توفي مؤسس الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين د. جورج حبش قبل ايام في الاردن دون ان تهتم الصحافة الايرانية بهذا الحدث كما هو شأنه، و ذلك خلافا لتأثير جورج حبش على الاوساط المثقفة و اليسار الايراني في السبعينات من القرن المنصرم. وكان لجورج حبش و شخصيته الكاريزمية تأثيرا بالغا على المثقفين في ايران آنذاك.


فقد التقيت الحكيم في سبتمبر 1995 في دمشق حيث كان في السبعين من عمره. كما التقيت في ذلك الوقت بزعيم حركة الجهاد الاسلامي الشهيد فتحي الشقاقي و امين عام الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين نايف حواتمه حيث نشرت حواراتي معهم في صحيفة quot;همشهريquot; الايرانية انذاك.
فقد كان لشخصية الحكيم وقع آخر في نفسي رغم مرورعقدين من الزمن على تلك الفترة المشفوعة بالثورية و اليسارية حيث كان جيلي من الشباب الايراني يعيش ظروف راديكالية تبشر بثورة مقبلة ضد الشاه.


لم يسمح جهاز الاستخبارات في العهد الملكي (السافاك) للصحف الايرانية الا بنشر صورة اكليشية واحدة لجورج حبش مشفوعة عادة ببعض السباب والشتائم ضده. و قد كان ذلك يتم بأمر من الشاه نفسه لكرهه الشديد للحكيم.
فقد تحدثت مع جورج حبش في شتى الامور بما فيها حركة القوميين العرب و اتفاق اوسلو و جمال عبدالناصر الذي كان يتحدث عنه بشجون. فقد سألته عن الفصائل الفلسطينية و منها حماس حيث اعترف لي بانها- اي حماس - اخذت تأخذ مكانة الجبهة الشعبية في منافسة حركة الفتح و تكهن بانها ستصبح اقوى فصيل فلسطيني.


منذ انبثاق الثورة الفلسطينية في اواسط الستينات من القرن الماضي كان هناك تفاعل نضالي بين الفصائل الفلسطينية من جهة و القوى الثورية الايرانية من جهة اخرى. اي ان الامر لم يقتصر على الفترة التي تلت قيام الثورة الاسلامية في ايران بل سبقتها باعوام. حيث يمكننا القول بان الثورة الفلسطينية تعد العامل الخارجي الأهم في قيام الثورة في ايران وهي مدينة للثورة الفلسطينية، و ما نشاهده من مساندات ومساعدات لهذه الثورة هو نوع من عرفان الجميل. لكن خلافا لما كان قبل قيام الثورة الايرانية، استأثرت السلطة الاسلامية بهذه المساندات و حرمت الشخصيات و القوى الاخرى ndash; وخاصة اليسار الذي بدأ يعزز مواقعه خلال الاعوام الماضية ndash; من دعم الثورة الفلسطينية بشكل مستقل. وهذا بالطبع سيلحق الضرر بشعبية الثورة الفلسطينية في ايران، خاصة بين القوى السياسية المعارضة والطلاب و المثقفين.
بعد انطلاقة الثورة الفلسطينة، اخذ الثوريون الايرانيون يتوجهون الى معسكراتها في الاردن و من ثم في لبنان. حيث كان الماركسيون
و اليساريون الراغبون للتعرف على افكار جورج حبش يتدربون في معسكرات الجبهة الشعبية، و الاسلاميون المنتسبون لمنظمة مجاهدي خلق و مناصرو اية الله الخميني يذهبون الى حركة فتح بزعامة ابوعمار حيث لم يكن أثرا انذاك لحركتي حماس والجهاد.
و وقد وطدت منظمة فدائيي الشعب، التي كانت تخوض كفاحا مسلحا وحرب عصابات ضد الشاه وتقترب فكريا مع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وطدت علاقاتها مع هذه الجبهة، حيث كانت صور الحكيم ndash; الى جانب صور جيفارا وسائر الثوريين اليساريين - تغطي مكاتب هذه المنظمة بعد قيام الثورة الاسلامية.


وقد اعتقل نظام الشاه مجموعة يسارية توصف بمجموعة quot; فلسطينquot; في العام 1969 تضم العشرات من القانونيين و الجامعيين كانوا ينوون الالتحاق بالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، حيث انفجر خبر اعتقالهم كالقنبلة في ايران و العالم انذاك و حكم على معظمهم بالحبس المؤبد ولم يخرجوا من السجون الا عشية الثورة الاسلامية عام 1978. كما استشهد العديد من الايرانيين ndash; خاصة المنتمين الى الجبهة الشعبية - في عمليات فدائية تمت في الاردن و لبنان، بل و حتى في داخل الاراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948.
فعلاوة على اليسار الفلسطيني و العربي كانت الجبهة الشعبية تضم اليسار الايراني و الكردي ( كجلال الطالباني) و ثوار امريكا اللاتينية و الفيالق الحمراء من اوروبا و اليابان حيث كان الجميع يعتبر نفسه تلميذا في مدرسة جورج حبش النضالية.
وقد حولت الثورة الايرانية سفارة اسرائيل ndash; الحليف الاساسي للشاه ndash; الى سفارة فلسطين وعززت السلطة الجديدة بذلك علاقاتها مع منظمة التحرير الفلسطينية. لكن بعد ظهور حركتي حماس و الجهاد الاسلامي اهملت الحكومة الايرانية فصائل منظمة التحرير الفلسطينية و منها الجبهة الشعبية دون ان تقطع علاقاتها معها.


وبعيد قيام الثورة الاسلامية ادعا محافظ اقليم خوزستان / الاهواز/ الجنرال احمد مدني، المعروف باتجاهاته القومية الفارسية ان جورج حبش دخل خلسة الى الاقليم و التقى سرا مع انفصاليين في هذا الاقليم الذي تقطنه اغلبية عربية. غيران الحكيم و في لقائي معه في دمشق، نفى هذه المزاعم قائلا: اذا كنت انوي زيارة ايران لذهبت الى طهران وليس للاهواز حيث كان لرفاقنا من اليسار الايراني نفوذ واسع هناك في تلك الاونة. ولم يزر الحكيم ايران بتاتا رغم الدعوات المتكررة التي وجهت اليه. ولما استفسرت من الشهيد ابوعلي مصطفى عن اسباب هذا الرفض قال لي ان للحكيم ملاحظات على السلطة الاسلامية بسبب قمعها لليسار الايراني و لذا لم يلب الدعوات التي وجهتها اليه الحكومات المتعاقبة.
وقد زار ايران ياسرعرفات مرتين (1979 و1997) و نايف حواتمه مرة ( 2006) و زعماء حماس و الجهاد و الجبهة الشعبية (القيادة العامة) عدة مرات؛ كما زارت طهران كوادر من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ndash; بما فيهم ليلى خالد و ماهر الطاهر - في بعض المناسبات الخاصة بالتضامن مع الثورة الفلسطينية.
وتبقى العلاقات وطيدة بين الثورتين الفلسطينية و الايرانية و بين الشعبين ايضا رغم كل ما تشوبها من امور وذلك بسبب العمق النضالي - التاريخي لهذه العلاقات.

يوسف عزيزي