أجاد أ. د. الأستاذ شموئيل (سامي) موريه في كتابته عن سيرة الشاعر اليهودي العراقي إبراهيم عوبديا الذي وافته المنيّة في الفاتح من شهر يناير من هذا العام، وتطرّق خلالها إلى أدباء وشعراء آخرين من يهود العراق الذين هاجروا منه إلى إسرائيل في أوائل الخمسينات من القرن المنصرم هرباً من الملاحقات والإضطهادات التي مورست ضدّ اليهود في العراق آنذاك. ومنم هؤلاء ذكر كاتب النصّ الشعراء والأدباء أنور شاؤول ونعيم طويق وسليم البصّون ومراد العماري الذين آثروا البقاء في العراق، موطنهم الحبيب الذي نشأوا وترعرعوا فيه ولم يغادروه مع أكثريّة بني جلدتهم الذين غادروه مكرهين.
وبالرغم من المعاناة التي كانت من نصيب الجالية اليهوديّة المتبقّية في العراق تحت مختلف الأنظمة التي تلت الحكم الملكي، باستثناء مدة حكم عبد الكريم قاسم، بقوا هؤلاء مخلصين لوطنهم صامدين أمام نير الظلم والإجحاف بحقهم. ولكن عندما اعتلى البعث ناصية الحكم عام 1968 إتخذت الممارسات العدوانيّة ضدّهم منحىً أكثر تفاقماً حيث زُجّ الكثيرون منهم في غياهب السجون واغتيل وشنق آخرون فلم يروا بدّاً في تلك الأيام الحالكة إلاّ الهروب بجلدهم من عراقهم الحبيب.
وهنا أرى من الجدير أن أذكر اسم أديب وشاعر يهودي آخر لم يأتِ ذكره في سياق الأستاذ سامي موريه وهو السيد مئير بصري الذي شغل منصب رئيس الطائفة الموسويّة والذي زُجّ لمدّة 54 يوماُ في مطلع عام 1969 في السجن دون أمر قضائي أو محاكمة. وكان قد كتب في ذالك عدّة أبيات عبّر فيها عن ألمه وإحباطه :

ايه يوماُ قضيته في السجون،
في أسار من الونى والشجون
رسمته رؤى النوى والمنون،
شاحباُ مقفراُ كليل الجنون
فهو دهر من الصراع الدفين
أيّ جرم جنيته في حياتي
لأجازى جزاء باغ وعات؟
أوقوفي مناضلا وثباتي
لعراقي ودجلتي وفراتي

وشاعرنا هذا لم يستطع هو الآخر الصمود وغادر دجلته وفراته عام 1974 إلى لندن حيث وافته المنية في عام 2006. وقبل أن اختتم كلامي أودّ أن أذكر حادثة نسبت إلى شاعرنا إُبراهيم عوبديا عندما كان يمارس خدمته كضابط في المكوس/الجمرك الإسرائيلي في الضفّة الغربية على جسر آلنبي، وهي تدل على حبّه وتعلّقه بكل شيءٍ يمتّ بصلة إلى العراق:
يقال إن عربياُ فلسطينيا قدم إلى الضفة الغربية. وعندما أُجري له التفتيش من قبل العاملين في المكوس عُثر بين أمتعته على بعض الحاجيات التي يقتضي أن تدفع عنها رسوم جمركية، وحين اُبلغ الفلسطيني بالأمر أجاب مخاطباً بلهجة عراقيّة quot;ما يخالف عينيquot; وعند سماع هذه الهجة إلتفت إليه ابراهيم عوبديا سائلاً، وهو فاغر الفم، ماذا قلت؟ ومن أين لك هذه اللهجة؟ فأجاب لقد عشت في العراق مدّة طويلة. فما كان من صاحبنا إبراهيم عوبديا إلاّ الاِجابة بالمثل: quot;زين عيني ما يخالف، لملم غراضك وروحquot; وصرفه بلا ضريبة. وأغلق القادم الفلسطيني حقيبته وهو يتمتم quot;والله خوش كلمة عراقية وِحدة خلصتني من ضرائب إسرائيلquot;.ِ

وأنا أقول للشعب العراقي الكريم إن يهود العراق أحبوا بلادهم وما زالوا يقولون رغم الظلم والإضطهاد quot;زين عيني ما يخالفquot;.

محاضر في جامعة بن غوريون سابقاً