قرار شيخ الأزهر الدكتور طنطاوي بمنع إرتداء النقاب في المعاهد الأزهريه قرار جيد وإن جاء متأخرا وبعد أن تجّذّرالكثير من الفكر الأصولي الوهابي في أعماق المجتمع المصري والعربي على السواء.. وبعد أن جذروا للخوف في قلب كل مسلم ولغوا العقل والضمير وروّجوا لأكثر المظاهر سلبيه للتدين. قلة الإنتاجيه ولفلفة المرأه لزيادة قمعها.. وإمتثلت شريحه كبيره من النساء لهذا الخوف بدون إعمال العقل ولا المنطق بأن الأصل في الخالق الرحمه.. وأن أساس الدين.. الحريه والعداله والمساواه.. وأصبحت ظاهرة إرتداء الحجاب والنقاب وتغطية الوجه موضة ترتبط بالمزايده والغلو في تعصب أعمى بين النساء. وخاصة نساء مصر اللواتي كنّ أول من نادى بحقوق وحرية المرأه في العالم العربي سابقا وقلدتهن النساء في بقية المنطقه العربيه للدور الرائد الكبير الذي حملته مصر في نهضة المرأه سابقا..يقابله تقدير عميق لحرصها على مصلحة المنطقه العربيه.. القرار أيضا مبتور.. لأنه اقتصر على منعه في المعاهد الأزهريه فقط.. بينما المنع يجب أن يصل إلى القطر المصري كله لقتل هذه الظاهره الدخيله ولتبدأ مصر بإستعادة دورها الحضاري في العالم العربي. ولتكون مرة أخرى منارة في تحرير الإنسان العربي والمرأه بالذات من كل أشكال الخوف..
سيدي القارىء والقارئه.. كتب الشيخ مصطفى محمد راشد في مجلة روز اليوسف في 20 مارس 2009.. بأن quot;quot;quot;الحجاب ليس فريضة إسلاميه.. لأنه لم يذكر لفظه في القرآن إطلاقا.. والمفسرون يخلطون بينه وبين الخمار والجلباب وغطاء الرأس.. والآية التي يتمسكون بها تخص زوجات النبي وحدهن quot;quot;quot;..
فلماذا المغالاة إذن ولبس البرقع بينما أن الحجاب نفسه ليس بفريضه.....
ما يحيرني.. إدعاء الإسلاميين بأن حشمة المرأه المتمثله في حجابها أو نقابها.. جاءت لتحرر المرأه.. ولتبرز الهويه الإسلاميه.. ولتعمل على الصحوة الإسلاميه..
وأسئلتي متعدده.. ولكني سأقتصرها على..
تحرير المرأه من ماذا.. من نفسها أم من ضعف الرجل الذي يبدو وكأنه فقد القدره على كبح جماح رغباته الجنسيه.. بعد أن حرم هو أيضا من الحريه.. ومن العمل.. ومن الحياة الكريمه في وطنه..وهل النقاب أو الحجاب لحمايتها أم لحماية الرجل من نفسه.. أم أن النقاب بذاته لحماية الأفكار السلفيه المتخلفه.. التي تنادي بالفصل التام والمطلق بين الجنسين بحيث لغت الإحساس الطبيعي في تساوي الجنسين وأججت لحب الإستطلاع بينهما ليصل إلى.. quot;quot;ما إجتمع رجل وإمرأه إلا وكان الشيطان بينهما quot;quot; وحالة غليان وكبت جنسي أدت إلى تزايد معدلات الجريمة والإغتصاب.. والخوف..

