(الحلقة الثانية)

ذكرنا في "الحلقة الأولى" من الإرهاب في سيناء هل هو بداية أم نهاية ؟ بعض المعلومات المهمة وهي التي تعطي تفسيراً منطقياً لبعض الأسباب التي أدت الى وقوع تفجيرات سيناء ونستطيع ان نوجزها في مايلي : الظلم الواقع على أبناء المنطقة، وكثرة الاعتقالات بين صفوف أبناءها، وثقافة العري التي إجتاحت المناطق السياحية، والتعدي على ثقافة وتقاليد أبناء المنطقة، ووجود ثغرات أمنية أدت الى فشل قوات الأمن في منع العمليات الارهابية.

وفي هذه "الحلقة الثانية" سنلقي مزيداً من الأضواء على معلومات أخرى لها جانب آخر مهم في تفسير الأحداث علنا نهتدي الى الحق ونتعرف على المزيد من أسباب الإرهاب المبني على الإستعداد الكامل للتعاطي مع الأسباب الحقيقية المؤدية إليه ومن أهمها «الظلم» السياسي والاجتماعي ودور السياسة الأجنبية أو المحلية وممارساتها في إشاعة الإرهاب وتوسيع نطاقه وتفريخ أجياله، وتدويله وتعميمه ولاسيما أننا لازلنا مستهدفين من بعض تلك الجهات الأجنبية و/ أو المحلية سواء كانت دول أو منظمات أو أفراد.
ومن يتابع الأحداث الإرهابية في العالم يعلم يقيناً إن أي حدث إرهابي له قرائن تشير الى أنه مدبر وقد قام على تخطيط مسبق ينفذ من خلال ثغرات أمنية لتحقيق أهداف معينة سياسية وإقتصادية وأمنية وإجتماعية ودينية وغيرها لذا فهو يعتمد على عدة عناصر أهمها التوقيت لتوصيل رسالة سياسية معينة في زمن معين ولطبيعة المكان إرتباط بهذا العمل الإرهابي.

فضرب المنتجعات السياحية له دلالة على ضرب السياحة من الناحية الإقتصادية والأخلاقية والدينية والأمنية والسياسية وغيرها كما أن ضرب برجي التجارة العالمية كان له دلالة على ضرب مفاصل الإقتصاد الأمريكي والعالمي والأمثلة على ذلك كثيرة إذ أن كل عمل إرهابي له تداعياته وأسبابه ونتائجه وردود الأفعال عليه.


وعندما ندعوا الى دراسة الأسباب فإننا في الواقع نريد أن يكون للحرب على الإرهاب جانبين جانب يعتمد على العقل وجانب يعتمد على العضل أي إستخدام السياسة والقوة في آن واحد فمن يجدي معه السياسة نحاوره بالعقل والمنطق ومن لايجدي معه هذا الأسلوب نحاربه بالقوة ولاينبغي التهاون معه بأي حال من الأحوال.

ولابد من إستكمال البحث عن المزيد من الأسباب لنتفهم الموضوع بشكل أكثر عمقاً ولايعني ذكرنا الى مزيد من هذه الأسباب أننا في مرحلة إتهام أطراف معينة بذاتها وإنما مرحلة دراسة أسباب وعرض معلومات كمن يقوم بعصف ذهني لسرد المزيد من الأسباب المحتملة.


لاينبغي أن نغفل ما يقوم به الموساد الإسرائيلي في منطقة سيناء وفي مصر عموماً من أعمال لتنظيم شباب للحصول منهم على معلومات أو محاولة تغذية التطرف الديني لديهم ليحققوا أهدافاً إسرائيلية بأيدي مصرية سواء من أبناء سيناء أو من غيرهم ومما يؤيد هذا القول الإعتقالات المستمرة لجواسيس للكيان الصهيوني في مصر أمثال شريف الفيلالى وعزام عزام ومصراتى وغيرهم مما أعاد فتح ملفات كثيرة ومنها العمل في الكيان الصهيوني والتطبيع.


ومن ضمن الخطط أيضاً ماقامت به إسرائيل أثناء إحتلالها لمنطقة سيناء لتزويج أبناء سيناء بصهيونيات وهي تتعلق بمستقبل الجيل الثاني والأجيال القادمة من هذه الزيجات المختلطة لإحكام سيطرتها على سيناء وتهويدها ولايزال هذا الحلم يدور في خيال المخططين في إسرائيل حتى بعد الإنسحاب من سيناء، وصولاً الى تهويد سيناء ودمجها جغرافياً وإجتماعياً عبر مواليد الأجيال القادمة وأكد هذا عدد من مشايخ بدو سيناء وإعترفوا بأن هذه الظاهرة تفاقمت في السنوات الأخيرة لاسيما مع إتساع ظاهرة سفر شباب مصريين للعمل في إسرائيل.

ولا يقتصر الخطر على سفر المصريين إلى إسرائيل، بل يمتد إلى جرائم الإسرائيليين في مصر وسيناء، وهناك العديد من المخالفات الجنائية منها تهريب المخدرات والعملات المزورة وتهريب الأسلحة والبضائع وتسليم مصر هؤلاء المجرمين إلى السلطات الإسرائيلية عبر منفذي رفح وطابا، ومعروف أيضاً إن أشد مايزعج إسرائيل هو النمو الاقتصادي أو الاستقرار السياسي والأمني في مصر.


