإسلامية... فالفارس العربي كان لا يشمت في أعدائه.. كان لا يسيء لمن أساء إليه، إننا نقدم دعوة كي نحب للناس ما نحب لأنفسنا، ونكون فاعلين في تحديد شكل علاقاتنا مع الآخرين، لا أن نكون عاجزين عن الفعل، مكتفين بتغذية نفوسنا بنار الحقد... نتمنى أن تصل الرسالة، وتكون محل تدبر.

الراسل : عبدالرحمن مصطفى حسن

* كوبري القبة

القاهرة - مصر