ظهرت الدولة الحديثة في أوروبا قبل ثلاثة قرون أو نحو ذلك. وخلال كل تاريخها الطويل لم يحدث أن طالبت الأحزاب المعارضة بالإشتراك في السلطة مع الأحزاب الحاكمة؛ وسبب ذلك بكل بساطة هو أن الأحزاب المعارضة تمتلك برنامجاً سياسياً واجتماعياً يتعارض تماماً مع برنامج أحزاب الأغلبية الحاكمة قيد التطبيق. والشعب بحسب اللعبة الديموقراطية أعطى صوته لبرنامج الأغلبية الحاكمة معترضاً على برنامج الأقلية المعارضة. فأي حق يبقى للأقلية المعارضة لأن تطالب بمشاركة الأغلبية بالسلطات المخولة إليها من قبل الشعب ؟!
لكن الثنائي المعارض عون ـ نصرالله يطالب أغلبية 14 آذار باقتسام السلطة بنسبة عدد المقاعد في البرلمان أو على الأقل بنسبة تزيد عن الثلث الأمر الذي يمكنه ليس فقط من الحؤول دون تنفيذ برنامج الأغلبية السياسي الإجتماعي فقط بل ويمكنه أيضاً من إسقاط الحكومة وهذا هدفه الحقيقي غير المعلن. وحجته في ذلك أن الدولة في لبنان ليست هي الدولة الحديثة بكامل مواصفاتها بل إنها الدولة التوافقية المتشكلة من جملة طوائف لبنان الدينية. ويزيد هذا الثنائي في ذلك فيدعي أن ليس لديه أية برامج سياسية أو إجتماعية تتناقض مع برنامج الأغلبية الحاكمة فهو يوافق على تشكيل المحكمة ذات الطابع الدولي quot; من حيث المبدأ quot; كما أنه لا يعارض تطبيق قرار مجلس الأمن رقم 1701، والمحكمة والقرار هما أهم محورين في برنامج الأغلبية الحاكمة، تآلف 14 آذار.
في البدء نحن نطعن في صدقية هذا الثنائي المعارض. فمعارضته ما كانت لتكون لو لم تستند إلى موقف معروف تماماً يقفه رئيس الجمهورية إميل لحود خلافاً لكل الأعراف والدساتير وهو عدم الموافقة على تشكيل أية حكومة بديلة وفق مقتضيات الدستور أو أية حكومة تعمل على تشكيل المحكمة ذات الطابع الدولي لتحاكم المشتبه بهم في اغتيال الرئيس رفيق الحريري وخاصة إذا ما كان المشتبه بهم من جماعة إميل لحود وأعوانه الضباط الأربعة في السجن. هل كان هذا الثنائي المشبوه ليعارض بمثل هذه المعارضة الحدية لو لم يكن إميل لحود هو رئيس الجمهورية أو لو أن رئيس الجمهورية لا يقف مع فريق ضد الفريق الآخر ويقوم بمهامه الدستورية بأمانة.
لو لم يكن الرئيس متآمراً مع الثنائي المعارض ـ وهو يعلن ذلك متجرئاً على الدستور فيؤكد أنه لن يخلي موقع الرئاسة إلا إذا كان خليفته الجنرال عون ـ لو لم يكن متآمراً لقبلت استقالة الوزراء الخمسة الشيعة وتم استبدلهم بآخرين من ذات الطائفة وهم يصطفون بطابور طويل على الباب كما أكد نبيه بري شريك حزب الله. ولو لم يكن متآمراً مع المعارضة لاستقالت وزارة السنيوره وجرى تشكيل وزارة أخرى لا تختلف عن وزارة السنيوره بكل سياساتها. دع أحداً يقول خلاف ذلك لننظر في طهارة المعارضة من الخبث!!
ثم كيف لنا أن نصدق الثنائي المعارض في أن ليس لديه برنامجاً يتعارض مع برنامج الأغلبية ؟ وبافتراض أن هذا كان صحيحاً فلماذا إذاً يطالب الثنائي بالمشاركة الحقيقية بالسلطة، بل وبالمشاركة بأكثر من ثلث عدد الوزراء كي يتمكن من منع تنفيذ برنامج الأغلبية ومن إسقاط الحكومة ؟ قادة تحالف 14 آذار ليسوا بلهاء ليصدقوا التصريحات المعلنة للثنائي المتآمر. فحسن نصرالله لا يدفع بلبنان في نفق مظلم كي يوزّر أربعة عونيين لتحسين أحوالهم المالية !! ماذا عساهم يضيفون إلى الحكم والحكومة ؟!!
يقول نصرالله أن القضية تتركز في المشاركة في القرارات. لكنه لم يفصح عن تلك القرارات التي يود المشاركة فيها. السنيورة يؤكد لنصرالله أن حكومته لم ولن تتخذ قرارات بغير موافقة وزراء حزب الله في الحكومة عليها. لكن نصرالله لا يقبل بهذا. لماذا ؟!! ليس من جواب آخر سوى أن نصرالله لا يهدف إلى المشاركة في القرارات بل إلى أشياء أخرى يضمرها، أشياء تسيء إلى لبنان والشعب اللبناني وإلا لكان أعلنها دون مواربة. فالله الذي يتحزب له نصرالله يعلن أوخم العواقب للكفرة الخطاة، فما بال نصرالله لا يقتدي بالله ويعلن أهدافه على حقيقتها، يعلن أن لا يود أن تقوم أية محكمة دولية تحاكم حلفاءه في دمشق ؟ ويعلن أن سياسته تبدأ من قرار آية الله الخامئني، مرشد الثورة الإسلامية في قم، القاضي بهزيمة الولايات المتحدة في لبنان وليس في إيران ؟!!
ولماذا لا يعلن الجنرال عون بأنه اتفق مع السوريين على مقايضة رئاسة الجمهورية بدم الحريري ؟!
أيها اللبنانيون، وأنتم من علّم العرب أصول الكفاح من أجل الحرية والديموقراطية، إياكم أن تناموا والأفعى في فراشكم!!!
عبد الغني مصطفى




التعليقات