بعد انتهاء مؤتمر شرم الشيخ وتعهد الدول المجاورة للعراق بالمساهمة الجادة في حل الملف الأمني، وبعد قراءة مشهد الساحة السياسية الإقليمية وفرز معطيات التفاهم الأمريكي والإيراني بشأن الملف العراقي، بموازاة هذا المشهد السياسي، وإسناداً الى الواقع الميداني الذي يعاني من مشاكل وأزمات خانقة تركت آثارها على كل المجالات الحياتية والمعيشية للعراقيين نتيجة تغشي مظاهر الفساد وتواصل العمليات الإرهابية وتراكم الأزمات والمشاكل واستفحالها، بالرغم من الجهود المبذولة في هذا المجال، ألا أن مسؤولية الحكومة والقيادات الحزبية العراقية أصبحت كبيرة في مواجهة هذه الأزمات التي يعاني منها المجتمع بجميع شرائحه، ولهذا فان توفير مقومات النجاح لأية عملية حكومية بهدف تلبية مطالب الشعب تشكل القاعدة الأساسية لضمان النجاح والتوفيق للحكومة الحالية برئاسة نوري المالكي.
ولكن فيما يبدو للعيان أن الحكومة الفيدرالية في بغداد لا تحمل برامج عمل معينة لمعالجة الحالة التي يعاني منها المواطن العراقي خاصة الأغلبية الفقيرة منهم الذين يعانون من مشاكل اقتصادية ومعيشية كبيرة، خاصة وإن الحكومة لم تأخذ على عاتقها لحد الآن بجدية إيجاد حلول ميدانية وعملية لمجابهة الأزمات المستفحلة ومعالجة المشاكل بشفافية وواقعية، لأن أساس التشكيل استند الى تمثيل غير سليم بالأساس معتمدا على المحاصصة النيابية التي خرجت الى الوجود نتيجة فرز نتائج الانتخابات، دون الاعتماد على الكفاءة والمهنية والموضوعية وهو ما سمح بعرقلة مسيرة الحكومة فلم تقدر ان تقدم شيئا ملموسا في موقعها للعراقيين.
من هذا المنطلق نجد ضرورة عرض بعض الأزمات العصيبة والمظاهر التي تتسم بها واقعنا الراهن للإفادة منها والعمل على إزالتها أو تقليل آثارها السلبية على حياة المواطن، وهي تتطلب من الحكومة الجدية والفعالية وآليات عمل في برامجها وأعمالها أكثر من أي وقت آخر، خاصة بعد أن أصبح الحضور العراقي واقعا معترفا به من قبل جميع الدول المجاورة ومن قبل كل الأطراف الإقليمية والدولية، لهذا من المفروض ان يعمل الحكومة الحالية ومجلس النواب على بذل أقصى جهد ممكن وان يكونا بمستوى المرحلة و بمستوى ثقة العراقيين وبمستوى الثقة الانتخابية التي منحت لهم.لإدارة دولة العراق في العهد الجديد.
لهذا وبعد رسوخ الواقع السياسي بفضل حكمة وصبر وتحمل العراقيين من أجل تحقيق المطالب الآنية في الأمن وتأمين حاجات الحياة الأساسية لكل مواطن ومن أجل تواصل المسيرة الديمقراطية، فإن ما يقع على كاهل الحكومة يعتبر مدخل جوهري لقطف ثمار النضال المنزف للشعب في المرحلة الراهنة لنيل آماله وطموحاته من أجل تحقيق حياة حرة كريمة معززة بالكرامة الإنسانية والوطنية العراقية.
استنادا الى هذه الرؤية نجد ضرورة سرد الأزمات المستفحلة والمظاهر السلبية الكبيرة كثقوب سوداء في عباءة حكومة نوري المالكي من باب الإسهام والمشاركة في توفير أسباب النجاح للحكومة، والثقوب الملحوظة في العباءة الحكومية تنحصر بما يلي:

1.غياب الخطط الحكومية العملية الآنية لحلحلة الأزمات الحياتية، مما تسبب هذه الأزمات ارتفاعا رهيبا في الأسعار على صعيد المواد الغذائية واجور النقل والمحروقات والحاجات اليومية الأساسية للعائلة العراقية، وعدم قدرة الغالبية العظمى من أبناء الشعب على تحمل الأعباء المتزايدة للأسعار التي تشهدها الأسواق في ارتفاعات جنونية، ومظاهر الاحتجاجات التي أخذت تتسرب الى الرأي العام والى الشارع العراقي بدأت تفقد من صبرها وتحملها.
