مواقف مدهشة بتخذها عادة الأعراب بسهولة تامة وكأنها طبيعية بينما هى فى غاية العجب. منظمة حماس الفلسطينية تستعد لدخول لإنتخابات التشريعية وعينها على ما حققه الإخوان الجناح الأم فى مصر من نجاح ساحق فى إنتخابات مجلس الشعب. لا يهم حماس أن الشعب الفلسطينى الذى يعيش فى غالبيته على المعونات سوف يعانى، إن نجحت حماس كما هو متوقع، من قطع تلك المعونات سواء فى ذلك المعونة الأمريكية بل وحتى معونة الإتحاد الأوروبى. هذه البلادة ليست أصل المشكلة، فقد تعودنا من الشوفينيين عموما أن جلوسهم على كراسى الحكم له ثمن لا بد وأن يدفع، ولا بأس من أن يدفعه الشعب الفلسطينى لقاء جلوس الحماسيين على كرسى الحكم ولكى يدخل خالد مشعل الأراضى الفلسطينية فاتحا. أصل المشكلة هى السيد عباس ومعه الفتحاويون الذين ينبغى عليهم أن يعلنوها صراحة وبدون تزويق، عليهم أن يوضحوا للشعب الفلسطينى أن إنتخاب حماس سوف يترتب عليه قطع المعونات، ومن بعد ذلك فليتركوا السألة للفلسطينيين فإما أن ينتخبوا حماس وإما أن يختاروا غيرها. مشكلة الشعب الفلسطينى أيضا عميقة فأمامهم خيارين أحلاهما مر كالعلقم، فإما أن ينتخبوا الفتحاويين بفسادهم وسرقاتهم وإما أن ينتخبوا حماس ويتحملوا قطع المساعدات العالمية عنهم. للأسف ليس لديهم خيار ثالث فإما حماس والتى ستلبى مطالبهم فى الأمن عن طريق زعرانها، كما نجحت طالبان فى فرض الأمن فى أفغانستان خلال مدة حكمها، وإما فتح بفساد قادتها وفشلها حتى فى مجرد إستتاب الأمن فى الأراضى الفلسطينية.
تقودنا العجيبة السالفة الى عجيبة أخرى هى التساؤل عن كيفية أستطاعة صدام القضاء على الإنتفاضة الشيعية عام 1991 خلال مدة وجيزة، بينما فشل الأمريكان فى القضاء على المسلحين السنة خلال أكثر من عامين. الفارق بين تعامل صدام مع الإنتفاضة الشيعية وبين تعامل الأمريكان مع quot;الإنتفاضةquot; السنية هو فارق نوعى. واى حاكم عراقى يستطيع أن يقضى على الإنتفاضة السنية خلال عام واحد بينما لن يستطيع الأمريكان القضاء عليها فى عشرة أعوام إن لم يكن مطلقا. صدام أو أى حاكم عربى سيقضى على أى إنتفاضة مشابهة quot;لإنتفاضةquot; السنيين العراقيين عن طريق الإجراءات المعمول بها دائما فى عالم الأعراب. أى حاكم عربى تطلق يده فى العراق ويتعرض أحد عماله حتى ولو كان جنديا لإيذاء من خطف او قتل أو حتى ضرب، سيقبض ليس على الفاعل فقط، بل على عائلته أيضا حتى الدرجة السابعة أو العاشرة، لا يهم، وستتعرضأسرته وعائلته وقبيلته ومنطقة إقامته وكل من يمت له بصلة سواء كان رجلا أو شيخا أو طفلا أو حتى إمرأة لعملية تنكيل شرسة. لم يغامر صدام ولن يغامر أى حاكم عربى بنزول جنوده الى منطقة تحت سيطرة المسلحين وإنما سوف يدكها بالقنابل وبالكيماوى بل وبالنووى إن استطاع، كما فعل صدام مع انتفاضة الشيعة والأكراد، وكما فعل الحكم السورى فى حماة.
الحكومة المصرية أيضا تتعجب. لقد تم فض إعتصام ثلاثة آلاف لاجىء سودانى فى حديقة بوسط القاهرة ولم يسفر فض ذلك الإعتصام إلا عن قتل ثلاثة وعشرون نفس فقط، وإصابة بضع مئات! أى نعم كان الإعتصام سلميا وكان المعتصمون لاجئين مسالمين لا يحملون أسلحة، ولكن الحكومة المصرية من أجل فض الإعتصام لم تجد حرجا من أن تفتح على اللاجئين خراطيم المياه الباردة فى هذا الشتاء القارص، ثم تهاجمهم فتتسبب فى مقتل ثلاثة وعشرين شخصا منهم هم فى أغلبهم أطفال ونساء، أما إستنكار ذلك فشىء فعلا يدعو للدهشة! الغريب أن الحكومة السودانية أيضا دافعت عن حق الحكومة المصرية فى قتل رعاياها بحجة السيادة، ولم تجد فى مقتل رعاياها ما يدعو للإستغراب أبدا، ولسان حالها يقول هذه ممارسة كنا نحن فى السودان سنتخذها فى وضع مماثل!
ندعوا المجتمع العالمى أن يضيف الى وثيقة حقوق الإنسان حقه فى الدهشة حتى ولو من أمر يراه الأعراب طبيعيا.

عادل حزين
نيويورك

adel.hazeen @gmail.com