ما زلنا بين الحين والحين نستخدم بعض العبارات لتزويق أحاديثنا، وتجميل أفعالنا أمام الآخرين... على رأس تلك العبارات، عبارة تقول أن الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية، ورغم هذا المعني النبيل وراء تلك الجملة المبهرة، إلا أنه ما زال الاختلاف يُـفسد الود في مجالسنا وحواراتنا، سواء كانت عن السياسة أو الدين أو الرياضة..الخ، وما زال الفرد منا يخشى الاختلاف في الرأي مع رئيسه تخوفا من أن ينعكس ذلك على مسيرة حياته الوظيفية أو انسياب المكافئات إلى جيبه أول كل شهر.

وهنا.. نحن لا ندعي أن مسألة عدم قبول الاختلاف في الرأي هي قضية عربية تخصنا وحدنا دون بقية دول العالم، وإلا.. كنا نظلم أنفسنا بهذا القول..لكنها بعض العيوب الاجتماعية التي زادت من حدة هذا الأمر حتى أصبح كل مجلس لا يكاد يخلو من عبارات التناطح وإثبات الوجود.

ربما يكون أحد أسباب فساد الود نتيجة اختلاف الآراء أن يكون هذا الود في الأصل سراب ليس له وجود حقيقي، وأنه كان مجرد نفاق أو مجاملة ظننا نحن أنها ودا.. فلما ظهر الاختلاف في الرأي على السطح، كانت الحقيقة المرة، فكان الاختلاف في الرأي اختبارا حقيقيا لهذا الود المزعوم، وربما يكون التكالب على المصالح والاستئساد في المناصب سببا آخرا في محاولة فرض الآراء بالقوة، حتى لو كان ذلك بخسران الود والسلام مع الآخرين، تخوفا من أن تكون سيادة رأي الآخر سببا في فقدان منصب أو مال.

سبب آخر يدفع بالبعض إلى رفض الاختلاف في الرأي.. ألا وهو تعود شعوبنا على وجود زعامة واحدة، ونظام واحد، ورأي واحد.. فيكون الاختلاف في الرأي لدى البعض بمثابة فتنة لا بد من وأدها، فيفسد بذلك كل ود ويطاح بكل سلام.

رغم كل هذا.. ما زلنا مطالبين بالعمل على تنفيذ هذا الهدف النبيل الذي تحمله تلك العبارة الساذجة في مظهرها.. الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية، علينا أن نعوِّد أبناءنا على قبول الاختلاف مع أفكار الآخرين، ولعلنا مطالبون بأن نحدد مرجعياتنا ونضعها نصب أعيننا، كي يكون اختلافنا مبني على أساس مرجعية واحدة، حتى لا تجنح أفكارنا نتيجة عندِ أو حب للظهور.

ومن يعلم.. فربما يأت يوم لا يُـفسد فيه الاختلاف للود قضية.

عبدالرحمن مصطفى

كوبري القبة - القاهرة