إبراز الهويه الإسلاميه..
للعلم فقط فإن أول من نادى بالحجاب كرمز للهويه هو الطبيب النفسي الفرنسي فرانز فانون خلال مشاركته في الثوره الجزائريه.. حين دعا النساء الجزائريات إلى التمسك بالحجاب كرمز للهويه المغايره عن هوية المستعمر الفرنسي كأسلوب إحتجاجي يدعم الثوره وإنتهت الحاجه لهذا الأسلوب الإحتجاجي بإستقلال الجزائر... وفي عالم اليوم المتواصل الإنفتاح والمعرفه.. والذي لا نستطيع فيه إخفاء أية عيوب.. أصبحت عيوب المنطقه العربيه وما تركد فيه من تخلف حضاري ساعد على تأصيله فقهاء الدين في التمييز بين المواطنين أنفسهم وبين الجنسين وفي خنوع المجتمع وطاعة أولي الأمر.. والفقر المدقع.. في مجتمع لا يجد فيه مواطنه فرصة عمل لم تعد الهويه لا الدينيه ولا القوميه هي الأساس بل.. بل إن الهويه إرتبطت بمدى إحترام الكرامة الإنسانيه.. تأمين لقمة عيشه للإنسان سواء في وطنه أم في أي جزء من هذا العالم هو الأساس.. وكلنا نعرف بأن الإنسان العربي محروم من هذه الكرامه في وطنه.. ونعلم أيضا بأنه لو فتحت سفارات الغرب الباب للهجره فسنجد 90% من الشعوب العربيه تتقدم بالطلبات (العشره الباقيه هي الطبقه الحاكمه ومواليها المستفيدون من الثروات الوطنيه ) ففي مجتمع لا تعمل حكوماته على تحقيق طموحات انسانها في حياة كريمه.. ولا تمثله في حكوماتها.. لأنها قصرت على النخب وتوارث هذه النخب.. في مجتمع طوّعه رجال الدين على إحترام هذه النخب برغم سرقتها لقوته.. ما قيمة أي هويه بدون الكرامه الإنسانيه.

أما أن لفلفة المرأة رمز للصحوة الإسلاميه..
فأتساءل هنا لماذا لم تأتي هذه الصحوه لتعيد بعض الحقوق للمرأه بدل تكميمها.. لماذا لم تتوخ هذه الصحوه تغيير القوانين المجحفه في حق المرأه.. كما في إنعدام العداله في تعدد الزوجات ونصيبها في الإرث ونقصان شهادتها وحقها في الطلاق.. لماذا جاءت هذه الصحوه لتسن قانون ( الخلع ) ينتهك حق المساواه التي هي الأصل في روح القوانين.. لماذا عملت هذه الصحوه على إرساء عدم المساواه بين النساء حين سنت هذا القانون..الذي يقتصر على الموسرات من النساء اللواتي يستطعن الإستفادة منه....
ثم لماذا يتركز مفهوم الفضيله والخطيئه في المجتمعات العربيه كلها بالمرأه وسلوكها.. لماذا تتركز مواصفات الشرف بأعضائها التناسليه فقط.. بينما يبقى الرجل والذي يقف وراء أكثر الخطايا التي قد ترتكبها المرأه حرا يعبث بمن يريد.. قد يكون.. سارقا.. وقد يكون مرتشيا.. وقد يكون كاذبا.. ولكن الشرف والمحافظة عليه تقتصر فقط على طول فستان المرأه.. وبالتالي يعمل الذكر والعائله والمجتمع على حمايتها.. باللفلفه وليس بإحقاق حقوقها؟؟

