1_2

قبل التطرق لـ (ولاية ابن الفقيه) ماذا تعني اصلا (ولاية الفقيه)؟ نقول انها نظرية تدعو الى تولى الفقيه الجامع للشرائط رئاسة النظام السياسي في الدولة اوالاشراف عليه في زمن غيبة الامام المعصوم على رأي نفر قليل من علماء الشيعة الامامية ويقابل هذه النظرية اطروحة (دولة الخلافة) التي يدعو اليها نفر من علماء السنة، وكلا النظريتين تدعوان لاقامة نظام اسلامي يديره (الخليفة) وفق الاطروحة السنية او الفقيه وفق الاطروحة الشيعية.

والفقيه هو المجتهد اي المتخصص الذي يمارس الاجتهاد أي يمارس عملية استنباط الحكم الشرعي _ الديني_ من اماكنه المقررة اي من الكتاب( القرآن) والسنة (سنة المعصوم) والاجماع (اجماع العلماء) والعقل. وقد أختلفوا في دور الاجماع والعقل هل هو دور كشفي اي مجرد الكشف عن الدليل الشرعي ام هو تأسيسي اي دليل بذاته كالقرآن والسنة يؤسس ويوجد الحكم الشرعي؟. ومن هنا فكل من يقدر على استنباط الحكم الشرعي من خلال ارجاع الفروع للاصول هو مجتهد.

لكن ليس كل مجتهد او فقيه يصلح ان يكون مرجعا اي ترجع اليه الناس لاخذ الفتوى او ان يكون زعيما للنظام السياسي في دولة ( الولي الفقيه) بل يشترط ان يكون الفقيه جامعا للشرائط والمقصود بالشرائط التي يجب توفرها بالفقيه هي البلوغ اي ان لايكون صبيا_وسنعود لمناقشة هذا الشرط بشكل تفصيلي عند الحديث عن (ولاية ابن الفقيه)_، والعقل اي ان لايكون مجنونا سواء كان جنونه مطبقا او ادواريا اي يأتيه الجنون احيانا ويذهب عنه احيانا اخرى، والايمان اي ان لايكون مشركا، والذكورة اي ان يكون ذكرا، والاجتهاد اي يكون مجتهدا، والعدالة ومثالها ان لايكون فاسقا كأن يشرب الخمر او العرق كما يسميه العراقيون ولا فرق في ذلك في كون العرق زحلاوي او كونه بعشيقي (قلاب الجهرة) او ان يكون (امسيح) نستجير بالله، وطهارة المولد اي ان يكون ابن نكاح شرعي وليس ابن سفاح اي ابن زنى، والضبط بالقدر المتعارف اي قادرا على حفظ المعلومات ولا ينسى يعني بالعراقي الصريح (ميفلت)_ وسيكون لنا مع هذا الشرط وقفة حينما نتحدث عن (ولاية ابن الفقيه).

والشرط الاخير الحياة اي ان يكون الفقيه على قيد الحياة يرى ويسمع ويتكلم ولافرق في ذلك عند اصحاب نظرية (دولة الخلافة) بين ان يكون الفقيه ممن يعشقون الظهور على شاشات التلفزيون وخصوصا في برنامج (الشريعة والحياة) يسب الغرب وامريكا ويكفر الشيعة ويحرض عل قتل الحرس الوطني والشرطة العراقية والجنود الامريكان ويصف القتلة الذين يفجرون الحسينيات والكنائس ويفجرون مراقد الاولياء والصالحين ويقتلون الابرياء والعزل في العراق بـ (المجاهدين) والذين سيتحولون ذاتهم_اي المجاهدون_ بقاموسه الى ارهابيين وخارجين عن الملة وفئة ضالة اذا ما استهدفوا مسرحا ودار لهو يحضره الغربيون في الدوحة او حاولوا تهديد القاعدة العسكرية للاصدقاء الامريكان في (السليلة) حيث يقيم على بعد اميال منها ضيفا متخذا من ارقى القصور مقرا له سامحا لنفسه ان يتحول الى واعظ للسلاطين، وبين ان يكون الفقيه عند اصحاب نظرية (ولاية الفقيه) كارها للظهور ولقاء عوام الناس زاهدا بالدنيا وزينتها متخذا من احد سراديب (الحويش) في النجف الاشرف مقاما له ومكتبا لعمله تدار العملية السياسية منه حيث يتوافد على (الدربونة) التي يقع فيها مكتبه الساسة والقادة طلبا للنصح والمشورة او تزلفا وتملقا.

