نصر جميل شعث من غزة: ما الذي حدث بخصوص المختارات الشعرية الأردنية - الفلسطينية المشتركة الصادرة في العدد 114 من quot;كتاب في جريدةquot; في شياط (فبراير) 200؟ هذا هو التساؤل الاحتجاجي الذي سارع بطرحه عليّ ndash; عبر الهاتف - بعض الشعراء من قطاع غزة والضفة الغربية المحتلين. ولنا الحقّ كلنا في هذه الأرض المحتلة أن نتساءل؛ فلم تتضمن مختارات هذا الكتاب -وإن قدّم أصحاب الأمر في غلاف الإصدار ومقدمته فلسطين على الأردن- سوى قصائد لأربعة شعراء هم: كاتب هذه السطور وخالد جمعة من قطاع غزة، ونجوان درويش من القدس المحتلة، وبشير شلش من عرابة داخل أراضي الـ48. وأما معظم الأسماء فجاءت أردنية التسمية وفلسطينية الأصل، إلا أنها في نهاية المطاف رضيت أن توقّع باسم الأردن لاعتبارات سياسية كيانية أو نفعية تتعلق بإفادة الشاعر أو الناقد- كفخري صالح- من امتيازات أردنية مؤسساتية تتعلق بالإقامة وفائدة تمثيل البلد في مهرجانات شعرية وفعاليات ثقافية، حيث هناك يخفي الفلسطيني فلسطينيته ويؤكد على أردنيته. وكنت قد لمست هذا ليس من شاعر أردني التوقيع وحسب، لكن من فلسطينيّ اقتضت الظروف أن نكون معًا في غرفة بالإيجار مع شاب سوري، في إمارة دبي. كان الرجل الفلسطيني يعرّف نفسه بالأردني، وفيما الشابّ السوري يؤكد لي بالوشوشة: إنّ الأردنيَّ فلسطينيُّ الأصل والقرية!!
هنا، في هذه المختارات ألمس الشيءَ نفسه، إذ أقرأ الآن لعدد من الشعراء يعرّفون أنفسهم بأنهم أردنيون، وفي انطولوجيا الشعر الفلسطيني الصادرة قبل شهرين في الجزائر، مثلا، هم ذاتهم فيها شعراء فلسطينيون! هي، إذا، لعبة إعلامية للإفادة من المنابر!
إذن، وفي ضوء هدف مشروع quot;كتاب في جريدةquot; القائل بنشر وإيصال المعرفة الدقيقة للقارئ العربي، أتساءل: على من تقع مسؤولية عدم تبني الدقة واللعب على الحبلين وإلحاق الشعر الفلسطيني ndash;المؤثر منذ نصف قرن ويزيد- بالشعر الأردني، بذريعة التداخل التاريخي بين فلسطين والأردن، على حد تعبير مقدمة المختارات التي اشترك في تقديمها وإعدادها الشاعر الأردني الأصل والفلسطيني الإيمان والانشغال: أمجد ناصر، والناقد الفلسطيني الأصل والأردني المؤسسة: فخري صالح؟ من صاحب فكرة التظاهرة الاحتفالية بالشعر الأردني على حساب الشعر الفلسطيني؟ لا أريد في هذه المقالة إثارة نزعات نرجسية. ولكنني، في الوقت ذاته، أقول: إنّ الشعر الفلسطيني استطاع أن يكون مستقلاً ومؤثرًا في خارطة الشعر العربي؛ بالرغم من انطلاقه من تجربة الأرض المسلوبة والقيادة المتأثرة بسياسات العواصم والأقاليم وخرائط التاريخ والسياسة!
عندما راسلني الشاعر أمجد ناصر قبل عدة أشهر، لأرشح له، من غزة، بعضَ الأصوات من القطاع والضفة الغربية وفلسطين التاريخية؛ قال لي أنه يريد نصوصًا قوية لأصوات لم تنل حظها من الظهور للقارئ العربي، وأنه يريدها محتارات صادمة ومدهشة من داخل الأراضي الفلسطينية؛ غير مكترث للعنات التي قد تطاردنا من الشعراء المكرسين! فما كان مني إلا تزويده بقصائد سهرتُ الليالي الغزاوية لاختيارها من مجاميع ومخطوطات لشعراء من الضفة الغربية وقطاع غزة والثمانية والأربعين. وقد وصلت الليالي الطوال بالنهارات المتشظية، منذ سنوات، وأنا أضيء وأشير، بفرحة، على ما يجري على القصيدة الفلسطينية من تطوّر يسخر من التنميط والنمذجة ومن صراخ مفردات المقاومة والتسجيلات القتالية والسياسية العريضة، ويتخلى عنها!
الآن وقد تلقيت صدور كتاب في جريدة بعنوانه العريض: (ديوان الشعر العربي في الربع الأخير من القرن العشرين ndash; فلسطين والأردن) لا أجد إلا قصائد لأربعة شعراء فقط من فلسطين الجغرافية. فهل هذا يعبّر أو حتى يشير إشارة صحفية خاطفة عن الشعر الفلسطيني. لا.
أما ورود اسمي في المحتارات، فلم يبرؤني من تهمة علاقتي الطبية مع أمجد ناصر! ولكنني كنت أكثر صدمة من غيري وأنا أقرأ الضربة الاقصائية المقصودة للقصيدة الفلسطينيةِ النمو والرقص في المجال الفلسطيني المحتلّ. البعض يقول هناك شعراء فلسطينيون الأصل والظروف حكمت عليهم بأن يكونوا أردنيين. أنا أقول لا. يجب فك الارتباط بين الأردن وفلسطين، بالتوضيح التاريخي الجمالي ووضع النقاط على الحروف. كان يجب أن ينتبه مؤسس مشروع كتاب في جريدة شوقي عبد الأمير لاستقلالية الشعر الفلسطيني وخصوصيته وتأثيراته، أن ينتبه لجغرافيا فلسطين بوصفها المجال الحيوي والجمالي للقصيدة الناضجة المكتوبة في حالة الوطن اللامستقرة. الأردن بشعرائه الأصليين والفلسطينيين اللاجئين يعيش حالة من الاستقرار. وانتظرنا أن تخرج أصوات أردنية صافية رافضة لسياسة الدمج ومطالبة بالاستقلال والتحرر من الشعر الفلسطيني. مثلما هنا أصوات فلسطينية محتجة وتطالب باستقلالها في quot;مشروع كتاب في جريدةquot; وغيره ؛ لأن ثمة فروقا وخلفيات واقعية وجمالية بين قصيدة فلسطينية مجالها الحيوي قطاع غزة والضفة الغربية وأراضي الـ 48، حيث تقف وتمرّ القصيدة من أمام الحواجز الإسرائيلية، قصيدة تفكّر في غموض سرّة امرأة وراء الجينز الأزرق أو العباءة السوداء، وقصيدة تنظر في رقصات النعناع البلدي قبالة ضريح على هامش الحقل الفلسطيني أو وسط الحاكورة؛ وبين قصيدة يكتبها شاعر أردني أو فلسطيني في الأردن البلد المتمتع بحالة استقرار!