قد صلبوا يسوع (يوحنا 19: 23) (1من 2)

في تعليقات الاخوة القراء المسلمين على سلسلة مقالات ( وماقتلوه وما صلبوه ndash; قراءة مسيحي )
حاول الاخوة القراء المسلمين التعرض لقضية الصليب من وجهة نظر الانجيل ndash; وهو ما لم اناقشه في البحث السابق ndash; وبالرغم من ان الكتّاب البشيرون الاربعة كتبوا من أماكن متفرقة وازمنة مختلفة، فقد جاء تأكيدهم واتفاقهم على شخصية المصلوب أنه هو السيد المسيح، لتتميم النبؤات والخلاص للانسان. ولان أخوتنا المسلمين لم يستطيعوا ان ينقضوا هذا الاتفاق، فلجأوا الى التشكيك في مدة بقاء السيد المسيح في القبر.

ويهمني هنا تصحيح المفاهيم بالنسبة للبعض، فقد تمت النبؤة تماما كما قالها السيد يسوع المسيح، (39 فاجاب وقال لهم جيل شرير وفاسق يطلب آية ولا تعطى له آية الا آية يونان النبي. 40 لانه كما كان يونان في بطن الحوت ثلاثة ايام وثلاث ليال هكذا يكون ابن الانسان في قلب الارض ثلاثة ايام وثلاث ليال ) ( متى 12: 39 ndash; 40)

ولاختلاف التوقيت اليهودي - العبري ( الذي سجل به الانجيل احداثه ) عن التوقيت الروماني الذي نتبعه الآن، فيجب على الدارس ان يفهم الفارق بينهما لكي يتم ترجمة الحساب بطريقة صحيحة، فسنحاول في هذه الدراسة الاجابة على هذه الاسئلة:

(1) توقيتات اليهود في حساب بداية اليوم ونهايته، وكيف يحسب اليهود ثلاثة أيام وثلاث ليال
(2) تعريف ما هو المقصود بــ (السبت) في العرف اليهودي كيوم او كعيد ( لتحديد اليوم التالي للصلب) حيث قيل انه كان سبتا عظيما.
(3) أسم اليوم الذي تم فيه الصلب (وسنستخدم الحسابات الفلكية).
(4) كيف سارت الاحداث في الاسبوع الأخير الذي تم فيه الصلب متزامنة مع عيد الفصح.

اولا: توقيتات اليهود في حساب بداية اليوم ونهايته.

(1) بالنسبة لبدايات ونهايات الايام تحسب كالاتي:
اليهود يتبعون التقويم القمري، ولكن بالنسبة لتحديد بداية اليوم فهو يبدأ من غروب الشمس، اي ان يوم السبت يبدأ من غروب الجمعة وينتهي بغروب السبت حيث يسمي بداية يوم الاحد وهكذا، وذلك لانه جاء في التوراة (.وكان مساء وكان صباح يوما واحدا) (تكوين 1: 5) فاعتبروا بداية اليوم هو المساء. ( راجع ايضا دائرة المعارف اليهودية )
http://jewishencyclopedia.com/view.jsp?artid=44amp;letter=Camp;search=day%20and%20night
وايضا هذا الرابط:
http://webexhibits.org/calendars/calendar-jewish.html#SECTION00410000000000000000
(2) بالنسبة لساعات النهار وترقيمها:
بالطبع فان ساعات النهار تختلف ايضا، بناء على اختلاف بداية اليوم، فكانوا يقسمون النهار الى اثنتي عشر (جزء ) أو ساعة، بداية من شروق الشمس ( السادسة صباحا)
فالساعة الثالثة من النهار عندهم تعادل التاسعة صباحا عندنا، والتاسعة مثلا عندهم تعادل الثالثة مساءاً بتوقيتنا الحالي (وللتسهيل يوجد 6 ساعات فرق عن نظامنا الحالي)، وذلك للتوضيح أن تسجيل الساعات وقت الصلب في الانجيل تم بالحساب اليهودي.

(3) السبت عند اليهود:
وهنا ارجو الاهتمام والتركيز لانه يحدث خلطا كبيرا، فالسبت لدي اليهود ليس فقط Saturday، (ليس بالضرورة اليوم الواقع بين الجمعة والاحد)، السبت يطلق على يوم الراحة الاسبوعي، وايضا أيام الاعياد الدينية ( وتسمى ايضا محفلا مقدسا)، بل يطلق ايضا على الاسابيع والسنين فتسمى (سبتا)، ولا يسمح لهم بالعمل خلال راحة السبت (Sabath)، لذلك لا يجب ان نخلط بين يوم السبت في لغتنا العربية ( وهي قريبة النطق من اللغة العبرية اليهودية ) وبين السبت اليهودي (Sabath )، ربما الترجمة الانجليزية تفيد في هذا الشأن لانها لا تترجم ( السبت ) الى (Saturday) حتى لايتم الخلط مع توقيتاتنا الحالية، وسنناقش هذه الجزئية بتفصيل اكثر لاحقا.

