التطرف هو الفريضة الحاضرة لدى كل عربى أيا كان دينه ومذهبه ومعتقده. من أول توجهات الليبرالية التى يكرهها العرب ويكادوا أن يساوونها بالصهيونية من فرط كرههم لها أن لا يكون الإنسان متطرفا، وأن تكونquot; ضالته الحكمة أينما وجدتquot; وأظن أن قائل هذه العبارة هو الإمام على بن أبى طالب أو غيره من الفقهاء الحكماء. كل عربى يريد أن يسأل عن معتقد الإنسان من قبل أن يستمع أو يقرأ له أو حتى يحاوره أو يتعرف عليه. وعلى حسب منطلقات الكاتب أو المحاور أيا كانت سوف يتخذ المتلقى الموقف المناسب حسب تلك المنطلقات بغض النظر عما إن كان ما يقوله او كتبه ذلك الكاتب جيد أم ردىء.
التطرف هو سمة حياة أغلب العرب. فإن كان ملتزما بدينه فهو ملتزم به إلى حد الإنتحار، وإن كانت المتعة غايته فالمتع عنده مباحة إلى حد العهر، وتكفى نظرة واحدة لنوافذنا الإعلامية من فضائيات وصحف ومساجد وكنائس أيضا لتجد أن التطرف فى كل مقاصد تلك المنابر هو روحها ومناط تواجدها. فالفضائيات إما فضائيات مقت وكره وحض على العنف والذبح، وإما فضائيات عهر ورذيلة بأحط الصور. لا توجد فضائيات تعليم وتثقيف كقنوات التاريخ أو الإستكشاف الأمريكية مثلا، والمحزن أكثر هو عدم وجود جمهور لها إن وجدت.
إنظر لقنوات الأغانى الغربية والفنانات الغربيات الذين ننعتهم بالعهر ولن تجد من بينهم مغنية أو راقصة تستطيع أن تتبارى مع ndash; الفنانات- العرب. قارن بين قنوات الدعوة والضحك على العقول الغربية المسيحية، وبين قنوات التنويم المغناطيسى الإسلامية أو المتأسلمة العربية. تتفق القنوات الدعوية الغربية مع الإسلامية فى أن كلاهما يبيعان الوهم والقضاء والقدر. وتفترق قنوات الدعوة الغربية عن الإسلامية فى أن الأولى تبيع الوهم إلى متابعيها أما الثانية فهى مصدر خطر على مستمعيها وعلى الغير أيضا إذ تمجد العنف والكره والقتل ولو عن طريق الإنتحار! تتفق أيضا القنوات quot;الفنيةquot; الغربية مع العربية فى بيع الجنس، لكن الغربية تفعل ذلك بنعومة وبعض الحياء، والأخرى تفعل ذلك بمنتهى العهر والفجاجة، العجيب أن مطلقى قنوات التطرف الدينى العربى هم ذاتهم مطلقى قنوات التطرف تجاه العهر!
ليس هنا المجال لتحليل وتتبع منطلقات التطرف فى إعلامنا المؤدلج عموما، وهل هو نتيجة لتطرف المتلقى العربى بحميته وجنوحه للتطرف أم غير ذلك. فالعربى بطبعه متطرف فأن مدح ساوى من يمدحه بصاحب الجلالة وإن أمكن لربما أزاد، وإن هجى فلا حد لهجاؤه. ومن قديم يمدح ويهجى شعراء العرب أحيانا ذات الشخص بذات التوجهات، فهم يمتدحون خليفة أو أميرا فيشبهونه بالله الذى يستجيب له القدر، ويهجون الشخص ذاته فإذا به خنزير أجرب! وعادة كان الشعراء يمدحون أو يهجون بمقابل أو للإنتقام من شحة العطايا وأظن أن هذا لا زال حال نوافذننا الإعلامية عموما لو إستبدلنا الخلفاء والأمراء فى الماضى بالأنظمة الحاكمة الحالية ومصالحها. ليس الحال حال ماذا تؤمن به أو تعتقد أغلب نوافذنا الإعلامية أنه حق، وإنما الفيصل هو من دفع ومن بخل! النتيجة أن اللوم لا يقع فقط على كاهل الإعلام وإنما وبالأكثر على المتلقى العربى الذى جبل على التطرف ويتلقاه ويتفاعل معه ولا يلومه أبدا.
يبقى أن نحدد ما نقصده تماما بتطرف المساجد والكنائس. لأن عقل المتلقى العربى لن يلقى كثير بال لكل هذه المقالة ما عدا تلك الملاحظة وهذا فى حد ذاته دليل على الفكر المتطرف الذى يعيش فى تلافيف عقولنا نحن العرب. المساجد التى تسوق فكر الكره والإنتحار هى التى تكسب الشهرة والجماهيرية وهى التى تضيق بالمريدين وبتبرعاتهم، أما التى تحض على الفضيلة ومكارم الأخلاق فهى منابر باهتة فى أعين العرب وتشكو قلة المترددين. تختلف الكنائس فى تطرفها عن ذلك، فالتطرف فى الكنائس لا يبيع كراهية الغير والحض على قتله، وإنما يبيع الوهم والإيمان بالمعجزات وتفضيل الخنوع والإستشهاد عن حق المقاومة وإقتضاء الحقوق. وقد أدى تطرف المسلمين المصريين وتطرف الكنيسة المصرية إلى تطرف مضاد يجد ذاته فى نشوء منابر قبطية يأخذها جنون التطرف سواء إلى المطالبة بطرد العرب الغزاة من مصر أو حد المطالبة بدولة مستقة للأقباط!
الحل الوحيد هو أن ينقى العربى -أيا كا إنتماؤه- مشاعره وعقله من الفكر المتطرف. على المتدين أن يفكر فيما يلقى إلى سمعه وإلى ماذا يقود مثل ذلك الفكر. وعلى الراغب فى المشاهدات الممتعة أن يرتقى برغبته ليقصد أن يشاهد فنا لا عهرا. وعلى العربى من قبل هذا وذاك أن يستعمل الهبة التى تميزه عن الحيوان... العقل.

عادل حزين
نيويورك
[email protected]