2.غياب الخطط والبرامج العملية والميدانية على المستوى الحكومي لتقليل أعباء البطالة المتزايدة دون هوادة ودون رحمة، وكأن مدن العراق أصبحت لا تتحمل أبنائها وأولادها وأصبحت ضائقة عليهم فتدفع بهم الى الحيرة والحسرة والفقر المؤلم ولا ندري ما المصير الذي تنتظر الأغلبية التي أصبحت أعباء السكن والمعيشة عالة كبيرة عليهم.
3.غياب البرامج العملية والميدانية على المستوى الحكومي لتقليل أعباء المشاكل والأزمات على أعباء الشباب الذين أصبحوا رمادا وحطبا للحياة المعيشية القاسية التي نمر بها والتي تنتظرهم حياة متسمة بالصعوبة الحادة بفعل الغلاء وصعوبة المعيشة وغلاء السكن والتجهيزات والزواج، وكأن الحالة الحياتية أصبحت واقعا سوداويا مليئا بالهموم أمام هذه الشريحة المهمة من المجتمع التي أصبحت تعاني من المصاعب والأزمات والمشاكل التي لا نهاية لها بفعل استغلال أقلية حكومية وحزبية لمصالح الدولة واحتكار الأسواق لأنفسهم، وترك الأغلبية الواسعة من الشعب بمفردها كطرف بائس لا حول لها ولا قوة في مجابهة همومها ومعاناتها ومشاكلها دون رعاية ودون لفتة اهتمام من قبل الحكومة، وهذا ما دفع ببعض الشباب الى سهولة الانخراط في مجاميع الإرهابيين ومجموعات الجريمة المنظمة.
4.غياب القدرة الإنتاجية المحلية، وتراجع الانتاج الزراعي والحيواني في العراق، وتراجع مساهمة الانتاج المحلي في الأسواق المحلية في تأمين الحاجات الغذائية للمواطنين خاصة في أسواق إقليم كردستان التي أصبحت مرتعا للبضائع الأجنبية، وكأن معادلة الإنتاج الوطني أصبحت مرمية وصارت بعيدة عن اهتمامات حكومتي بغداد وكوردستان، فأعداد الثروة الحيوانية بدأت بالانخفاض المخيف و الإنتاج النباتي بدأ بالتراجع الرهيب والأراضي الصالحة للزراعة بدأت بالتقلص الشديد، كل هذه الحالات المأساوية الرهيبة التي تجري على الصعيد الاقتصادي هل يعقل ان تكون بعيدة عن اهتمام الحكومة وان لا تبادر الى طرح خطط عمل معينة لمعالجة هذه الحالة الاقتصادية الخطيرة.
5.غياب القدرة الإنتاجية للجهاز الحكومي، وآخر تقارير وكالات الأنباء تشير الى تسجيل أدنى مستوى للإنتاج على صعيد الموارد البشرية في العراق وهو 38 دقيقة عمل من مجمل الساعات الرسمية اليومية للفرد الموظف المحدد بين 6-8 ساعات عمل، وان كان الوضع على هذا الحال في العراق فكيف يكون الوضع في إقليم كردستان الذي يسيطر عليه نخبة حاكمة متسلطة لا تعرف من إدارة الدولة سوى نهب مال الشعب واستغلال السلطة، لا شك ان الإجابة على هذا السؤال تحمل في طياتها أمورا لا تسر أحدا لأن هيكلة الموارد البشرية الحكومية في العراق وفي كوردستان بعيدة كل البعد عن سياقات تشريعات الخدمة المدنية العامة.