(4) مفهوم اليهود لمقولة ثلاثة أيام وثلاث ليال:

وهذه نقطة هامة يجب الالتفات اليها لكي نفهم قصد السيد المسيح من قوله ( ثلاثة ايام وثلاث ليال ) وكيف فهمها اليهود، فقد جرى العرف عند اليهود على اطلاق تسمية اليوم على اليوم الكامل او على الجزء منه،( راجع ايضا دائرة المعارف اليهودية، تعريف اليوم والليلة)

http://jewishencyclopedia.com/view.jsp?artid=167amp;letter=D

وهذه بعض الامثلة من الكتاب المقدس لتوضيح المعنى.

المثال الاول: في حوار قادة الشعب مع الملك يربعام، قال لهم الملك (فقال لهم ارجعوا اليّ بعد ثلاثة ايام.فذهب الشعب) (2 أخبار 10: 5) ثم يقول الكتاب انهم رجعوا في اليوم الثالث وقابلهم الملك ولم يعترض على مدة الايام المحسوبة (فجاء يربعام وجميع الشعب الى رحبعام في اليوم الثالث كما تكلم الملك قائلا ارجعوا اليّ في اليوم الثالث)(2 أخبار 10: 12)

المثال الثاني: غلاما كان مريض منذ ثلاثة ايام، ولما قابله داود قيل انه لم يأكل خبزا ولا شرب ماء لمدة ثلاثة ايام وثلاث ليال، بالرغم من انه تناول طعامه في اليوم الثالث، وبدون الليلة الثالثة؟؟

(فصادفوا رجلا مصريا في الحقل فاخذوه الى داود واعطوه خبزا فاكل وسقوه ماء 12 واعطوه قرصا من التين وعنقودين من الزبيب فاكل ورجعت روحه اليه لانه لم ياكل خبزا ولا شرب ماء في ثلاثة ايام وثلاث ليال. 13 فقال له داود لمن انت ومن اين انت.فقال انا غلام مصري عبد لرجل عماليقي وقد تركني سيدي لاني مرضت منذ ثلاثة ايام. )(1 صموئيل 30: 11- 13)

المثال الثالث: عندما جاء اخوة يوسف لمقابلته بدون ان يعرفوا شخصيته، امر بحبسهم ثلاثة أيام ولكنه اطلقهم في اليوم الثالث، معتبرا جزءا من اليوم الثالث هو يوما كاملا (فجمعهم الى حبس ثلاثة ايام 18 ثم قال لهم يوسف في اليوم الثالث افعلوا هذا واحيوا.انا خائف الله.)( تكوين 42: 17 ndash; 18)

المثال الرابع: استير طلبت من عمها مردخاي ان يصوم الشعب ثلاثة ايام وثلاث ليال قبل دخولها الى الملك لعرض طلبها، ولكنها دخلت في اليوم الثالث وبدون الليلة الثالثة؟؟؟
(فقالت استير ان يجاوب مردخاي 16 اذهب اجمع جميع اليهود الموجودين في شوشن وصوموا من جهتي ولا تأكلوا ولا تشربوا ثلاثة ايام ليلا ونهارا.وانا ايضا وجواريّ نصوم كذلك وهكذا ادخل الى الملك خلاف السنّة.فاذا هلكت هلكت. 17 فانصرف مردخاي وعمل حسب كل ما اوصته به استير 1 وفي اليوم الثالث لبست استير ثيابا ملكية ووقفت في دار بيت الملك الداخلية مقابل بيت الملك والملك جالس على كرسي ملكه في بيت الملك مقابل مدخل البيت)(استير 4: 16و 5: 1)


مما سبق يتضح ان اليهود كانوا لا يحسبون ثلاثة ايام وثلاثة ليال بمعنى 72 ساعة، ولكن بدون ليلة كاملة تكون المقولة صحيحة، وبجزء من اليوم تكون ايضا المقولة صحيحة.


ثانيا: تعريف ماهو quot;السبت Sabath quot;حسب الفكر اليهودي.

كان اليهود يطلقون تسمية السبت ( Sabath) على ثلاثة حالات:
(1) كيوم من ايام الاسابيع ( وهو الذي يسبقه جمعه ويليه أحد)
(2) كيوم عيد متميز يحدده يوم الشهر ولا يشترط فيه ان يكون سبتا ( يسبقه الجمعة ويليه الأحد)، ولكن يطلق عليه سبتا ( أو محفلا ) لانها تعني ايضا عيدا في العرف اليهودي.
(3) يطلق على السنة السابعة سبتا، وكذلك تكرار سبعة من هذه الاحتفاليات ( وهو العيد الذهبي في السنة الخمسين )
واليكم بعض الامثلة للتوضيح والشرح:
المثال الاول: هذا يوم لا يشترط ان يأتي سبتا يسبقه جمعه ويلين أحد ولكنه يسمى سبتا
، بالمناسبة هذا هو اليوم الذي يعيده المسلمون باسم عاشوراء تقليدا لليهود،

