منير بولعيش من طنجة: عن منشورات الأدبية أصدر الشاعر عبد الكريم الطبال مؤخرا ديوانا شعريا جديدا معنونا ب (موال أندلسي) و عبد الكريم الطبال واحد من أهم الشعراء الذين لازالوا و منذ عقود يؤثثون المشهد الشعري المغربي بفضل تراكماته الجمالية التي وصلت بعد صدور هذا الديوان إلى خمس عشرة عملا شعريا نذكر منهم (البستان ــ الأشياء المنكسرة ــ عابر سبيل ــ بعد الجلبة... ).
و تأتي هذه المجموعة في الواقع كامتداد أصيل لتجربة (عبد الكريم الطبال) المتميزة بأبعادها الروحانية و مكابداتها الجوانية:
(يا الله
يا المانح أجنحة للريح
امنحني ثانية
لا تشبه ثانية الوقت
و لا ثانية الموت
أنسى فيها
صخب الأحياء
و صمت الموت
أذكر فيها ما لا يمكن:
من موسيقى عالقة
بالبحر
تنورسني
فأرددها
في الحل و الترحال) ص10
و رغم أن المعجم الطبيعي بتفرعاته المختلفة يبقى هو السمة المهيمنة على مجمل قصائد هذا الديوان: (خميلة ــ ضباب ــ رذاذ ــ سنابل ــ ياسمين ــ أرض ــ ريح ــ ماء ــ بحر... ) إلا أن استثمار هذا المعجم يأتي أيضا في خدمة الغرض الأكبر الذي يشغل الذات الشاعرة و هو الهم الصوفي و التجربة الباطنية، رغم أن التوظيف الثر لهذا المعجم يشي ببعد رومانسي دفين يسكن الشاعر و هو الأمر الذي يتجلى بوضوح في أغلب قصائد هذه الأضمومة الشعرية:
(يا وشاحا من دم
يا صقيعا في الحجر
يا نحيبا لا يغيب
أنت تابوت
لطير نسى العش
و بئر لدموع العابرين
و غيم
يحجب الناي عن النهر
و سور بين ورد و فراشة ) ص 23
و مع أن الطابع الذاتي الصرف يبقى هو الخصيصة الأبرز التي تسم جل قصائد هذا الديوان، إلا أننا لا نعدم مع ذلك اقترابا نبيلا من قضايا تخص الآخر (الموضوع)، و هو الإقتراب الذي يذكرنا في الواقع بأجواء الديوان الأول لعبد الكريم الطبال: (الطريق إلى الإنسان) و هو ما يتمظهر هنا في استحضار بعض أسماء شعراء الرفض و الحرية الأليفين عند الشاعر كمثل(فدريكو غارسيا لوركا و رفائيل ألبرتي) في قصيدة (نشيد البحر) أو قصيدته الجميلة (صنوبرة شماء) المهداة للمناضلة المغربية المعروفة (الأم فاما):
(يا سيدتي
يا أم الأولاد الآتين
من المستقبل
من سيدق على الأبواب السبعة؟
من سيكون رسولا
بين الأولاد العشاق
و بين الوطن المعشوق )ص 34
و يبقى من الواجب الإشارة إلى أنه و رغم المسلك الخاص الذي عرف به الشاعر و تميز به، إلا أننا نلاحظ مع ذلك وجود بعض التناصات الجمالية المفترضة دائما في تجربة أي شاعر، خاصة قصيدة (عابرون) و تقاطعها مع قصيدة (جمال العابر) للشاعر اللبناني المقيم في أستراليا وديع سعادة: (قاطعُ المكان وقاطع الوقت بخفَّةٍ لا تترك للمكان أن يسبيه ولا للوقت أن يذرّيه..) رغم المعنى و المنحى المختلفين اللذين شاءهما عبد الكر يم الطبال أن يكونا لقصيدته:
(هم هكذا
لا يعشقون سوى الرياح
و لا يطيقون الإقامة
في الزمان و لا المكان
هم هكذا
غجر بلا أرض
و لا نسب
سوى نسب التراب ) ص 61
ديوان (موال أندلسي ) هو نزهة شفافة في أفق أزرق، أفق يجترح أبعاده التأويلية الشاعر (عبد الكريم الطبال) و هو يترحل بين المقامات و الأحوال، بلغة مقدودة من الأبهى و الأنقى، في سفر لانهائي يطلب وجه المطلق و لا يرتجي راحة و لا وصولا:
(أيها الساري
في اللجة
لا تسرع كالريح
فهنا بين الضفة و الضفة
موسيقى واحدة
فلنصغ إليها
هي سلمنا الواحد للشمس
يا أسراب البرق
و يا مرتحلين إلى البحر ) ص59