هذه القصة لا تمس الإمام مالك صاحب الموطأ ومؤسس المذهب المالكى. وإنما بطلها إمام مسجد فى إحدى مدن نيويورك وهو من أصل كردى وإسمه بالمصادفة quot;مالكquot;.

القصة باختصار أن واحدا من المصلين عليه مظاهر الثراء تعرف إلى صاحب محل بيتزا من المسلمين quot;الملتزمينquot; من رواد ذات المسجد وعرض عليه أن يسهل دفع أموال لجماعة إرهابية تعتزم تنفيذ عملية إطلاق صواريخ فى نيويورك!

ذهب الإثنان إلى quot;مالكquot; إمام المسجد الذى يترددان عليه لسؤاله عن مدى شرعية فعلتهما! وبالطبع تطرق حديث الثرى سؤالاعن شرعية دفع تبرعات quot;للمجاهدينquot; فى كشمير وغيرها. كلنا نعرف أى إجابة يمكن أن يعطيها إمام أى مسجد فى العالم الإسلامى كله! وهى طبعا بالموافقة والتأييد والدعاء بالنجاح والتوفيق أيضا!


أحيانا لا تكون تلك هى الإجابة التى تقال علنا وإنما فى أى محيط ضيق فالموافقة هى الإجابة الوحيدة المحتملة. ولم نسمع إطلاقا أن أحدا من أئمة المساجد أو المنظرين الشرعيين أو المفتين قد أبلغ عن مؤامرة مشابهة لا هنا فى أمريكا ولا فى إنجلترا أو بالى أو كشمير أو مدريد، بل ولا حتى فى السعودية أو مصر أو العراق أو غيرها بالرغم من أنهم أول من يعلمون بتلك النوعية من الجرائم وأول من يعطونها مباركتهم!

من بعد عدة مقابلات وتفاصيل بين الأبطال الثلاثة وعرض صور لقذيفة آر.بى.جى قديمة، وتسليم أموال لصاحب محل البيتزا يتولى إعادتها فى صورة شيكات للثري وهى عملية يطلق عليها عملية غسيل أموال، تم القبض على صاحب محل البيتزا وإمام المسجد quot;مالك بتهم الإتفاق الجنائى، وغسيل أموال مرتبط بالإرهاب! ولم يقبض على الثرى المزعوم الذى تبين أنه قد أخطر الأمن الأمريكى بالعملية وتولى ترتيب التسجيلات والمقابلات!
فى القانون الفرنسى ونسخته المصرية يسمى مثل هذا الشخص quot;مفتعل الجريمةquot;، أى أنه ndash;فى حالتنا هذه ndash; قد خلق جريمة الإتفاق الجنائى والتخطيط لعمل عدائى ومباشرة غسيل أموال لعمل مرتبط بالإرهاب من العدم. فى القانون الأمريكى أيضا نظرية مشابهة وإن كانت أقل إنضباطا. المهم أن محاكمة هذين الشخصين تجرى حاليا ومنذ أربعة أسابيع، ومايهمنا فى هذا المقال نقطتين هامتين. أولهما موقف الإعلام والجمهور الأمريكى من القضية، وثانيهما المسؤلية الفعلية للمتهمين (صاحب محل البيتزا ومالك الإمام).


بالرغم من حالة الإستنفار الحاد لدى الشعب الأمريكى كله ولسكان نيويورك بوجه خاص تجاه الجرائم التى يشتم منها صلة بالإرهاب، إلا أن الصحافة تتوجه بالنقد اللاذع جدا وتتعرض بسخرية مريرة لجهود الإف بى آى ودوره فى هذه القضية. ثلاثة أرباع الكتاب تقريبا وأكثر يتعاطفون بقوة مع المتهمين ويؤازرونهما بشدة. تستطلع محطات التلفزة المحلية أراء جمهور الشارع ndash; بصدق وليس بتزييف ndash; وقليل من يؤيد خطوات الأمن الأمريكى والغالبية تتعاطف مع المتهمين. لا أستطيع أن أمنع نفسى من مقارنة هذا الموقف بموقف إفتراضى يتهم فيه يهودى مثلا فى أى بقعة من الوطن العربى والإسلامى بتهمة مماثل، وهل يجد ذلك الإنسان ولو صوتا واحدا، واحدا فقط، يستطيع لو وجد أن يبحث إحتمال براءته؟!


لا أرى أيضا أية مسؤلية جنائية أو أخلاقية على المتهمين. للأسف فما تورطا فيه هو ما تمليه عليهم ثقافة الكره والعنف التى تربيا عليها. ليس كل مسلم ملتزم أو غير ملتزم وحتى إن كان إماما لمسجد يستطيع أو له ملكة البحث والتنقيب عن خبايا فقه الجهاد والعنف. كل ما لدى البسطاء هو ما يحشو به الفقهاء المحدثون رؤوسهم من وجوب عدم الموالاة وإضمار الكره والحقد والكراهية لكل غير مسلم ولكل quot;دار حربquot; ولو آوتهم من ضياع وأمنتهم من خوف وأشبعتهم من جوع!

الإستعداد الدائم لدى غالبية المسلمين لقبول وقوع الأذى للغير، وتوزيع الحلوى إحتفالا بأى ضرر يحدث للغير حتى ولو كان هو من يبذل المعونات لتغذية الأولاد وتعليمهم وطبابتهم ليس وقفا على المتهمين فى هذه القضية، وإنما بشكل أو بآخر هو سلوك وإحساس غالبية المسلمين! وهذا هو ما يخيف العالم ويجعله ينظر للمسملين نظرة الشك والإرتياب، ويستفز ذلك العالم أحيانا بسطاء المسلمين لإظهار ذلك الكره وتلك الضغينة وهذه هى الجريمة التى يحاكم عنها مالك الإمام.

عادل حزين
نيويورك

[email protected]