وعلى العموم فأن الاجتهاد هو معيار الفقاهة وهو كغيره من الصناعات تخصص. فهو كصنعة الكيمياء و الفيزباء و الطب و الهندسة تحتاج الى تخصص وتفرغ وبذل الجهد ومن هنا اشتق اسم الاجتهاد فكل انسان رجل كان او أمرأة بأستطاعته ان يصبح مجتهدا اذا ما تخصص بالفقه وبذل الجهد اللازم. وتاريخ الاسلام يشهد على ذلك حيث استطاعت بعض النسوة الوصول الى رتبة الاجتهاد.

غير ان قوما من الناس أشاعوا في الاجتهاد رأيا غريبا بزعمهم ان الاجتهاد لايتحصل ببذل الجهد والمثابرة فقط بل هو (ملكة) يقذفها الله في قلب من يشاء من عباده على حد زعمهم، وبهذا التأويل جردوا الاجتهاد من معناه الاصلي اي بذل الجهد والمشقة ومنحوه صفة ربانية وآهالوا عليه القدسية وذلك من اجل تحجيم وتضييق دائرة الاجتهاد وحصره في قوم منهم تماشيا ونظرية ( الابتلاع الحضاري) على حد تعبير المفكر حسن العلوي التي يعملون بها ومن اجل ان يهيؤا الطريق لأبنائهم في خلافتهم حتى وأن كان أبنائهم لايفقهون وفي ذلك قالوا (ابن العالم عالم حتى وان لم يتعلم) والتمسوا لذلك حديثا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول ( لو كان العلم في الثريا لناله رجال من فارس) وبذلك يكونوا قد برروا لأبنائهم أخذ الحقوق الشرعية حتى وان لم يكونوا من مستحقيها بل أكثر من ذلك برروا توريث منزلتهم ومايقترن بها من ثروات لأبنائهم بينما يبقى الفقيه العربي يأن فقرا وجوعا.

ويكفي القول ان معظم المراجع المشهورون في يومنا هذا يتحدرون من اصل عرقي واحد ويندر ان تجد فقيها مشهورا من اصل عراقي او عربي واذا ما ظهر فأن التشكيك بأعلميته او بأجتهاده وتقليب ظهر المجن له سيكون بأنتظاره اذا ما طرح نفسه مرجعا او وليا والامثلة على ذلك كثيرة وآخرها ما حصل للشهيد محمد صادق الصدر فحينما قرر مواجهة فرعون عصره ولبس رداء الشهادة كفناً ابيضاً وأذن في الناس أذان فريضة الجمعة بعد ان تركها فقهاء بني فارس انتظاراً للمهدي الموعود ان يقيمها.

توسلوا بشتى الذرائع للطعن بالليث الابيض كما يصفه عشاقه والتمسوا كل الصنائع واباحوا لانفسهم كل الفضائع فراحوا يروجون الاشاعات المغرضة ضده وُينفرون الناس منه واجتمعوا وهم المتفرقون وتصالحوا وهم المتخاصمون وتوحدت كلمتهم ضده في الشرق والغرب وتنادوا مصبحين وقرروا ان يغتالوه معنويا قبل ان يغتاله الطاغوت ماديا فجاءت الكتب تترى من قم وطهران والتقت بنظائرها في النجف وارض كوفان مشككة ً بأجتهاده طاعنة ًَ بأعلميته وحينما عجزوا عن اعاقة المهمشين من الوصول اليه نعتوه بـ ( مرجع المعدان) لانه يتحدث العربية ولا ينطق بلكنة فارسية ويخاطب الناس بلغتهم الشعبية (شايف اشلون حبيبي) وما عرفوا ان هذا الوصف يزيده شرفا وهو الذي نذر نفسه مرجعا للفقراء من المعدان. وبعدما اعيتهم الحيل اتهموه بأنه فقيه السلطة ولم يشفع له حتى شهادته ملطخا بدمه الزكي وياليتهم كفوا عنه فهاهم يؤذوه في اتباعه وأشياعه عندما اعادوا الكرة قبل ايام قلائل ووصفوا احد مريده الذي رشح نفسه لرئاسة الوزراء بأنه من كتبة السلطان البائد ونسبوا له المقالات كيما يمنعوه عن الترشيح وقد نجحوا. هذا ماكان من أمر ولاية الفقهاء الاباء فماذا عن ولاية الابناء اي( ولاية ابن الفقيه) في العراق هذا ما سنعرفه لاحقا فللحديث صلة.

محمد حسن الموسوي
[email protected]