خصخصة المياه الكارثة المقبلة على الدول النامية


بهاء حمزة من دبي


اكد تقرير دولي أن الماء سيتحول خلال هذا القرن إلى أهم مادة خام وقد يفوق التنافس عليه الصراع من أجل النفط أو أي من المعادن الثمينة والثروات الطبيعية الأخرى، وما يعزز هذا التوجه أن مؤسسات التمويل الدولية تضغط على الدول النامية لخصخصة المياه العذبة وتحويلها لسلعة في السوق تحت زعم المحافظة على هذا المورد واستعماله بشكل رشيد دون النظر إلى الأبعاد الاجتماعية والصحية.


وتكمن خطورة تحويل الماء إلى سلعة في أنها ستصبح خاضعة لقواعد العرض والطلب مما سيرفع ثمنها وهو ما يعرض فئات مجتمعية فقيرة للخطر فقد لا تستطيع شراء كوب من الماء تحصل عليه الآن إما مجانا أو بمقابل رمزي حيث تتحمل الحكومات معظم تكلفة توصيل المياه النقية للمجتمع على اعتبار أنه حق إنساني كفلته المواثيق الدولية.


ولأن الأمر يتعلق بمورد لا يمكن لأي إنسان أن يستغني عنه فقد جاءت استجابة حكومات الدول النامية لمطالب المؤسسات الدولية بخصخصة المياه -كجزء من تحرير قطاع الخدمات- ضعيفة ومترددة.
ففي بعض الدول الآسيوية سمح للقطاع الخاص بتنفيذ بعض مشاريع مائية مثل محطات التحلية أما في البعض الآخر فهناك شركات غربية بدأت تدخل في مشاريع المياه و ما زالت القضية في البعض الآخر في اطار البحث والدراسة لا سيما أن معظم هذه البلدان بها كثافة سكانية عالية ومستوى دخل منخفض قد لا يمكن كثيرا من الأفراد من شراء المياه حال خصخصتها.


ويبدو أن المستفيد من هذا الدفع العالمي للدول النامية لخصخصة الماء والمحرك الأكبر لهذه القضية هي كبريات الشركات الدولية التي بدأت تضع الماء أو كما يسميه البعض quot;الذهب الأزرقquot; داخل دائرة اهتماماتها وحولته بالفعل إلى سلعة من خلال تصدير أزمة المياه بأشكال مختلفة.


ويؤرخ المؤتمر الدولي للماء الذي عُقد عام 2000 في هولندا بداية تحويل الماء من مورد طبيعي متاح للجميع إلى سلعة تجارية وهو ما يعني فتح الباب على مصراعيه أمام الشركات العملاقة لاستغلال الحاجة الماسة إلى واحد من أهم ضرورات الحياة وبالتالي حصولها على أرباح خيالية ومضمونة دون مراعاة حقوق البشر في الحصول على مياه نظيفة.


وقد أيدت مفاوضات منظمة التجارة العالمية هذا التوجه خلال جولة الدوحة في عام 2001 حيث دعمت فتح الباب أمام القطاع الخاص للدخول في مجالات الخدمات العامة مثل المواصلات والاتصالات والطاقة والماء بغض النظر عن خصوصيات الدول أو أهمية تلك المجالات في حياة المواطن العادي.


وإذا كان الاتحاد الأوربي قد أقر بأن الماء سلعة يمكن للشركات الخاصة أن تتعامل فيها كأي سلعة أخرى فهو يدرك أن لديه أجهزة رقابة قوية قادرة على ردع تلك الشركات إذا أخلت بواجباتها سواء من ناحية الأسعار أو النوعية.


كما أن المواطن في الدول الديمقراطية يمكنه الاعتراض على خدمات تلك الشركات إذا ما أحس بتقصير أو سوء في الخدمات. هذا بغض النظر عن أن بلدان الاتحاد الأوربي لا تعاني أصلا من شح المياه مثل إفريقيا أو بعض بلدان الشرق الأوسط مثلا كما أن ارتفاع مستوى المعيشة في الدول الأوربية يجعل المواطن لا يحس بالفارق المادي سواء استهلك ماء من الصنبور أو اشتراه معبئا.


في المقابل فإن المستهلك في الدول النامية لا يمكنه فعل ذلك بسبب البيروقراطية وعجز منظمات المجتمع المدني في تلك الدول عن الوقوف في وجه أي استغلال سافر لشركات بيع المياه؛ وهو ما يعني في النهاية أن المواطن في تلك الدول لا يوجد لديه إلا خياران إما الموت عطشا أو مرضا بسبب الماء غير النقي أو أن يدفع ثمن بقائه على قيد الحياة في سلعة من المفترض أن يحصل عليها مجانا أو بمقابل رمزي.


ومن أبرز الشركات التي اقتحمت تجارة الماء بلا هوادة الفرنسيتان فيفيندي وسويز ونستله السويسرية والألمانية quot;آر دبليو إيquot; التي دخلت الحلبة تحت أكثر من اسم وإذا كانت شركة مثل نستله السويسرية قد حققت في عام 2005 من التجارة في الماء 5 مليارات دولار فإن خبراء الاقتصاد يقولون بأن مثل تلك الأرباح تستحق اقتحام هذا المجال والإنفاق مسبقا فيه فالمادة الخام -أي الماء- يمكن الحصول عليها بأرخص الأسعار وتعبئته بعد تنقيته لا تكلف الكثير أما المستهلك فسيدفع الثمن طوعا أو كراهية.


وما من شك في أن الرأسمالية المستغلة لا تنظر إلى الصالح العام بقدر ما تنظر إلى العائد من الأرباح فالمشكلة تكمن في الدول النامية التي تفتح الباب على مصراعيه أمام تلك الشركات دون إلزامها مثلا بدعم عمليات تطهير المياه المستعملة أو تخصيص جزء من أرباحها الخيالية لصالح تنمية موارد جديدة للماء يمكن للعامة الاستفادة منها.


فطبقا لتقارير البنك الدولي خلال عام 2005 يحتاج العالم إلى 180 مليار دولار سنويا لتوفير الماء الصالح للشرب بينما لا يتوفر سوى ما بين 60 و80 مليار دولار أي أقل من نصف المبلغ المفروض وتقع الدول النامية بالطبع ضحية ذلك النقص.