الموت حق كما قالت الاديان وكما قالت سيدوري صاحبة الحانة لكلكامش، فالخلود من صفة الالهة وقدر الانسان الموت. لكن بعض الموت لايصدق، خاصة للوهلة الاولى.بدا لي موت احمد جودة حين اخبرتني زوجتي ندى الهاشمي، زميلته في العمل في الشرق الاوسط حيث كان يعمل سابقا، كخبر غير مفاجئ. لسبب بسيط لانه لم يكن علي ان اصدقه. حتى انني كدت ان ابتسم لان احمد جودة بدا غير قابل للموت في هذا الوقت. اتصل قبل اسبوعين من لندن وتاجل موعدنا لانشغاله واتفقنا ان نلتقي في القاهرة بعد ان اعطاني رقم تلفونه هناك، مبديا كرمه المعتاد متحدثا باسهاب عن ابنته وعيد ميلادها حتى بدا كانه لن يكف عن الكلام وهو يفعم حديثه بالود والتاكيدات على حبه للناس ولمبادئه دون ان ينسى انه يعيش في نهاية المطاف في عالم معاصر.


قبل عشر دقائق سمعت خبر رحيله وانا الان اكتب لاني اهرب من الواقع كما هو متوقع. احمد جودة لم يعد حيا. انه ليس صديقا مخلصا فحسب بل كاتب صحفي ماهر. وكثير من الناس لاتعرفه وربما تتساءل عن سبب الانشغال بموته.لكني اعتقد انه مايزال يعيش في زاوية ما من وجودنا. بالتاكيد ليس في ذاكرتنا بعد.


لا اعرف بمن اتصل لاعزي لاني اعيش بدون عناوين وبدون ارقام هواتف. العنوان الوحيد لاحمد هو احمد جودة القاهرة وكدت للوهلة الاولى ان اتصل به واعزيه وامزح معه عن خبر موته. لكني عدت الى منطقي الصارم المزعج وتاكدت انه لم يرد طالما افترضنا انه غادر الحياة. هل حقا غار احمد جودة الحياة؟


اليس هناك احتمال بسيط انه يضحك في مكان ما في الطريق من القاهرة الى الفيوم؟
حدثني كثيرا عن دراسته كماركسي في كلية الشريعة في مصر. وهو يتحدث تتاكد انه لايحمل تناقضا بقدر مايحمل ذكرى لمفارقة اضطرارية، فهو امين لدراسته ويكن لمكانها احتراما واضحا.


هذا يكفي لاني لا استطيع اكمال ما بدات اكتبه. ماذا اكتب؟ لست ادري. انها ليست مرثية. انه نداء لاحمد يشبه النداءات التي نسمعها عن فقدان طفل في التجمعات العامة. انه نداء لطفل اسمه احمد جودة ضاع في زحام الموت.


انه نداء ليس اكثر من محاولة للتاكد من موت محقق.

نبيل ياسين