إذا ما وقع صدام بين طرفين.. فأيهما أفضل، الانغلاق على الذات والبحث عن الانتقام من الطرف الآخر، أم مصارحته والتحاور معه حول المشكلات القائمة بين الطرفين..؟؟ إن خيار البعد عن الحوار قد يفضي إلى قطيعة قد تدوم لسنين طويلة يترسخ خلالها الشعور بالكراهية حين تستمر أسباب الغضب كما هي دون علاج أو مناقشة.. ويتجه البعض في مثل تلك المواقف إلى البحث عن الانتقام من الطرف الآخر بأي وسيلة كانت، ويعتبر هذا الانتقام نصرا أوشيئا من التفوق، علما بأن القوة دائما ما كانت تتجلى في قوة المنطق و استخدام الحجة عند الإقناع.. فهكذا كانت عظمة الأنبياء والقادة والزعماء حين تكمن قوتهم في قدرتهم على إدارة المواقف الصعبة ومواجهة الآخرين، لابصب اللعنات ومحاولات الثأر.

قد يرى بعض المسلمين أن الإساءة الدنماركية للنبي محمد صلى الله عليه وسلم ndash; التي قام بها أفراد قليلون- هي متعمدة ومقصودة ومَرْضِـي عنها من الشعوب الغربية.. ولعل أصحاب وجهة النظر تلك يُسقطون من حساباتهم عامل اختلاف الثقافات وتضارب الرؤى بين الجانبين الإسلامي والغربي بشأن تقدير الأديان والأنبياء، وقد بدت السعادة واضحة على بعض الأوساط الإسلامية بسبب حالة الغضب التي عمَّت أرجاء البلدان الإسلامية كالتظاهرات وحملات المقاطعة، حتى وصف البعض حالة الغضب تلك بتعبير quot;الصحوةquot;، مما جعل مبادرة الداعية عمرو خالد ومن معه من علماء المسلمين في اختراق أرض الآخر وعرض ما بداخل نفوس المسلمين من غضب وصدمة أمام الطرف الآخر سببا في اتهامه بالانتهازية، ومخالفة المجموع، وفي السخط عليه، حتى وصف البعض مبادرته بالفشل..!

ودعونا ننظر الآن ماذا فعل عمرو خالد... لقد أخذ بأيدي مجموعة من الشباب إلى الغرب كي يُعَـبروا عما بداخلهم من غضب ويواجهوا (الآخر) بحقيقة مشاعرهم تجاهه في رمزية تعبر عن دعوة شباب الأمة إلى الاتجاه إلى فكر جديد يمارس الفعل، ولا يكتفي برد الفعل... وذلك في الوقت الذي نجد فيه بعض الشخصيات في المجتمع الإسلامي تصر على quot;استثمار حالة الغضب الإسلاميquot; وتأجيجها، طارحين تعبيرات quot;الصحوةquot; وquot;الوحدة الإسلاميةquot; في وصف حالة الجماهير الغاضبة، حتى وإن صاحب هذا الغضب بعض التهور... وكأن مثل تلك الممارسات قد حلت الأزمة أو أعطت ضمانات لعدم تكرار الإساءة مرة أخرى، إن مثل تلك الوضعية الأخيرة التي تعتمد على تحفيز غضب الجماهير من المؤكد أنها ستصنع شبابا ليس لديه القدرة على التحاور أو التعبير عن آلامه ومشاكله للآخرين.. وستصنع شبابا أكبر أمانيه أن ينتظر إشارة الاحتشاد بأمر آخرين رافعا صوته لمن يزيده حماسا، فيترك مهمة الحوار إلى الاحتفاليات الثقافية الحكومية الشكلية.

وإنصافا للداعية الشاب عمرو خالد ومن سانده في مثل تلك المبادرة الأخيرة، فقد طرح الرجل فكرة إمكانية النقاش على طاولة واحدة بين أطراف ndash; غير رسمية- بغرض التعرف على خلفيات كل طرف، والتحسب لأثر الاختلافات بين الطرفين على المستقبل، مع ترك الأمور الإجرائية للحكومات والجهات الرسمية، وهذا الاتجاه جاء كبديل عما يمارسه البعض من تلاعب بحالة الجماهير المزاجية، وتحفيز غضبهم وتصوير مظاهر غضبهم على أنها مظاهر نصر وقوة.

إن فكرة الحوار هي فكرة جديرة بالاحترام و تستحق التطبيق على الصعيد الداخلي في داخل المجتمعات الإسلامية، حيث بؤر الفتن والتجمعات المنغلقة التي لاتقبل التنوع في داخل الأمة الواحدة، سواء بين أبناء الدين الواحد (الإسلام) أو بين المسلمين وغير المسلمين.

ولعلنا نتساءل الآن..

ماذا لو كان رسام الكاريكاتيرات المسيئة للنبي الكريم من العرب غير المسلمين.. كيف كانت ستدار الأمور..؟!

وماذا لو وقعت حالات إثارة للفتنة بين السنة والشيعة.. هل سيكون quot;استثمار حالة الغضب والحفاظ على ثباتهquot; مفيد للطرفين..؟!

وهل سنظل على نهج حشد الجماهير الغاضبة في مواكب استعراضية، والسعي لتركيع الآخر، بدلا من مصارحته بخطئه، وتقديم مطالبنا أمامه..؟؟

إن فكرة السيطرة على الجماهير وتوجيه غضبها في أمور شكلية دون مواجهة أسباب الغضب هي إحدى مشاكل مجتمعاتنا التي تنقل غضبها دوما إلى أمور أخرى دون مواجهة أصل المشكلة، مما يزيد من مشكلات مجتمعاتنا، ويسهم في تأخرها.

عبدالرحمن مصطفى حسن

القاهرة - مصر