أعترف لو أنني كنت أعيش في الوطن العربي لما جرؤت على البوح بأعجابي في التجربة السياسية لاسرائيلية، ولكن من حسن الحظ أنني أعيش في بلد الحريات الولايات المتحدة الامريكية التي توفر لي قوانينها وتجربتها الحضارية الحرية في التعبير عن رأيي دون أية خشية، وايضا أشير لو لا مساحة الحرية التي توفرها إيلاف وشجاعتها في فسح المجال لمختلف الاراء في الظهور للقراء لما أستطعت نشر قناعاتي المختلفة في اي صحيفة عربية اخرى على الاطلاق.


بسبب تجربتي المريرة كمواطن عراقي يشعر بالانكسار والهزيمة وضياع وطنه امام عينيه.. جعلني هذا الشعور الموجع في حالة بحث دائم وتأمل للتجارب السياسية الناجحة للدول الاخرى ومقارنتها بالتجربة العراقية، ومما لاشك فيه ان التجربة الاسرئيلية هي الاعظم على الاطلاق في العصر الحديث من حيث النجاحات :السياسية والعسكرية والاقتصادية والعلمية... فبناء دولة اسرائيل خلال هذه الفترة القصيرة وفي خضم التحديات الكبرى والحروب التي خاضتها.. تعتبر وفق كل المقاييس معجزة باهرة جديرة بالاعجاب و الدراسة والاستفادة من نتائجها في الدول العربية.

لقد قدمت اسرائيل مثالاً مدهشاً على النجاح في النشاط المؤسساتي الجماعي، فالجمعيات والمنظمات اليهودية المنتشرة في ارجاء العالم تعمل في منتهى الجد والاخلاص والتكاتف من اجل اسرائيل، وهذا النجاح في النشاط الجماعي مفقود في الوطن العربي تماما على كافة الصعد سواء على مستوى تشكيلات : الاحزاب او النقابات أو الجمعيات أو حتى ادارة مسجد للعبادة فالمجتمعات العربية مازالت في طور العقل الغريزي البدائي الفردي الذي لم يصل بعد الى الترقي والارتفاع الى مستوى النشاط الجماعي الذي يعد أرقى النشاطات الانسانية التي يتجسد فيهاالسلوك العقلاني ونكران الذات والعمل من اجل الاخرين.

وقدمت اسرائيل كذلك نموذجا رائعا في الانتماء الوطني للشعب الاسرائيلي لوطنهم والتضحية من اجله بكل شيء، فالقانون الطبيعي في اسرائيل هو ان تجد المواطن يحب وطنه ويشعر بالانتماء اليه والاخلاص له والدفاع عنه، وعندما أشاهد ما يجري في العراق منجرائم الفساد الاداري وتهريب النفط والتفجيرات والقتل والعمالة للمخابرات الايرانية السورية... أشعر كم هو عظيم الشعب الاسرائيلي في اخلاصه لبلده.


لقد كانت حروب اسرائيل عبارة عن ردود افعال ودفاع عن النفس، فكافة الحروب التي جرت والدماء التي سالت سببها فشل العرب السياسي في التعامل مع الاحداث منذ أن اضاعوا فرصة القبول بالتقسيم سنة 1948 ولغاية اليوم، فما يجري في فلسطين ولبنان من حروب هي نتيجة الفشل السياسي العربي في حل المشاكل، وما تشنه اسرائيل من عمليات عسكرية الان هو ردة فعل على تحرش واستفزاز الاغبياء والمرتزقة من عملاء ايران.


حينما يتخلص الانسان من سطوة الشعارات الغوغائية، والظلمة التي تسببها عدوانية الايديولوجيات المتطرفة والارهابية، وينظر للاحداث بنظرة واقعية معرفية متجردة.. سيكتشف كم أضعنا من جهود واموال وارواح بسبب افتقارنا للرؤية السياسية الواقعية التي تعترف بحق اسرائيل في العيش الكريم مثلما نتمتع بهذا الحق نحن، لقد تعاملنا مع اسرائيل منذ البداية بعقلية غزوات القبائل التي التي تهجم على الخصم بقصد ابادته ونهب امواله وسبي نسائه... وكانت النتيجة سلسلة متلاحقة من الهزائم المخزية التي أصابتنا.



أشعر بالضحك من التهم الجاهزة بالصهيونية وغيرها التي توجه لمن يحاول الاستقلال الفكري عن قطيع الجماهير وممارسة حقه في الاختلاف والتفكير الحر، انني كعربي ومسلم شيعي متدين لاأجد اية أشكالية فكرية أو اخلاقية أو دينية عندما أعبر عن اعجابي بتجربة اسرائيل السياسية وادعو للاستفادة بأعتبارها انجح نموذج سياسي ابداعي أنتجه العقل البشري في العصر الحديث.

خضير طاهر
[email protected]