فيصل فاروق من الرياض:
تخطى معدل التضخم حاجز 4 في المئة في المملكة، وتتوقع مؤسسة النقد إستقرار معدلاته بالعام الحالي 2008 مما يعني تراجع القوة الشرائية للفرد والذي سينعكس بدوره على قدرته على الإدخار الذي هو أساس الاستثمار كما سيهتم المستهلك بشراء المواد الأساسية كالغذاء والدواء فقط، وابتعاده عن شراء السلع الكمالية وستقل مشاركته بأي مشاريع استثمارية تطرح للاكتتاب العام.
ويلاحظ ارتفاع أسعار السلع والخدمات بشكل كبير خلال السنة المنتهية الأمر الذي لم تفلح معه أي تدخلات من مؤسسة النقد المسؤولة عن السياسة النقدية، ولم تفلح وزارة المالية حتى الآن بترشيد الاتفاق الحكومي الذي يعتبر من العوامل المؤثرة بارتفاع معدلات التضخم، لأن خطط التنمية تتطلب المضي باستكمال مشاريع البنى التحتية الضرورية التي تنفذ الآن، وأصبحت احد أهم الخيارات المطروحة زيادة الرواتب للموظفين بالقطاع العام والخاص، إن لم يكن الخيار الوحيد فالارتفاع المستمر بأسعار السلع والخدمات مصدره ليس داخليا بل تتحكم به جملة من العوامل كانخفاض قيمة الدولار أمام العملات الرئيسة بالعالم وكون الريال مرتبط به منذ العام 1986.
تراجع سعر صرف الريال بالتبعية أمام عملات الدول التي تشكل ثلثي حجم الواردات للمملكة وكون الاقتصاد الأميركي دخل مرحلة ركود بحسب إعلان رئيس البنك الفيدرالي السيد برنابكي فمعنى ذلك توقع هبوط الدولار أكثر مما هو عليه الآن، وبالتالي سيضطر إلى المزيد من خفض أسعار الفائدة لتنشيط الاقتصاد.
وهذا الأمر الذي سيجعل مؤسسة النقد تلحق به حتى يبقى الربط بالدولار منطقيًا، مما يعني المزيد من التضخم وبالتالي انكماش إنفاق الفرد حتى يفي باحتياجاته الأساسية الأمر الذي سينعكس على معدلات النمو بل حتى علىإقفال العديد من المشاريع التجارية سواء بقطاع التجزئة أم غيره من المنشآت الاقتصادية وستخف معه دورة رأس المال، وبالتالي التحول إلى ركود اقتصادي، على الرغم من حجم السيولة الكبير التي ستبحث عن أماكن أخرى بالعالم لتستثمر بها.
ويعتمد الاقتصاد الكلي على الاقتصاد الجزئي الذي هو اقتصاد الفرد بالنهاية، وإذا كان بعض الاقتصاديين يعارضون رفع الرواتب كونها ستزيد من حدة التضخم، فإن بقاءها دون تغيير لن يؤثر كثيرًا على تخفيضه، لأن الأثر الخارجي يبدو كبيرا جدا وقد سارعت دول الخليج إلى رفع رواتب الموظفين كي يبقى الفرد قادرا على الإنفاق والادخار.
وكوننا نتشابه بالاعتماد على البترول، فإن تأخير رفع الرواتب انتظارًا لأي تطورات اقتصادية عالمية لن يغير من الواقع شيئًا بل سينعكس سلبًا على معدلات النمو الاقتصادي ومبررات بعض ممن يعارض الزيادة على أنها ستشكل عبئًا على الميزانية التي تعتمد على النفط بنسبة 85 في المئة ويبدون تخوفًا من انخفاض سعره مجددًا لم تعد منطقية، فوصول البترول إلى 100دولار يعني أننا لن نشاهد مجددًا أسعار منخفضة له، بل إن الدول الكبرى اقتصاديًا باتت مقتنعة بالأسعار العالية وتعتبر 70 إلى 80 دولار أسعارًا عادلة لهذه السلعة الحيوية ومعروف أن تقديرات أسعار النفط بالميزانية لا تتعدى 35 دولارًا، مما يعني أن العوائد ستبقى ضعف التقديرات القائمة، وبالتالي أصبح أمر زيادة الرواتب الخيار الوحيد لتعزيز قدرة الفرد على مواجهة احتياجاته وضرورة لبقاء مساهمته بالنمو الاقتصادي فعالة.

كما أن خطط التنمية يجب ألا تتوقف أو ترشد لأن فيها تأخيرًا لتحقيق معدلات نمو تفوق النمو السكاني الذي يصل إلى 3.4 في المئة سنويًا، بل إن تحفيز الاستثمار الداخلي ورفع الطاقات الإنتاجية لن يكون مجديًا إذا انكمش إنفاق الفرد، وبالتالي الأثر سيعود سلبًا حتى على المشاريع القائمة. فالتوجه الاستثماري يكون عادة إلى اقتصاديات نشطة على صعيد إنفاق الفرد.
وكوننا بحاجة لزيادة إنتاج السلع محليًا والتقليل من الاعتماد على الاستيراد لثلثي احتياجاتنا، فإن رفع دخل الفرد بنسبة توازي الانخفاض الحاصل لقيمة الدولار عالميًا والتي فاقت 35 في المئة خلال الأعوام الخمسة الأخيرة أصبح ضرورة، فلا يمكن قياس الأوضاع الاقتصادية عالميًا كما السابق، فنمو اقتصاديات دول كالصين والهند اللتين تشكلان ثلث العالم سكانيًا أسهم برفع أسعار السلع، ولن تعود بالتالي إلى مستوياتها السابقة نظرًا لتغير عادات الاستهلاك وزيادة القدرة الشرائية لمواطني تلك الدول، بدرجة أوصلت الصين إلى المستهلك رقم واحد عالميًا للكثير من المواد، وبالتالي إن البقاء على استخدام أدوات تقليدية لكبح جماح التضخم لن تجدي نفعًا، مما يعني أن دعم السلع وإتباع سياسات رفع احتياطيات البنوك لتقليص المعروض النقدي ذات اثر محدود، ولا بد من مواجهة الأثر الخارجي للتضخم بأثر داخلي يوازيه، ويبدو أن خيار زيادة الرواتب الحل الوحيد حاليًا أمام صانع السياسة النقدية بالمملكة.