( ويكون لكم فريضة دهرية انكم في الشهر السابع في عاشر الشهر تذللون نفوسكم وكل عمل لا تعملون الوطني والغريب النازل في وسطكم. 30 لانه في هذا اليوم يكفّر عنكم لتطهيركم.من جميع خطاياكم امام الرب تطهرون. 31 سبت عطلة هو لكم وتذلّلون نفوسكم فريضة دهرية)
(لاويين 16: 29- 31) وايضا (اما العاشر من هذا الشهر السابع فهو يوم الكفّارة محفلا مقدسا... انه سبت عطلة لكم فتذللون نفوسكم.في تاسع الشهرعند المساء من المساء الى المساء تسبتون سبتكم ) ( لاويين 23: 27 و 32)

المثال الثاني: السنة السابعة من سنين زراعة الارض يطلق عليها سبتا
( كلم بني اسرائيل وقل لهم.متى أتيتم الى الارض التي انا اعطيكم تسبت الارض سبتا للرب. 3 ست سنين تزرع حقلك وست سنين تقضب كرمك وتجمع غلتهما. 4 واما السنة السابعة ففيها يكون للارض سبت عطلة سبتا للرب.لا تزرع حقلك ولا تقضب كرمك.)
(لاويين 25: 3 ndash; 4)

المثال الثالث: سنة اليوبيل تسمى سبتا ( السنة الخمسون )
( وتعدّ لك سبعة سبوت سنين.سبع سنين سبع مرات.فتكون لك ايام السبعة السبوت السنوية تسعا واربعين سنة) (لاويين 25: 8 )


ثالثا: اسم اليوم الذي مات فيه المسيح:

وهذا هو سبب الخلط الرئيسي، فالبشائر الاربعة تحدد ذلك اليوم بانه كان استعداد لسبت عظيم (وهو عيد الفصح مهما كان وقوعه في الاسبوع وليس سبت الراحة الاسبوعي ) فهذا الاسبوع كان به سبتان، وسنناقش ذلك بالتفصيل لاحقا، ولكن نقرأ الآن من الانجيل:

(فاخذ يوسف الجسد ولفه بكتان نقي. 60 ووضعه في قبره الجديد الذي كان قد نحته في الصخرة ثم دحرج حجرا كبيرا على باب القبر ومضى. 61 وكانت هناك مريم المجدلية ومريم الاخرى جالستين تجاه القبر 62 وفي الغد الذي بعد الاستعداد اجتمع رؤساء الكهنة والفريسيون الى بيلاطس 63 قائلين.يا سيد قد تذكرنا ان ذلك المضل قال وهو حيّ اني بعد ثلاثة ايام اقوم. 64 فمر بضبط القبر الى اليوم الثالث لئلا يأتي تلاميذه ليلا ويسرقوه ويقولوا للشعب انه قام من الاموات.فتكون الضلالة الاخيرة اشر من الاولى.) (متى 24: 62-64)
وايضا (وكان يوم الاستعداد والسبت يلوح.)( لوقا 23: 54)
وايضا (ولما كان المساء اذ كان الاستعداد.اي ما قبل السبت. 43 جاء يوسف الذي من الرامة مشير شريف وكان هو ايضا منتظرا ملكوت الله فتجاسر ودخل الى بيلاطس وطلب جسد يسوع) (مرقس 15: 42- 43)
وايضا ( ثم اذ كان استعداد فلكي لا تبقى الاجساد على الصليب في السبت. لان يوم ذلك السبت كان عظيما سال اليهود بيلاطس ان تكسر سيقانهم و يرفعوا ) (يوحنا 19: 31)

و نلاحظ هنا كلمة ان ذلك السبت كان (عظيما) او كان استعدادا للسبت، اي انه ليس سبتا مثل اي سبت عادي، بل هو سبت عظيم- بمعنى انه ndash; من سبوت الاعياد وليس يوما عاديا Saturday
وحسب هذا التفسير فان المسيح قد صلب قبل هذا الــ Sabath الهام والعظيم وغير العادي بالنسبة لليهود، فهل كان هذا اليوم هو (الجمعة)، هذا ماسوف نناقشه بالتفصيل لاحقا، ولكن من الواضح ان هذا السبت العظيم هو عيد الفصح الذي يحتفل به اليهود لمدة سبعة أيام كاملة ( ويسمى بداية الاحتفال سبتا او محفلا ) مهما كان اسم اليوم الاسبوعي.

بقي أن نوضح النقطة الاخيرة

كيف سارت الاحداث في الاسبوع الأخير الذي تم فيه الصلب متزامنة مع عيد الفصح.

وهذا سوف نستكمله في الجزء الثاني من المقال ndash; ان شاء الرب وعشنا.

ميلاد عبدالمسيح
[email protected]