كنا نصحنا وليد جنبلاط بأن لا يدخل في محاولات فاشلة مع الكتلة الشيعية بهدف فصلها عن المسار السوري أولاً وبهدف تفتيتها ثانياً فلم ينتصح ظناً منه بأن ذلك سيكون في مصلحة لبنان ووفاء لدم صديقه رفيق الحريري. التكتل الشيعي صلب متماسك وغير قابل للإنقسام، ليس لآن تماسكه يعبر عن مصالح طائفة الشيعة كما يدعي زعماؤه بل لأن فصله عن المسار السوري سيؤدي حتماً إلى فقدانه الوزن الذي له اليوم على الساحة اللبنانية كما أن تقسيم التكتل من خلال فصل حركة أمل عن حزب الله لن تسمح به حركة أمل بقيادة نبيه بري لأن في ذلك مقتلاً لها وهو ما يدركه نبيه بري تمام الإدراك.
تدهور الأوضاع في لبنان ما كان ليكون لولا محاولات وليد جنبلاط الفاشلة في فصل وتفتيت الكتلة الشيعية؛ التدهور من مسؤولية وليد دون شك. بدأ تلك المحاولات بتلك القفزة المشئومة في ليلة 14/15 آذار من ساحة الشهداء (14 آذار) إلى ساحة رياض الصلح (8 آذار) والدخول في تحالف رباعي مع أمل وحزب الله فتشكل بذلك تحالف إسلامي عريض إتخذ شكل التحالف ضد المسيحيين بصورة عامة بالرغم من مشيئة القائمين عليه فكانت النتيجة جراء ذلك تكتل المسيحيين وراء الجنرال عون وخسارة زعماء المسيحيين في تحالف 14 آذار مقاعدهم البرلمانية. إدعاء حزب الله بأن أصوات ناخبيه هي ما أعطى تحالف 14 آذار الأغلبية البرلمانية إدعاء باطل تماماً حيث أن التحالف الرباعي المشئوم هو ما أعطى التكتل العوني 22 مقعداً بدل ثمانية مقاعد على الأغلب.
ظن وليد جنبلاط أن تحالفه الرباعي كان ضربة معلم فأبعد ولو قليلاً حزب الله عن دائرة النفوذ السورية أما حقيقة الأمر فكانت عكس ذلك تماماً حيث عمل هذا التحالف وتداعياته على تقزيم مشروع تحالف 14 آذار في السيادة والحرية والإستقلال وخلط الأوراق من جديد وما كان لحزب الله أن يقترع لصالح قائمة جنبلاط في بعبدا وعالية إلا بضوء أخضر من المخابرات السورية. ثم بلع وليد جنبلاط الطعم القاتل فجند نواب 14 آذار لانتخاب الزعيم رقم 2 لجماعة 8 آذار، نبيه بري، لرئاسة مجلس النواب ليحتل الرئاسة الثانية وهي الرئاسة الثابتة كالرئاسة الأولى، رئاسة الجمهورية، وليست مثل الرئاسة الثالثة رئاسة مجلس الوزراء غير الثابتة والمهددة اليوم بالإنهيار بفعل نشاط الرئاستين الثابتتين إميل لحود ونبيه بري العاملتين بأمر المخابرات السورية.
اليوم يسحب نبيه بري وزراءه من الحكومة وهدفه الحقيقي إسقاط حكومة السنيوره ومشروعها الذي هو مشروع 14 آذار. كتاب الإستقالة المشترك الصادر عن حركة أمل وحزب الله تمنى التوفيق لحكومة السنيورة في أعمالها وهو تمنٍ كاذب القصد منه التغطية على دور نبيه بري في تخريب مسيرة الإصلاح والتحرير، مسيرة 14 آذار. كل من لديه رؤىً أبعد من أنفه يستطيع أن يرى دور نبيه بري غير البريء في تعطيل المسيرة والذي يقوم به بكل احتراف وذكاء. منهجه في تقطيب دائم ومستمر لحافتي قماشتين متنافرتين إن هو إلا إدخال العملية السياسية في التجميد، وفي التجميد فشل محتوم لمشروع 14 آذار وليس بغير التجمييد من تفشيل وإلا لقام به نبيه بري.
السؤال الذي ينبغي الإجابة عليه من قبل وليد جنبلاط تحديداً وليس من قبل نبيه بري هو.. ماذا يستهدف نبيه بري من سحب وزرائه من الحكومة متضامناً مع حزب الله ؟؟ إجابة نبيه بري ستكون.. quot; كان ذلك من أجل إحتواء حركة حزب الله (!!) quot; هل سيبلع الطعم وليد جنبلاط مرة أخرى ؟!! إن بلعه مرة أخرى فعليه عندئذٍ أن يتخلى عن كل مراكزه السياسية مثل رئاسة quot; اللقاء الديموقراطي quot; و quot; الحزب التقدمي الإشتراكي quot;. هذان الفصيلان الديموقراطيان التقدميان ليسا بحاجة لرئيس يفتقد الحساسية السياسية ويتسلط عليه رئيس حركة أمل المعزولة فيطعمه طعوماً قاتلة ليس لزعامة حنبلاط فقط بل وللشعب اللبناني ومستقبله.
اليوم يسحب نبيه بري كل وزرائه من الحكومة قبل أقل من يومين من عرض مسودة مشروع إقامة المحكمة ذات الطابع الدولي على مجلس الوزراء وفي ذات الوقت الذي يعترض فيه إميل لحود على عرض المشروع لأسباب معروفة. لئن كان موقف حزب الله من المحكمة التي ستحاكم قتلة الرئيس الشهيد رفيق الحريري هو ذاته موقف إميل لحود ممثل الرئيس الأسد في لبنان، فلماذا لا يكون موقف نبيه بري هو أيضاً موقف لحود ممثل الأسد ؟ وهل سيدعو بري البرلمان للموافقة على مشروع المحكمة حال عودته من إيران؟ إنني أشك في ذلك.
المعالجة الناجحة الوحيدة للأوضاع المتدهورة في لبنان هو إنتقال الأغلبية إلى موقف المواجهة الحازمة المتسلحة باصطفاف الشعب اللبناني خلفها، المواجهة الحازمة الكفيلة بإفشال المؤامرات السورية الإيرانية على مستقبل الشعب اللبناني. ولتبدأ حكومة الأغلبية بتشريع قانون يخول السلطات بمراقبة ميزانية الأحزاب ومداخيلها كما هو الحال في كثير من البلدان. الأموال المتدفقة على حزب الله من إيران هي مداخيل غير مشروعة ويلزم مصادرتها لصالح الخزينة. إذّاك، وإذّاك فقط، سيتعرف اللبنانيون على حجم حزب الله الحقيقي ولن يكونوا عندئذٍ بحاجة إلى نزع السلاح من الحزب، كما لن يكونوا بحاجة إلى إختراقات فاشلة مثل اختراقات وليد جنبلاط وسيرون بعدئذٍ وزراء ونواباً من الشيعة من غير حزب الله وحركة أمل. عندئذٍ، وعندئذٍ فقط، سيتحرر الشيعة في لبنان.
عبد الغني مصطفى




التعليقات