حملة الاعتقالات الأخيرة

شن النظام السوري حملة اعتقالات ظالمة طالت العديد من المثقفين والنشطاء السياسيين في سوريا والحجة إعلان بيروت دمشق. هذه الحجة التي مرت هذه المرة بجدل حاد وأحيانا اتهامي داخل الحيز الثقافي السوري والتي بمحصلتها وإن كانت لاتبرر اعتقال الموقعين على الإعلان إلا أنها تعطي صك براءة إلى حد ما للسلطة ! ومع ذلك رأيناه حراكا مهما في فرزه الواضح للمواقف والرؤى وربما كنا نراه صحيا لو كان الطرف الآخر الموقع لم يعتقل واستفاد الطرف المناهض لإعلان بيروت دمشق من تقاطع رؤاه مع رؤى السلطة في بث هذه الرؤى حتى عبر وسائل إعلام السلطة نفسها وهذه ميزة مهمة بالنسبة لسوريا نتيجة لحصر وسائل الإعلام بيد السلطة على الرغم أننا لازلنا نرى أن أسباب الاعتقالات الأخيرة ليست فقط هذا الإعلان لبيروت دمشق بل هي قطع الطريق على حراك بدأ يتوسع وبدأنا نلمس نتائجه وهو حراك ديمقراطي واضح وهذا برأي ما أدركه أيضا مثقفي مناهضي الإعلان ومناهضي غيره من مواقف المعارضة الديمقراطية والغريب في الأمر أن هؤلاء المثقفين الذين تبنوا إعلانا واضحا مناهضا لإعلان بيروت دمشق واتهموه بأنه تجاهل الموقف الإسرائيلي والأمريكي والغربي ودوره في لبنان لم نرهم يطالبون السلطة بفتح جبهة الجولان مثلا.. انسجاما مع موقفهم حتى نهاياته الطبيعية. ما يهمني هنا هو الشارع السوري حيث لازال بعيدا عن الصمت الإيجابي !! الذي يدين هذا الاعتقال وغيره من الاعتقالات ولو بصمته. لكن الأمر أظهر أن الشارع السوري لازال غير معني بمايدور ! من معارك دوما يذهب ضحيتها الشريحة الناشطة من المثقفين والمعارضين.
لم يخرج اعتصاما واحدا في دمشق !! هل لأن قوى المعارضة خائفة ؟ وهل لأن هذه القوى تدرك أنها غير قادرة على تحشيد بشر من أجل اعتصام رمزي ؟ كلها أسئلة مشرعة على أجابات لاتخلو من ريبة !! في اتجاهين:
الأول ـ رغم كل التطورات التي تجري وجرت في المنطقة لازال الشعب السوري خائفا ! وأنا لا أتحدث هنا عن القسم من الشعب المناصر للسلطة في سوريا وإنما أتحدث عن القسم الآخر والمتضرر من هذه السلطة وهم أكثرية الشعب السوري ومن كافة أطيافه ومكوناته ولم نقل غالبية الشعب السوري. لأننا ندرك أن لهذه السلطة رصيدا شعبيا لابد لنا في مقالات أخرى من تحليل أسبابه ومكوناته. وإن كان غير معني أيضا فإن الخوف الذي تراكم حتى نقي عظام البشر تحول مع الزمن وبفعله وفعل مصائبه على المواطن السوري إلى حد من اللامبالاة مخيف أحيانا. والخطورة في الأمر هنا أن الشارع غير المعني هو الشارع النائم على شتى أنواع الثقافات اللامدنية وحتى العنفية عند قسم منه.
الثاني ـ إن النشاط الذي لحظناه لبعض المنظمات الحقوقية وتقاريرها اليومية عن حالة حقوق الإنسان في سوريا تعطينا مؤشرا على أن السلطة قادرة على التعايش مع هذه المنظمات إلى حد ما شريطة ألا يوظف نشاطها في سياق سياسي معارض. ورغم أنهم يعملون في جو متوتر ومعرضين للاعتقال يوميا لكونهم ناشطين حقوقيين. يبقى السؤال:
هل هذا النشاط يتلاءم مع حراك الشارع السوري ؟ سؤال على الناشطين أنفسهم البحث فيه لأننا نراه مهما في هذه المرحلة الدقيقة من حياة سوريا ؟
ست سنوات تقريبا والدكتور عارف دليلة في السجن مع مئات بل ألآف غيره من المعتقلين. نصل إلى نتيجة بسيطة:
السلطة السورية تعرف شارعها السوري كما تعرف نفسها..
ونود أن نسأل فعلا: من أين تحصل هذه السلطة على أوراق شرعيتها أو مشروعيتها ؟
وضع سياسي ارتجالي ومرتبك وعدائي مع الداخل والخارج، وضع اقتصادي مزري كما تقول كافة التقارير. الفساد تزايد اضعافا في السنوات الخيرة.. وتطول القائمة التي نجد من خلالها أن هذه السلطة لا تمتلك سوى شرعية القمع المتراكم عبر الأجيال. ومع ذلك تجد هنالك من يناصرها في الشارع السوري ويؤيد خطواتها رغم غياب أي دور لمفهوم المواطنة وثقافته ومؤسساته المدنية والقانونية !
الشارع السوري ينام على شتى الثقافات التي تنتج التقية والباطنية ـ ماخلا الشارع الكردي نسبيا ـ وهذه الثقافات هي التي تشجعها السلطة لكي يبدو هذا الشارع هزيلا لدرجة أنه غير جدير بحياة أفضل من الحياة التي تتيحها له هذه السلطة. والتي ربما تحاول السلطة قراءتها من منظور تاريخي يغيب عن قراءات القوى المعارضة:
العنف الكامن هذا ما تشجع السلطة على بقاءه في المجتمع وتجاه الخارج وتجاه نفسه. وهذه جزء من قيمية اللامبالاة في الشارع السوري. والتي بحاجة إلى قراءة أعمق.

غسان المفلح