من المؤكد ان أزمة حزب الوفد المصري والأحداث التي عاشها ليست حدثاً عادياً تمر عليه الذاكرة العربية مرور الكرام، لأن المسألة لا تكتسي طابعاً مصرياً بحتاً كون هذه الحادثة تنكش في واحد من الملفات الساخنة في الحياة السياسية العربية.

فمعظم أحزاب المعارضة العربية بشتى تلاوينها القومية واليسارية قد تكلست وتوقف عندها الزمن لأنها مازالت تعيش laquo;هالةraquo; الزعامات التاريخية وتغزل على ايديولوجيا تجاوزتها الظروف والأحداث، فهي غير مؤثرة بدرجة كبيرة على صناعة القرار السياسي ولا تمتلك شعبية كبيرة لدى الشارع بدليل الأصوات الضئيلة التي تتحصل عليها بالانتخابات.

ويرى البعض بأن هذه الأحزاب بلا قواعد جماهيرية وتعاني أزمات في القيادة بسبب الديكتاتورية والانفراد بسلطة اتخاذ القرار، كما أن الخلافات داخل هذه الأحزاب تدور بين مجموعات قليلة العديد من دون وجود مرجعية لحسمها، فضلاً عن افتقادها إلى الشفافية والتواصل مع الرأي العام لانعدام الحوار الديمقراطي.

ويعتبر بعض المحللين السياسيين هذه الأحزاب صدى للماضي وبقايا لمراحل تاريخية سوف تأخذ وقتاً طويلاً كي تتغير وتنسلخ من تقاليدها البالية لتنطلق إلى آفاق ديمقراطية وليبرالية تتماهى مع الواقع الجديد الذي يعلي التحديث والدمقرطة واحترام حقوق الإنسان وتأصيل مبدأ التداول السلمي للسلطة.

غير أن الحديث عن أحزاب المعارضة ينبغي ألا يتم بمعزل عن واقع بعض النظم السياسية العربية التي عطلت مؤسسات المجتمع المدني ولعبت دوراً تحريضياً في إفساد.

وتلغيم الحياة السياسية من خلال تفريغ الأحزاب وزرع الفتنة في أوساطها من خلال المال والإعلام والأجهزة الأمنية النافذة، لإفشال وتشويه تجربة التعددية الحزبية وتعريتها أمام الرأي العام الداخلي، ولإقناع الخارج بغياب البديل وأن الأحزاب الحاكمة هي الخيار الوحيد.

وفي المجمل فأحزاب المعارضة العربية نتاج واقع رسمي عربي مترهل أوصل الأوضاع إلى أفق مسدود وساهم في تعقيد المعادلات الداخلية، ولعل الأحزاب الحاكمة ليست مثالية في مسلكيتها السياسية عن بقية الاحزاب، لكنها وجدت نفسها في غفلة من الزمن على رأس السلطة، وصارت تملك كل وسائل القوة المؤثرة (الجيش ـ المال ـ السلطة ـ الإعلام)، لذلك فهي تحكم بقبضة قوية وسيف مصلت على رقاب العباد.

المشكلة أن المعادلات الصحيحة للعلاقة بين الحاكم والمحكوم مازالت غائبة في الوطن العربي، حيث الديمقراطيات الناشئة والتجارب المعاشة وليدة سنوات قليلة لم تصل إلى مرحلة النضج، لأن الظروف الذاتية والموضوعية في مصلحة النظم الحاكمة، ولم يتم تأطير الديمقراطية ضمن قوانين دستورية واضحة تحترم كل قواعد اللعبة.

أحزاب المعارضة العربية تعيش أزمات داخلية لعل أبرزها غياب الديمقراطية، لذلك تنشب الحروب الأهلية من وقت لآخر داخل هذه الكيانات السياسية التي لم تتأسس على رؤى جديدة، وتتعاطى مع واقع مختلف.

ولا يمكن بالتالي معالجة إشكاليات الحاضر واستحقاقاته بأيديولوجيا الماضي وعقلية الخمسينات والستينات، وعندما تتوافر بيئة ديمقراطية سليمة فإن مؤسسات المجتمع المدني ستكون قادرة حينذاك على لعب دور قوي وممارسة ضغوط على الحكومات لخلق توازن مجتمعي يحدّ من تسلط وهيمنة الحكومات ويحقق العدالة المبتغاة.

ما عدا ذلك ستبقى أحزاب المعارضة في النظم ذات التعددية الحزبية، في الوطن العربي مجرد أشكال ديكورية تجمل وجه الأنظمة بالخارج وتحسن صورتها أمام المجتمع الدولي، وستظل هذه النظم مهتمة بإفساد الحياة السياسية وتعطيلها لجهة استمرارها بالحكم.

رغم ذلك فإن المشهد السياسي العربي ليس سوداوياً ومتشائماً، فهناك حراك سياسي واجتماعي ونمو لمؤسسات المجتمع المدني لجهة ظهور قوى سياسية جديدة بمفاهيم ليبرالية مختلفة، تأخذ زخماً جماهيرياً.

وتتعاطى مع الشارع بشكل مباشر ودون وسيط، كما أن الجماعات الإسلامية قد غيرت خطابها السياسي والإعلامي، وصارت تعلي الشأن الديمقراطي وتؤمن بالتداول السلمي للسلطة، وغدت اليوم أقوى كتلة سياسية لها حضور جماهيري كبير، وتمثل تحدياً للأحزاب الحاكمة.


صالح القاضي


صحفي يمني - دبي