سيدي القارىء ذكرا كنت أم أنثى
ظاهرة النقاب والحجاب باتت تفرض نفسها للبحث والنقاش في البلاد العربيه والغربيه.. ومن الأفضل للمنطقه العربيه الخروج من حالة الدفاع المستميت عن ظاهرة دخيله على مجتمعاتها.. وترتبط بالإرهاب في مجتمعاتها وفي الخارج..
ففي الدول الغربيه.. بعد تفجيرات نيويورك ولندن ومدريد وبالي أصبح النقاب والحجاب مقياسا وتحديدا للأمن العالمي بل وأصبح rsquo;يرى كشعار سياسي إستعلائي يعمل على التفرقه والتمييز ورفض العيش المشترك بين مواطني الدول ورمز لرفض متشدد للحوار..ورمز لإستغلال الإسلام السياسي للمرأه بعد أن إرتبط الإسلام السياسي بالأصوليه والترويع والعنف..
ففي أميركا.. يراها المجتمع الأميركي الذي تعيش في وسطه وربما من ضرائبه.. أصوليه متزمته.. وفي أبسط الحالات.. غريبه..
وفي بلجيكا أظهر إستطلاع بأن 72% تؤيد حظر البرقع والنقاب.. وتعمل إحدى النائبات على مشروع قانون يقضي بفرض غرامه ماليه وأحكام بالسجن بين يوم وسبعة أيام على كل إمرأه ترتدي البرقع أو النقاب.
أما في فرنسا التي تفتخر بعلمانيتها.. والتي نجحت عام 2004 في إصدار قانون يمنع طالبات المدارس من إظهار أي من الرموز الدينيه كالحجاب والصليب والقلنسوة اليهوديه أو عمامة السيخ.. فإن المشرع الفرنسي قلق من تزايد ظاهرة النساء اللواتي يلبسن البرقع... والتصريح الأخير للرئيس الفرنسي بأن النقاب غير مرحب به في فرنسا يؤكد نية الحكومه الفرنسيه العمل على إصدار قوانين معينه كما أصدرت قانونها عام 2004.. وهل نعتقد بأن حكومات اوروبا كلها ستقف ساكته بعد تأكيد الرئيس السابق لمجلس مسلمي فرنسا بو بكر بأن التزايد في لبس البرقع يرتبط إرتباطا وثيقا بالإفراط والتحول نحو التشدد في الدين.
وفي أستراليا والتي يمثل المسلمون فيها نسبة 1.7 % رفض سائق الباص صعود إحدى المبرقعات تحت عذر الخوف والأمن خاصة بعد أن ظهرت مشاكل ذات طابع ديني فيها مؤخرا..
كل ما سبق يؤكد بأن الدول الغربيه كلها ستعمل إن آجلآ أم عاجلا على إصدار قوانين ضد لبسه مهما تعارضت في ذلك مع كفالتها للحريه الشخصيه.. فلا حريه حينما تهدد الأمن القومي.. فما بالك حين يكون فيها تهديد للأمن العالمي..
إن رفض البرقع في تلك الدول لا يعني رفض الإسلام كدين.. وإلا لما تساهلت هذه الدول في السماح بهجرة عدد كبير من المهاجرين المسلمين.. ولما سمحت ببناء الجوامع بمثل تلك الحريه سابقا.. فحرية العباده وحرية العقيده هما الأساس في ميثاق حقوق الإنسان الذي تتبناه هذه الدول.. ولكن رفض البرقع رفض لخط سياسي متطرف همه الأول عزل الذات وعزل الآخر..
أما في الدول العربيه.. فقد أدى التشدد في لبس البرقع والحجاب والفصل بين الجنسين إلى حالة متفاقمه من الكبت الجنسي أدت إلى زيادة معدلات جرائم الإغتصاب مما أدى إلى تسارع فقهاء الدين بتحليل زواجات زادت من دونية المرأه وحقّرتها حين جعلتها مجرد جسد ليرضي شهوات الرجل. بدون حق إنساني ولا مادي.. كما في زواج المسيار..
إضافة أننا لا نستطيع إنكار الحقيقه الهامه.. وهو أن النقاب حرمها من حريتها حتى في إتخاذ أبسط القرارات المتعلقه بمدى راحتها في المشي والنظر إلى العالم حولها..

سيدي القارىء والقارئه المصري والعربي
إذا كنا سنؤكد للعالم بأن الدين صالح لكل زمان ومكان.. أليس من واجبنا أن نؤكد صلاح الدين وعدم تهديده لأمن أبنائنا وأمن العالم من حولنا..؟؟
..إذا كنا ندّعي بأن الدين يسر وليس عسر.. أليس من الواجب أن نيسر في الدين.. حظر البرقع لدواعي أمنيه وحماية أبنائنا أهم ما نيسر به الدين ونغير به صورة الدين..
نعم حرية الملبس بما فيها النقاب والحجاب تدخل في مبدأ حقوق الحرية الشخصيه وأنا لا أهتم ولا أعارض الحجاب.... ولكن حينما تتعدى هذه الحرية على حقوق الآخرين في حقهم في الأمن كما في حالة لبس النقاب فإن على الدوله التدخل هنا لحظرها.. وليس الدخول مرة أخرى في فتاوي عقيمه تستهلك القسط الكبر من قدرة الإنسان العربي على التركيز بين متناقضات فقهاء الدين.. الأديان كلها حثت المرأه على الحشمه في الملبس وفي التعامل.. ولكن أي من هذه الديانات لم تصل إلى درجة القهر والتزمت التي وصل إليهاإسلام المتزمتينفي معاملته للمرأه وجعلها عورة.. وتلفيفها.
نعم.. المسؤوليه تقع على عاتق فقهاء الدين كلهم.. في تغيير ما أفتوا به سابقا بحجج جديده ترتكز على المنطق والعقل بما فيها إعادة الإحترام للدين.. في مراعاة الأمن العالمي.

باحثه وناشطه في حقوق الإنسان ndash; لندن
.