التاريخ وقائع يوثقها المؤرخون ويطلق عليها بالإنجليزية Factsأما القصص فيكتبها من له خيال ويطلق عليها
Fictionوهذه الأخيرة وحتى لو تناولت تاريخا فلا تعنى بالحقائق فى سرد وقائع التاريخ وإنما تخلط بين الحقائق والوقائع والخيال والتمنيات. وعادة يتم تزوير التاريخ من جانب من يكتبه فى أوقات لاحقة على حوادثه، إما لخجل منه أو لتزييفه عن سابق إصرار.
وهناك مقولة حقيقية إلى حد بعيد وهى أن التاريخ يكتبه المنتصرون. وليس شرطا أن المنتصر يكتب دائما تاريخا مزورا، فمثلا تقرأ فى كتب التاريخ الأمريكية عن الجرائم التى إرتكبها المستعمرون الأوائل فى حق السكان الأصليين. وتلك الكتب حتى لا تذكر الجرائم التى ارتكبها الهنود، ولولا توثيق الأمريكان لذلك التاريخ كتابة وافلاما وإعلاما ما كان أحدا قد علم بحقائقه. فمثلا ورد فى كتب التاريخ الأمريكية التى يدرسونها لأطفالهم أن قائدا من قواد الجيش الأمريكى قد قدم للهنود بطاطين ملوثة بميكروب الحصبة فحصدت أرواح كثيرين منهم. يقرأ أيضا أطفال الأمريكان عما يسمىquot; طابور الدموعquot; وهى قصة حزينة لقبيلة هندية كانت تحاول الهرب لكندا إبان الحرب الهندية إلا أن الجيش الأمريكى أدركها قرب الحدود وساقها رجوعا لجنوب أمريكا وقد مات بسبب ذلك أعدادا كبيرة منهم.
وهناك عبارة مشهورة جدا فى امريكا تقول
ldquo;love it or leave itrdquo;
أى حبها أو إتركها كما هى وبدون تزويق وتزييف. وعندما يريد أمريكى سب أجنبى فإنه يقول له quot;إرجع إلى بلدكquot;، وعندما قالها لى مرة أحد الصينيين الأمريكان بلكنة صينية ثقيلة بقصد الشتم سألته بدهشة مصطنعة quot; وهل نترك هذه البلاد الجميلة للهنود الحمرquot;؟
المقصود أن الأمريكان ليسوا أصلا بالطبع أمريكان وإنما هم أشتاتا من العالم قاموا بتعمير تلك الأرض ومثلهم فى كندا وإستراليا بل وفى إنجلترا التى قطنها الساكسون والفايكنج الذين قدموا من إسكندنافيا. وغنى عن البيان والشىء بالشىء يذكر أن إسماعيل ولد إبراهيم وهاجر قدم إلى أرض الجزيرة العربية وكان يقطنها من يطلق عليهم العرب، أى هو نفسه لم يكن عربيا عاربة ndash;أصيلا- وإنما أصبح ونسله من بعده عربيا من العرب المستعربة.
هذه المقدمة الطويلة ضرورية للكى نصل إلى التعليق على مقولة أن العرب قد غزوا مصر وقاموا باستعمارها وإحتلاب خيراتها وإذلال أهلها لما شاء لهم الله، وهى مقولة صادقة فى التاريخ والوقائع. أما ماعدا عن صدقها فى التاريخ فلا يترتب عليها نتيجة ما. فقد تمصر العرب المستعمرون واصبحوا ما يمكن أن يطلق عليهم مصريون متمصرون، وقد إحتلطت الأجناس والناس فى مصر فلم يعد للتفرقة بين المصرى والمتمصر أى أثر. والقول بغير ذلك هو كذب وتزييف للتاريخ، وأمة بتاريخ مغشوش كاذب تظل تعانى فى إدراك هويتها وإهتزاز قيمها وعدم ولاء مواطنيها، ولا يستطيع أحدا أن يمارى فى إصابة الشعب المصرى بكل تلك الأمراض والأعراض، وعندما كتب الأستاذ أشرف عبد القادر مقاله الموثق عن كذب مقولة ترحيب أقباط مصر بالغزو العربى لم ترحم صدقيته تعليقات القراء.
الشىء المستفز أن تجد مصريين أصلاء يحاكون المستعمر فيتخذون من أسماء مجرميه ndash; وكل حرب لها مجرموها- أسماء لأبناءهم! أيضا تجد مصريون أصلاء يؤلفون الكتب فى عزة ورقى من إستعمرهم ويكتبون عن أجدادهم أنهم رحبوا بالمستعمر لكى يخلصهم من مستعمر آخر! تجد أيضا مصريون أصلاء أو متمصرون يفخرون بأنهم ليسوا مصريين! بعضهم يدعى أن نسبه ليس مصرى وإنما بدوى، وآخرين يفخرون بأصلهم التركى أو الأرندلى أو الأرناؤوطى ألخ ألخ!
ولهؤلاء ألأخر ليس لدى إلا أن اقول لهم كما يقول الأمريكان
Go back to your damn country

عادل حزين
نيويورك
[email protected]