جائزة بوكر للرواية العربية تعود إلى بهاء طاهر
عن روايتهquot;واحة الغروبquot;

عبداللطيف الوراري: بعد كثيرٍ من الجدل الذي بلغ حدّ السِّباب والاتّهامات والْخِلافات داخل اللّجنة وخارجها لمْ يهدأ حتّى السّاعة، خطفت رواية الكاتب والرّوائيّ المصري quot;واحة الغروبquot; جائزة بوكر للرّواية العربيّة من بيْن خمْس رواياتٍ وصلت إلى التصفيات النّهائية هي quot;مديح الكراهيةquot; للسوري خالد خليفة، و quot;مطر حزيرانquot; للبناني جبور الدويهي، وquot;تغريدة البجعةquot; للمصري مكاوي سعيد، وquot;أرض اليمبوسquot; للأردني إلياس فركوح، و quot;أنتعل الغبار وأمشيquot; للبنانية مي منسي، الّتي اختيرت، بدورها، من أصل 131 رواية كتبها روائيّون من جنسيّات مختلفة.
في روايته الجديدةlaquo;واحة الغروبraquo;، التي لاقت نجاحاً جماهيريّاً واستحساناً نقديّاً عقب صُدورها، يعود بهاء طاهر(1935 ـ ) إلى نهايات القرن التاسع عشر، ولا سيّما زمن ما بعد تمرّد عُرابي وسُقوط مصر تحت الاحتلال الانكليزي، بادِئاً إيّاها بخبر نقل ضابط البوليس المصري محمود عبدالظاهر، الّذي كان يعيش حياةً لاهيةً بيْن الحاناتِ وبناتِ اللّيل، مأموراً جديداً إلى واحة سيوة المتمرّدة والرّافضة أنْ تدفع الضّرائب لِلسّلطات المركزيّة في القاهرة، وذلك بعد أنْ شكّت هذه الأخيرة فى تعاطفه مع الأفكار الثّورية للدّاعية المصلح جمال الدين الأفغاني، والسياسي الثّائر أحمد عرابى, وعقاباً له على موقفه الوطني من الاحتلال.وهكذا اصطحب البطل معه زوْجته الأيرلندية كاثرين الشّغوفة بالآثار، والّتى تبحث، في سياق اهتِمامها بالحضارات القديمة ولا سيّما المصرية، عن مقبرة الإسكندر الأكبر، قبْل أنْ يجدا نفسيْهِما في عالمٍ جديدٍ شديد التّعقيد يُجْبرهما على مواجهتِه أهْلُ الواحة كمُجْتمعٍ ريفيّ مغلقٍ، فى زمنٍ اختلطت فيه الانتهازية بالخيانة، والرغبة بالحب والبطولة. وفي خضمّ ذلك العالَم، تتبدّل مصائر الشّخصيات الرّوائيّة من محمود وكاثرين وصابر ويحيى وغيرهم من إنكليز ومصريين وشرقيين ومغاربة في الواحة، ويتغيّر وعْيُها بما يجري حوْلها وهي تواجِه الاغتراب والتشرذم إلّا القدّيسة فيونا. وممّا قالتْه كاثرين في الأنْفاس الأخيرة من quot;واحة الغروبquot;: (كِلانا تغيّر في هذه الواحة، لكنْ لماذا لايكون الأمر هو العكس؟ لماذا لايكون كِلانا في هذه الواحة قد وجد حقيقته؟).
من هُنا، تعكس أحداث الرواية امتزاج التّاريخ بالواقع بشكْلٍ يعبّر عن هموم الواقِع وإكْراهاتِه، كما يقدّم تجْربة العلاقة المتوتّرة بين الشرق والغرب.وفي هذا السياق، لا يخرج بهاء طاهر عن الموضوعات الأثيرة لديه في كتاباتِه الرّوائيّة من مثل 'أنا الملك جئت' و'قالت ضحى' و'ذهبت إلى شلال'وغيرها، الّتي تُعيد طرح الأسئلة القديمة، لكن الملحّة الّتي لا تزال تبْحث لنفْسها عن أجوبةٍ مُغايرة في سيْرورة تجدّد العلاقات وتشابكِها الدّائميْن مِنْ مثل علاقة المثقف بالسلطة، وآثار التحولات الاجتماعية علي المجتمع المصري، وعلاقة الشرق والغرب.
وتُعدّ quot;واحة الغروبquot;، الّتي صدرت العام الفائِت بطبعتيْن عن داريْ نشر مصريّتين، هي العمل الأدبي السّابع لبهاء طاهر أبرز كتّاب جيل الستينات في مصر، لكنّها الْأحبّ إليْه، والأشقّ أيْضاً، بعد أنْ بذَل جهْدا كبيراً بيْن السّفر إلى واحة سيوة التي تبعد عن القاهرة 130 كيلومتراً، والإقامة فيها لفترة للتعرّف عنْ كثب إلى الناس في عاداتهم وثقافتهم وتفاصيل يومِهم، مِثلما اقتضت منه العودة إلى مراجع تاريخية عديدة، لأن التّاريخ يشغل حيّزاً مهمّاً من ذاكِرتها النصّية والتخييليّة.
وبلا شكّ، تستحقّ جائزة البوكر الرّواية لأنّها صاحبها صاحِب مشْروعٍ سرديّ وجماليّ وثقافيّ ما فتئ يُغنيه، ويفتحه على الأسئلة المركّبة للتّاريخ، اللّغة والثّقافة.وهي، بدورها، لبنة جديدة في صرْح أدب بهاء طاهر المتجدّد، بلْ هناك من يعتبرها ذرْوته.
ولا شكّ، أيْضاً، أنّ الجائزة الّتي تُمنح للمرّة الأولى لروائيّ عربيّ سوْف تُتيح لِلْعمل نافذة على العالميّة بعد أنْ تُترجم إلى الإنكليزية والفرنسية والألمانية والإسبانية والإيطالية، ورصيداً من الْمال لبهاء طاهر النّحيف، المتحفّظ، الهادئ وأسمر البشرة الّذي ينْحدر من أُصولٍ صعيديّة.
وقدْ أُثير حولquot;البوكر العربيّةquot;، منذ الإعْلان عنْها، الجدل الكبير بيْن أوساط الكتّاب والمهتمّين، منه ما همّ تغييب بعض البلدان العربيّة من الفوز بالجائزة رغم تجاربها المتميّزة مثل العراق وتونس والسعودية والمغرب، ومصداقيّة لجنة التّحكيم وكفاءتها وتخصصها وما في حُكْم ذلك، وخرج الأمر إلى ردود أقْوالٍ متشنّجة وانفعاليّة لتصفية حساباتٍ مُديرين ظهورَهم لمُناقشة الرّوايات المرشّحة أصْلاً، وقياس جماليّاتِها في محكّ الرّواية العربيّة وراهنِها.
ويُذْكر أنّ جائزة laquo;البوكر العربيةraquo; أوlaquo;الجائزة الدولية للرواية العربيةraquo; IPAF، هي النّسخة الأجنبية الثالثة من جائزة بوكر البريطانية التي تأسّست قبل 40 عاماً، وترْعاها مؤسسة الإمارات في أبوظبي.