قرار تخدير المجتمع المصرى بأسوأ أنواع المخدرات المعروفة كان قرارا سياسيا منذ السبعينات وحتى شهور قليلة مضت. المخدر الذى نعنيه هنا هو المخدر الدينى بأشد أنواعه قتلا وتدميرا لخلايا المخ والإدراك. كان ذلك المخدر موجودا ويتم تعاطيه فى حالات مؤقتة من قبل ذلك وكان يتم اللجوء إليه بين الوقت والآخر من جانب القيادات السياسية لكن فى حالات مرضية معينة. ومن تلك الحالات التى تذكر لجوء ملوك أسرة محمد على إلى إثارة الشعور الدينى لدى الغاغة والرعاع بين الحين والآخر وحسب أجندات وأهداف مؤقتة فى ظروف ضيقة، ومن ذلك أيضا لجوء عبد الناصر للأزهر للإستنجاد بالشعور والأيدولوجيا الدينية خلال حرب 1956 ثم هجره لذلك الاسلوب فور إننتهاء الحالة التى إستدعته.
ولكن ومنذ جاء السادات للحكم ولم يكن له أى رؤية سياسية إللهم إلا إذا إعتبرنا الفساد والتسيب وشغل الأفاقين رؤية سياسية. لجأ السادات للإخوان المسلمين وخلق الجماعات الإسلامية فى الجامعات لتؤدب الطلبة الجامعيين وتهتك عذريتهم وبرائتهم وأحلامهم المثالية والذين كانت الحركة الإشتراكية قد إستوعبت أكثرهم. بدأت حركة الأسلمة وقد ترك لها الحبل على الغارب بإشاعة القتامة والقبح فى الحياة الجامعية المصرية. وللحقيقة لم تفسح جماعات التنوير الطلابية الطريق بسهولة أمام جماعات القبح، فقاوموا بقدر ما أستطاعوا لكن الأنتصار كان حليف حملة الجنازير والمطاوى وخصوصا مع تأييد رجال الأمن والإدارة لهم ولو بطرف خفى.
إنتهى الجيل المقاوم فى الجامعة المصرية وكان آخرهم الجيل الذى خرج مشايعا لمظاهرات العمال فى أحداث 18،19 ينايرعام 1978. فى ذلك اليوم خرج عمال حلوان يتنادون ويتصايحون quot;فين طلبة كوبرى عباس؟quot; فلم يخذلهم الطلاب وكانت هذه على ما أذكر آخر مشاركة طلابية محترمة فى الحياة السياسية المصرية. قطع المتأسلمون المسافات التى أخلتها لهم الدولة بأسرع مما يتخيل أحدا وأفرخ الإخوان المسلمون فضلا عن الجماعة الإسلامية جماعة الجهاد والتكفير والهجرة الناجون من النار والفرقة الناجية وعشرات من المنظمات التكفيرية quot;المجاهدةquot;. وتكفل أعضاء جماعة الإخوان بتوفير جماعات الدعم اللوجيستى للجماعات التكفيرية. سريعا سريعا شكلت جماعة الإخوان المسلمين هيئات دعم للإرهابيين من إعلاميين متنفذين فى الجرائد القومية والتليفزيون، ومن رؤساء مصالح وأهل مال للتمويه والتمويل، ومن فقهاء أيضا يفتون ويكفرون من على منابر قومية ثم يتوارون ويتركون صنائعهم للتنفيذ مع توفير الدعم الدعائى والإعلامى ووالحماية القانونية والشرعية إن تم ضبطهم، وحتى التنصل من أفعالهم إن كانت العملية فى مواجهة الدولة.
والأمثلة التى توضح ذلك كثيرة جدا، منها أن مجلس إدراة نادى القضاة بالإسكندرية تداول إقتراح بمذكرة ترفع للرئيس مبارك فور إغتيال السادات تطالبه بالصفح عن مرتكبى العملية! ومنها ما شهد به مأفون حقير فى قضية إغتيال الشهيد فرج فودة بأن القاتل إنما نفذ شرع الله! وغيرها كثير كان يتم نشره فى الصحف القومية عند كل عملية بصيغة quot;إننا نشجب العملية ولكن....quot;، بل عندما بدأت قوات الحكومة بالقبض على أعضاء المنظمات الإرهابية وكانوا يقاومون فيقتلون، أهاب أحد الكتاب بهؤلاء أن لا يقاتلوا وأن يستسلموا حفاظا على حياتهم الغالية من القتل.
ورغم كل ماكان يجرى من إرهاب للجماعات المتأسلمة فقد آل الإعلام الموجه والمعضد لهم على نفسه أن يزيف على صاحب القرار المشكلة والحل. عند كل عملية إرهابية تخلف قتلى وجرحى كنا نجد الإعلام المؤدلج بكتابه وفقهاؤه ومفقتيه يتدوالون روشتة علاج واحدة. الروشتة أثبتت أنها قاتلة منذ اليوم الأول لكنهم أبدا لم يتهاونوا فى وصفها وترديدها حتى صارت إكتسبت حصانة من الشك والمراجعة، الوصفة هى أنه يجب زيادة الجرعة الدينية فى المدارس وفى الإعلام!
صارت برامج التليفزيون المصرى والصفحات المنشورة فى الصحف تحتوى على مايقرب من %70 من محتوياتها مواد دينية صرفة. وأصبح التليفزيون المصرى فى عهد السيد الشريف مصدر القتامة والجهامة والسلفية الدينية بأبشع صورها، ومع ذلك وفى المقابل منه بضعة برامج غارقة فى الإنحلال الأخلاقى والعهر الإستعراضى كعامل جذب للبرامج الأخرى. ظل كل ذلك ينخر فى عظام وقيم المجتمع المصرى حتى أنقلب السحر على الساحر الذى تم قتله شر قتلة ووجد فى جسده ما مجموعه ثمانية وثلاثين طلقة. وورث الرئيس مبارك هذه التركة النجسة فماذا فعل؟ هذا ما سنحاول تتبعه فى المقال التالى بإذن الله.

عادل حزين
نيويورك
[email protected]