النداء الذي وجهه بطاركة العراق لإنقاذ المسيحيين العراقيين قد يكون الاخير فعلا لإنقاذ هؤلاء المسيحيين الذين تشبثوا بأرضهم ووطنهم رغم كل ما يجري في بلادهم.

منذ اكثر من اسبوع والمسيحيون في منطقة بغداد مطاردين من قبل ارهابيين ينتمون الى تنظيم القاعدة بعد ان اقاموا ما يسمونه دولة العراق الاسلامية.

الملفت في نداء البطاركة هو اشارتهم الى سلبية الحكومة وعدم اتخاذها أي اجراء لحماية جزء من الشعب العراقي.

لكن الملفت اكثر في بيانهم هو ما لم يتم الاشارة اليه وهو سكوت قادة وشيوخ الاسلام في العراق وغير العراق. اولئك الذين ثاروا وانتفضوا لمجرد ملاحظة قالها البابا نقلا عن نص قديم بشان انتشار الاسلام بقوة السيف. كلهم بلا استثناء رفضوا الاقتباس وفندوه وأكدوا ما يسمونه تسامح الاسلام ومحبته للغير واحترامه لغير المسلمين.

الان الاسلام في محنة والمسلمون في اختبار. فئة من الشعب العراقي اصيلة ووطنية تحارب في دينها وعقيدتها بطريقة همجية واستفزازية ولا احد يتحرك لحمايتهم او على الاقل لرد الظلم عنهم وبيان ان ما يجري على ايدي ارهابيي القاعدة في بغداد لا يمثل الاسلام.

مطلوب من شيوخ الاسلام وقادته الذين يدعون انهم يمثلون دين التسامح ان يتحركوا ويشجبوا ويستنكروا ما تقوم به فئة ضالة تمكنت في غفلة من الحضارة ان تحمل السلاح وتهدد فيه مواطنين ابرياء كل ذنبهم انهم غير مسلمين.

لحماية انفسهم يقوم هؤلاء المسيحيون الان بالهروب الجماعي من احيائهم ودورهم تاركين كل شيء وراءهم للنجاة بإيمانهم بينما العالم الاسلامي يتفرج صامتا. والصمت علامة الرضى والقبول.

لو حصل شيء مشابه لهذا وكانت الصورة معكوسة لراينا من المسلمين العجب العجاب. انهم ينتفضون ويثورون لمجرد ملاحظة في مجلة او اقتباس في محاضرة. ولكن عندما يقع الاضطهاد على غير المسلمين في ديار المسلمين يصمتون صمت القبور.

في الولايات المتحدة قام بعض المسيحيين بإخلاء كنائسهم لكي يتمكن مسلمون يسكنون في مناطق قريبة من اقامة الصلاة يوم الجمعة الماضي. اخلوا كنائسهم عن طيب خاطر وأريحية. اين امة الاسلام من هذا التسامح الكريم. اين امة تدعي التسامح من مثل هذا الاخاء والمحبة والإنسانية. في كثير من البلاد العربية والإسلامية فانه بمجرد ان يعلن المرء انه مسيحي يكون عرضة للاضطهاد. في السعودية مثلا لمجرد ان يجلب معه شخص مسيحي نسخة من الكتاب المقدس فانه يصبح مبشرا متهما يستحق التسفير والعقوبة.

يمارس المسلمون دوما استراتيجية ضربني وبكى وسبقني واشتكى وتكتيك ان خير وسائل الدفاع الهجوم. فتراهم ليل نهار يتباكون على حريتهم المهدورة في الغرب ويدعون ان الغرب المسيحي يحاربهم ويعاديهم وينتقم منهم ويحتقر ديانتهم ويسعى لإبادتهم ونهب خيرات بلادهم.

وفي الحقيقة فإن بعض المسلمين هم الذين يمارسون اضطهاد غيرهم سواء بان يضطهدوهم فعلا كما يحدث في العراق والسعودية وبعض الدول الاسلامية او كما يحصل في باقي البلدان من صمت مرعب من قبل المسلمين بصورة عامة ازاء ما يحدث لأبناء وطنهم من غير المسلمين.


قبل فترة وجيز قابلت إمرأة عراقية في احد المستشفيات تسعى للعلاج على حساب الكاريتاس. رايتها متلبكة ومحتارة فإذا نظرت الي كأنها توسمت بي اريحية فطلبت هاتفي لتهاتف احدى المسؤولات في الكاريتاس لكي تحظى بمزيد من الحسومات في اجرة المستشفى. ففهمت من حديثها انها عراقية مسيحية. سألتها عن احوال العراقيين بشكل عام والمسيحيين منهم بوجه خاص. فسبقت دموعها كلماتها ففهمت مدى المعاناة التي تعانيها والتي اضطرتها لترك وطنها. حدثتني كيف جاء الارهابيون الى منزلهم في الدورة وتحدثوا اليهم من وراء الباب عن الخيارات المستحيلة بالقتل او الهروب او اعتناق الاسلام. لقد قتل الارهابيون ابنتيها قبل ذلك. ولم يكن امامها سوى الهروب بإيمانها مع ما تبقى من اسرتها واللجوء الى الاردن حافية مجردة من كل شيء.

حتى في الاردن حيث نتباهى بالعيش المشترك والأخوة الاسلامية المسيحية لم نسمع اي كلمة من أي جهة اسلامية ولا غير اسلامية تدين وتشجب وتستنكر ما يجري للمسيحيين في العراق.

في الاردن الذي نتباهى فيه بما اطلقنا عليه اسم رسالة عمان، التي تظهر الوجه الابيض الناصع للاسلام كما نقول، لم يتحرك أي انسان ليدعو الحكومة العراقية كي تنهض بمسؤولياتها في حماية جزء من شعبها حتى وان كان صاحب ايمان مختلف.

لا معنى لرسالة عمان اذا كنا قد اطلقناها ونسيناها. لا معنى لأي شيء يتعلق بما نسميه تسامح الاسلام والرسالة السمحاء ودين الانسانية ما لم نكون على قدر الحمل والمسؤولية فنقول كلمتنا بصدق وجرأة وصوت عال ليسمعنا العالم.

صحيح ان رسالة عمان لم تتحدث عن علاقة الاسلام والمسلمين بغير المسلمين وخاصة المسيحيين الذين يشاركون المسلمين في الوطن، ولهذا حديث اخر، ولكنها رسالة مهمة توضح الوجه الانساني للاسلام كما يقول اصحابها، فأين هم اصحابها مما يصيب الاسلام من طعن وإهانة وتشويه واحتقار من خلال تصرفات فئة ضالة احترفت الارهاب وغلفته بلبوس الدين والدين منهم براء.

اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُوْلَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ. ويُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَاءُ (صدق الله العظيم)

حسين عبدالله نورالدين
كاتب صحفي
عمان الاردن