وهناك فرضية تؤيدها عدة شواهد وقرائن مفادها أن منفذي التفجيرات ربما جاؤوا من بلدان مجاورة ولاتزال أجهزة الأمن تحقق مع عدد كبير من بدو سيناء، للاشتباه بتورطهم في بيع المتفجرات المستخدمة عادة في المحاجر لمنفذي التفجيرات ومتهمين أيضاً بتقديم الدعم اللوجستي سواء كان ذلك بإتفاق مادي أو إتفاق أيديولوجي مع المخططين والمدبرين لتلك العمليات، أو أن هناك عناصر من البدو قد انخرطت فكرياً في المنظمات الأصولية الراديكالية.

ولن تستثنى «القاعدة» بأي حال من الأحوال أو من تدبير مجموعة اسلامية مصرية صغيرة في الداخل تتبنى فكر الجهاد، ولاسيما أن القاعدة قد هددت بإستمرار العمليات الإرهابية في مصر إذا لم تتوقف مصر عن التعاون مع إسرائيل وتمنع دخول السائحين الإسرائيليين من الأراضي المصرية. وهذا التهديد مبني على إختراق أو إتفاق مع بدو سيناء.

ويجب أن نضع في الإعتبار بعض التصريحات حيث إعتبرت حركة «حماس» ان ما حدث في طابا «نتيجة طبيعية امام هذا العدوان الإسرائيلي المتواصل، وحرب الابادة التي يمارسها الجيش الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني في كل يوم، اضافة الى العجز العربي والصمت الأوروبي والانحياز الاميركي والذي توج اخيراً بالفيتو لافشال مشروع تقدمت به الدول العربية لوقف العدوان».

ولماذا لا نبحث في امكانية ان يكون جهاز الموساد الاسرائيلي وراء تنفيذ الهجمات التي تعرضت لها منشآت مصرية سياحية في محافظة جنوب سيناء علي الحدود مع فلسطين المحتلة وراح ضحيتها العشرات من القتلي والجرحي، ولاسيما أن تل أبيب مستفيدة من وراء التفجيرات وتستطيع أن تجير معظم الأحداث لصالحها بإمتياز ولاسيما أنها لاتدخر وسعاً لكي تضرب حركة السياحة المصرية المزدهرة في مقتل، وتظهر مصر امام العالم بانها دولة غير قادرة علي حماية أمنها.

التنظيمات الإسرائيلية المتطرفة أمثال حركة 'عوثارت نوش' وغيرها وعبر العديد من المقالات التي تنشرها تطالب بإشاعة الفوضى وإضطراب الأمن في شبه جزيرة سيناء وأن زعماء هذه التنظيمات يعتبرون أن اليهود الذين يزورون طابا هم دنس يستحقون القتل لأنهم يساعدون 'العدو' المصري علي بناء إقتصاده، وأنهم ليسوا أكثر من خونة يجب القصاص منهم.


وبعض المحللين تطرقوا الى أن السياسة الخارجية لبعض الدول العربية والمشي وراء أمريكا هو السبب، كما أتهم بلير بأن سياسته التابعة لأمريكا هي التي أدت لإستهداف بريطانيا، وهذا أيضا كان الأثر الذي فهمه الأسبان فغيروا رئيس الوزراء بعد تفجيرات مدريد.


وبعد إستعراض كل ماتقدم سنلقي نظرة عامة حول بدو سيناء الرحل الذين لم يلتزموا حتى الآن بالحدود الحديثة للمنطقة، ولذلك توجد أعداد كبيرة منهم في صحراء النقب في إسرائيل وفي الأردن المجاورة، كان القرن العشرين وهذا القرن شديد الوطأة على البدو كما كان قاسياً على الرحل في كل مكان، فبوجود الحدود الصارمة للدول، فقد البدو الرحل غالباً إمكانية السير على دروبهم التقليدية، ومع محاولة الدول لإحكام سلطتها وسيطرتها، بدأت بفكرة توطين البدو بحيث تمكنهم من الإستقرار وتتمكن من السيطرة عليهم.

ومما لا شك فيه أن حياة البدو قد تغيرت الى حد ما ولاسيما أن شبه جزيرة سيناء رزحت تحت وطأة إحتلالات مختلفة وحدث تطور في صناعة السياحة في شبه جزيرة سيناء رغم المحاولات المتكررة من جانب البدو للمحافظة على عاداتهم وتقاليدهم ووجودهم معتمدين على الرعي وعلى الزراعة البدائية وعلى صيد الأسماك من البحر، أو العمل كأدلاء لمن يجتازون الصحراء أو لأولئك الذين يزورون جبل موسى، الذي يبلغ إرتفاعه 2285 متراً ويوجد أعلى قمتة كنيسة صغيرة وجامع ويحرص الزائرين على تسلق الجبل لمشاهدة شروق الشمس ويسمى جبل المناجاه حيث كلم الله نبيه موسى.



وقد حافظ آخرون من البدو على تجارة تهريب هامة من النقب والأردن والسعودية إلى مصر وتركت السلطات الأمنية البدو لحالهم ، مكتفية بالعلاقة مع عدد محدود من شيوخ القبائل , لممارسة السيادة بقوة ، الى درجة أن البدو إعتبر أن هذه الممارسة للسلطة وبشكل متزايد كأنها إحتلال وذكرت عالمة أنثروبولوجيا تدعى آن غاردنر في العام 2000 عن تجربتها الممتدة لعدة سنوات مع البدو في جنوب سيناء قائلة: "لم أقابل بدوياً واحداً يعتبر نفسه مصرياً أو يعتبر أن سيناء مصرية " وعندما وجد البدوي صاحب الأرض من أبناء سيناء نفسه محاصر بهجرة المصريين من وادي النيل إلى سيناء , بدأ يفكر ويتساءل عن الإرهاب في سيناء هل هو بداية أم نهاية?

الحلقة الاولى