ما جاء في مذكرة دبي الموجهة إلى قناة الفيحاء الفضائية في عدم تجديد إجازتها للبث من دبي، له دلالات كثيرة. ونجدها مناسبة لقراءة الخطاب الإعلامي العراقي وخطاب قناة الفيحاء بالذات.
إن قناة الفيحاء ليست وحدها التي يشكل وجودها مخالفة لقوانين الإعلام الحقيقية بل أن أغلب القنوات العربية هي متجاوزة لقوانين الإعلام لو أرادت دبي التدقيق في البرامج وأهداف القنوات الفضائية في إطار قوانين مدينة الإعلام. ولذا نجد في تشخيص قناة الفيحاء دلالة غير عادلة.
أما قناة الفيحاء نفسها فإنها وقعت في مطبات إعلامية غير مدروسة وغير قادرة على تحملها. فشكل القناة وصيغتها منذ البداية سواء نطقت بالصريح أو بالتلميح فإنها كانت تدعو إلى ثقافة أحادية الجانب وكانت بالضرورة ترفض الآخر. وكان بإمكانها أن تنتهج نهجا علميا مشوقا وليس مباشرا وصولا إلى خطاب إعلامي يتسم بالقيمة الجمالية والقيمة الفنية المشوقة. ولكنها زجت بمحرريها إلى مخاطبة فئة معينة ويبدو لي أنها الجهة الممولة للقناة. كل القنوات تحظى بواردات غير منظورة، ولكن ذكاء القنوات النسبي كان يتجاوز هذا الشعور. ولو نظرنا إلى قناة الجزيرة نجد أنها وقعت في نفس المطب في دعم الدكتاتور العراقي مع الفارق بين الخبرة الإعلامية والقدرة المالية بين الجزيرة والفيحاء حيث لا مقارنة.
وهنا يطرح السؤال المنطقي.. لماذا لا تبث الفيحاء من مدينة الفيحاء (البصرة) وهي آمنة نسبيا ؟ ولماذا أشار بعض أنصار الفيحاء في رسالة يودون توجيهها إلى سمو رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة وكذلك حاكم دبي يشيرون فيها إلى أن غلق قناة الفيحاء سيحرم عائلات المحررين من رزقهم الحلال! عليهم الإنتقال إلى البصرة وإبقاء عائلات المحررين في دائرة إرزاقهم، سيما وهي قناة عراقية وبالتالي يمكنها الانتقال إلى العراق.
المصيبة الثانية أن العراق ليس فيه قانون إعلامي مدروس وعلمي وحضاري يحكم العملية الإعلامية فالحكومات المتعاقبة منذ سقوط الدكتاتور وحتى إشعار آخر مشغولة بنهب ثروات البلاد وللأسف، فلم يلتفت أي من رئيسي الحكومتين الأولى والثانية للثقافة ولا للإعلام فرئيس وزراء الحكومة الأولى لم يقرأ كتابا خارج كتب المدرسة لأنه يشعر بالضجر عندما يتصفح كتابا(حسب قوله)، أما رئيس وزراء الحكومة الثانية فإضافة إلى كونه لا يحترم الثقافة ولا المثقفين وبالملموس فإن وزارة ثقافته شحدت رواتب موظفيها لشهرين من السيد أحمد الجلبي!
إذا ما نظرنا إلى فضائية الفيحاء فإننا نلمس توجها رخيصا في خطابها الإعلامي فأول ما واجهتنا شاشتها الفضائية وجدناها تطلب العون بشكل رخيص من حكومة الكويت عبر مديح رخيص كل يوم وكأنهم ينادون بما لا يليق (قدموا لنا دعما ماليا الله يرزقكم ويزيد من أرباحكم) حتى بات المشاهد يخجل من عراقيته. ويوما كان المذيع يقدم برنامجه المباشر فسمعنا نقراً على السقف فأنتبه المذيع إلى أن السماء قد أمطرت بردا فما كان منه إلا وصاح هذا مطر الخير في عهد الشيخ زايد. فأولا من المضحك أن نسمع صوت البرد في ستوديو المفروض فيه معزول وعازل للصوت وثانيا ما هذا التدني في المستوى وكيف يحترم الواعون مثل هذه القناة ويثقون في خطابها الإعلامي وهي بهذا المستوى المتدني الفاقد للكرامة الشخصية والعراقية. ثم يفاجئنا مقدم برنامج آخر الذي يحاول محاورة جمهوره وضيوفه فنراه يهزج ويطلق الهوسات وينغمها أمام عدسة الكاميرا، هذا ناهيك عن طبيعة الخطاب السياسي نفسه الذي يلغي الآخر. هنا نعرج قليلا على قناة الشرقية، فهي أيضا قناة تقع في الجانب الآخر من البعد الطائفي والمذهبي وتلم البعثيين دون سواهم وتوجه خطابها غير المدروس إلى الطرف الآخر إن صح التعبير، لدرجة أنها الغت برامجها ليلة عاشوراء، ليلة استشهاد الإمام الحسين عليه السلام لتقدم حفلا راقصا ماجنا. كل القنوات البدائية تعلن عن نفسها بشكل ساذج وتشير بشكل أو بآخر إلى مصادر التمويل في حين تحرم قوانين الإعلام الحديثة على كل مؤسسة إعلامية أو رجل إعلام أن يأخذ دعما أو رشوة أو هدية من خارج بلاده وتحرم القوانين ممارسته المهنة في مثل هذه الحالة.
لقد توفرت لفضائية الفيحاء فرصة تأسيس ثقافة عراقية حديثة ثقافة سياسية وثقافية واجتماعية لكنها مسها غرور سحر الشاشة التي نسوا أنها تنطفأ ويتلاشى وهجها وبريقها بين ليلة وضحاها. وهذه لعنة الإعلام. كان بإمكان فضائية الفيحاء أن تستعين بالقدرات الواعية لرسم سياسية إعلامية غير تقليدية وتقديم برامج وتدريب قدرات عراقية على نهج جديد من الإعلام وليس الإعلام البدائي شكلا ومضمونا الذي قدمه وفرض مدرسته الدكتاتور العرقي والأنظمة الشمولية. وحتى القنوات التي يعتقد البعض أنها إرتقت بخطابها الإعلامي شكلا ومضمونا فهي ليست سوى قنوات قردية تردد ما تراه على شاشات الغرب الذي هو ليس الشرق وليس دبي وليس العراق وليس مصر وليس سوريا. الكل يقلدون الفضائيات وليست لهم شخصية رجل الإعلام المستقل بفكره والخلاق بإبداعه والذي ينظر إلى واقع المنطقة والشرق ويصيغ لها نهجا ويشكل مدرسة لها أصول وتلاميذ وأساتذة يفكرون في بناء المجتمع وتجسيد الحقائق الموضوعية من خلال هذه الأداة الخطيرة.
إغلقت فضائية الفيحاء أم لم تغلق فأنها أخفقت وعليها أن تعيد تأسيس نفسها داخل الوطن ولكن بصيغة مختلفة ترسم سياستها وصيغتها الفنية قبل أن تصعد للفضاء وتبقى في حيرة من أمرها وستكون قناة الشرقية هي الثانية تلحقها بقية القنوات. وغياب قانون للإعلام في العراق سيساهم في عملية الفوضى الإعلامية وضياع الفضائيات وضياع الناس والوطن!

علي عبد الحسين

كاتب عراقي

دبي