د. عبدالله بن عبدالمحسن الفرج
من الصعب فهم ما يجري في سوق النفط العالمية دون تحليل العوامل المؤثرة في تلك السوق والتي تدفع بدورها إلى ارتفاع الذهب الأسود. فالنفط رغم كل الخصائص التي يتمتع بها - باعتباره: أولاً سلة استراتيجية على غاية الأهمية لتطور الاقتصاد العالمي. ثانياً سلعة الطلب عليها قليل المرونة، وذلك على أساس أنها سلعة لا غنى عنها من ناحية وليس هناك بدليل يمكن أن يحل محلها فوراً من ناحية أخرى - يبقى في النهاية سلعة تتأثر أسعارها، شأنها في ذلك شأن بقية البضائع الأخرى، بحالة العرض والطلب عليها. ولذلك فمن المهم تحليل هذين الجانبين بصفة رئيسية لتوضيح أسباب ما نراه من توجه صاعد لأسعار الذهب الأسود في البورصات العالمية.
إن مراجعة عابرة للاستهلاك العالمي على النفط خلال الفترة الواقعة بين 2000- 2006م توضح أن الاستهلاك العالمي للنفط قد ارتفع من 76.7مليون برميل يومياً عام 2000م إلى ما يقارب 84.7مليون برميل يومياً عام 2006م، أي بزيادة نسبتها 10.4%. وهذه الزيادة أتت بصفة رئيسية ليس من الدول الصناعية المتطورة كما قد يتبادر للوهلة الأولى، بل من الدول النامية الصاعدة. فلو أخذنا الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي فإننا نلاحظ ارتفاع استهلاك البلد الأول خلال الفترة المذكورة من 19.7مليون برميل يومياً إلى 20.7مليون برميل يومياً، أي بنسبة 5%. أما الاتحاد الأوروبي فإن استهلاكه قد ارتفع من 15.9مليون برميل يومياً إلى 16.3مليون برميل يومياً على التوالي، أي بنسبة لا تزيد 2.5%. في المقابل فقد ارتفع استهلاك النفط في آسيا والمحيط من 20.8مليون برميل يومياً عام 2000م إلى 24.3مليون برميل يومياً عام 2006م، أي بنسبة 17% تقريباً. من ضمنها الصين التي ارتفع استهلاكها وحدها خلال الفترة المشار إليها من 4.8ملايين برميل يومياً إلى 7.3ملايين برميل يومياً، أي بنسبة 52%. مما يعني أن ارتفاع الطلب العالمي على النفط قد جاء بصفة رئيسية من البلدان الصناعية الجديدة في آسيا وعلى رأسهم الصين التي ينمو اقتصادها بوتائر عالية سنوياً.

ورغم ذلك فإن هذه الأرقام قد لا توضح وحدها بالكامل المشهد الذي يطل علينا ويدهشنا كل يوم في وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية عن أسعار النفط فحتى نشخص أسباب حمى الأسعار التي نرى تراقص أرقامها إلى الأعلى نحتاج، ربما إلى إلقاء الضوء على التقديرات العالمية للطلب على النفط حتى عام 2030م. فالتوقعات تشير إلى أن استهلاك الذهب الأسود سوف يرتفع، في أحسن الأحوال من 85مليون برميل يومياً في الوقت الراهن إلى 118مليون برميل يومياً، أي بنسبة 39% تقريباً. إذ أن هناك بعض التقديرات التي تشير إلى إمكانية ارتفاع الاستهلاك اليومي للنفط إلى أكثر من 130مليون برميل. وسوف يتركز الطلب على النفط في بلدان مثل الولايات المتحدة التي من المتوقع بحلول عام 2030م أن يرتفع استهلاكها له إلى 26.6مليون برميل يومياً وفي الصين سيرتفع استهلاكها إلى 15.7مليون برميل يومياً. كما سيتضاعف استهلاك الهند إلى 4.4ملايين برميل يومياً.

أما إذا نظرنا إلى امدادات النفط حتى عام 2030م، أي إلى جانب العرض، فإن المنظر معاكس لما هو عليه في حالة الطلب. فالتوقعات تشير إلى أن احتياطات العديد من بلدان العالم المنتجة خلال ال 23عاماً القادمة اما ستنضب أو ستتقلص. مما يعني أن الطلب المتزايد على النفط سوف لن يقابله عرض مناسب له.

ولذلك فإن سوق النفط العالمية، والحالة هذه، توفر البيئة المناسبة لنشاط المضاربين الذين يلعبون على تخوف العالم وخشيته من عدم كفاية احتياط العالم من النفط لتلبية الطلب المتزايد عليه في المستقبل. وهذا مضر لنا كبلد يملك أكبر احتياط للنفط في العالم 261مليار برميل، أي نحو 25% من إجمالي احتياط النفط في العالم. كما أنه مضر لكافة بلدان الخليج التي تعوم شواطئها على أكبر بحيرة للنفط في هذه المعمورة. فنحن من مصلحتنا أن لا تشجع أسعار النفط المرتفعة على الاستثمار في مصادر الطاقة البديلة خلال السنوات المتبقية من عمر احتياط نفطنا الذي يقدر ب 80عاماً. كما أن سوقنا لا تحتاج إلى استيراد كل هذا التضخم الذي تضخه إلينا البلدان الصناعية كل يوم. كرد فعل على ارتفاع أسعار صادراتنا من النفط الخام إليها.