6.سوء توزيع الثروة على العراقيين، ففي حين وصل واردات العراق في عام ألفين وستة الى 36 مليار دولار بمعدل 1200 دولار لكل فرد عراقي، نجد أن العراقيين لم يصبهم دولار واحد من هذه الواردات التي تعتبر ثروة عامة للشعب ومال عام للدولة.
7.كثرة الحقائب الوزارية وعدم فعاليتها على صعيد تقديم وتأمين الخدمات والتنفيذ دون مراعاة للأعباء المالية التي تترتب على خزينة الدولة من هذه الحالة، وحتى في حالة توفير إمكانيات مالية فهذا لا يعني التصرف بها بطريقة اليد المبسوطة كل البسط التي قد تجعل من الأموال أن تذهب هباءا منثورا، وإنما التصرف بها بمسؤولية ووطنية متسمة بالحكمة الرشيدة والأمانة العالية المستندة الى حكمة المثل الأمريكي القائل لكل دولار أجندة.
8.تكرار تجربة اختيار الشخصيات الوزارية لاعتبارات حزبية ومحاصصة طائفية كما هو معمول بها في العراق وفي إقليم كردستان تحت ذريعة الإجماع العام، وكأن مساحة الاختيار للشخصيات التكنوقراطية المتسمة بالكفاءة ضيقة وقليلة المساحة لا تسمح المرور عليها لاختيار شخصيات بمواصفات مؤهلة عالية نحن بأمس الحاجة اليها في واقعنا الراهن لتسهيل ادارة الدولة.
9.تفضيل الحسابات الحزبية والمحاصصة السياسية والحسابات الإقليمية على الحسابات الوطنية، وتغليب هذه الاعتبارات على الاعتبارات العليا للشعب وللدولة بسبب عدم اختيار شخصيات تتسم بالوطنية وبالقدرة العالية في تنفيذ أعباء مرحلة العراق الجديد التي نمر بها والتي فرضت نفسها على الواقع بعد مرورنا بمراحل حروب كثيرة.
10.وجود دور كبير للقيادات الحزبية في إدارة أمور الحكومة والدولة كأصحاب للقرار الفعلي في ادارة شؤون الدولة، وهذه الأدوار تعود بالدرجة الأساسية والرئيسية لاعتبارات حزبية مبنية على حسابات جانبية قد تكون غير مراعية للمصلحة العليا للشعب والدولة.

باختصار هذه هي الثقوب السوداء التي تتراءى لنا مشاهدتها من بعيد في العباءة الحكومية للسيد نوري المالكي ونائبه السيد الدكتور برهم صالح، والإقرار بهذه المسألة لا يعني أن نغض الطرف عن الجوانب السلبية في واقعنا حتى وإن كان على الصعيد الحكومي أو القيادي، وانطلاقا من هذا الاعتقاد فإن الواقع الذي نعيشه المليء بمظاهر الخلل والأزمات الخانقة والمعترف بها من قبل الجميع، يفرض علينا أن نقول بكل مصداقية ان الحكومات السابقة رافقتها حالات خلل مرتبطة بمشاكل إدارية ومالية كبيرة معترف بها من قبل الجميع منها استغلال السلطة وتفشي فساد رهيب وغياب أي شكل من أشكال الرقابة والمراقبة العامة على أموال الشعب والدولة وغياب البرامج الوطنية لحل الأزمات الحياتية الخانقة.
والبحث لإيجاد حلول لهذه الحالات تحتاج الى جهود مخلصة تطلب عملا استثنائيا نأمل أن تقوم به حكومة السيد نوري المالكي في ظل عباءتها الموحدة، ولا شك ان صدور القائمين عليها واسعة ورحبة لاستقبال هذا العرض للثقوب السوداء المطروحة برؤية عراقية وواقعية مستخلصة من المعايشة الحقيقية لواقعنا الحياتي، ونأمل أن تتحول هذه الثقوب الى ثقوب بيضاء تشع منها حلول وبرامج وطنية، وأن ينظر لها بعين الاهتمام لكشف الأمور والوقائع بغية أيجاد الحلول المناسبة لها لتأمين حياة آمنة لائقة وكريمة لكل العراقيين تحت خيمة المحبة والمودة العراقية الأصيلة.

د.جرجيس كوليزادة
[email protected]