في أحدث خطوة لمواجهة الأزمة الغذائية
الجزائر ترصد 2.5مليار دولار لدعم أسعار المواد الاستهلاكية الأساسية

كامل الشيرازي من الجزائر
أعلن وزير المالية الجزائري كريم جودي، الثلاثاء، عن تخصيص غلاف مالي بقيمة 160 مليار دينار جزائري ( بحدود 2.1 مليار دولار) لدعم أسعار المواد الاستهلاكية الأساسية، في خطوة وصفها خبراء بـquot;الاستباقيةquot; غداة تنامي المخاوف في البلاد من نشوب أزمة غداء، بعد ندرة القمح اللين بجانب انخفاض مخزون الجزائر من البقول الجافة والحليب والسكر، ما ادى إلى صعود أسعار المواد الغذائية في الجزائر إلى أعلى مستوياتها خلال الأربعة عشر شهرا المنقضية، بنسبة زادت عن 8.6 بالمئة، بينما تجاوزت نسبة الزيادة في المواد الغذائية الصناعية 13 بالمئة.
وقال المسؤول الجزائري في حديث للإذاعة الرسمية، إنّ الحكومة قررت دعم أسعار المواد الواسعة الاستهلاك بينها الحليب والقمح بنوعيه (اللين والصلب)، وبرّر الوزير الإجراء بسعي بلاده لمواجهة الضغط العالمي على المواد الاستهلاكية الأساسية، بحكم تبعية الجزائر شبه المطلقة لاستيراد كثير من المنتجات الغذائية، علما أنّ المدير العام للضرائب الجزائرية quot;عبد الرحمان راويةquot; رفض قبل أسبوع إعفاء الضريبة على القيمة المضافة لجميع المواد الغذائية، مبررا ذلك بمخاطر ستهدد استقرار وتوازن الاقتصاد المحلي.
ومن شأن الخطوة المستحدثة، أن تستبعد سيناريوquot; ربيع اجتماعي ساخنquot; تبعا لتعاظم الغليان الجماهيري، كما سيدخل الدعم المعلن عنه، الطمأنينة إلى المستهلكين المحليين الذين أرهقهم استمرار مسلسل الارتفاع quot; الفاحش quot; في أسعار المواد الأكثر استهلاكا، والزيادات المهولة التي طالت أسعار البطاطا والزيت والدقيق والطماطم المصبرة والبقول الجافة، لتحرق جيوب الموظفين المحدودي الدخل والمواطنين البسطاء، وتحيي شعورا متناميا بالخوف لدى الشارع المحلي، خصوصا مع استمرار ضعف القدرة الشرائية وإقرار الحكومة لزيادات متباينة ومحدودة في الرواتب،
وشهدت مختلف أسواق الجزائر، لهيبا لافتا خلال الفترة الماضية، إذ تسلق القمح أعلى السلم، وأصبح مستحيلا اقتناؤه بأقل من خمسمائة دولار بعدما كان لا يتجاوز مئتي دولار للطن، تمامًا مثل القمح اللين الذي قفز من 130 إلى 450 دولارًا للطن، والزيت الذي تضاعف من 700 إلى 1450 دولارًا، وعلى المنوال نفسه كانت الحال بالنسبة إلى مسحوق الحليب الذي أصبح سعر الطن الواحد منه بأربعة آلاف دولار، علمًا أنّه كان ثمنه 2000 دولار.
فوق كل هذا، أصبحت مادة أساسية بالنسبة إلى الجزائريين مثل البطاطا، مسببة لصداع الرأس إثر غلائها المفرط، إذ لا يمكن للزبون اقتناء كيلوغرام بأقلّ من ستين دينارا، وفي بعض الأسواق (الموازية) يكون الأمر أرحم ndash;بمعيار ما- حيث تُعرض البطاطا هناك بـ50 إلى 55 دينارا (..)، علما أنّ هذه المادة التي لا تستغني عنها موائد الجزائريين، كانت إلى وقت قريب تُباع بـ20 إلى 25 دينارا فقط للكيلوغرام، رغم حديث وزير التجارة الجزائري quot;الهاشمي جعبوبquot; عن تسقيف الأسعارquot;.
ويشدّد مزارعون إنّ حجب هذه الأسمدة هو من تسبب في الندرة ثم التهابا الأسعار، وهو ما كانت له تبعات على محاصيل البطاطا وأسعارها المعتمدة بين المزارعين والتجار وما يُعرف بفئة الوسطاء، حيث أنّ المزارعين لم يستلموا الأسمدة إلا بعد شهر من زرعهم للبذور، وهو ما يعني شحا في الانتاج، سيلقي بظلاله على الأسعار التي قد تستعيد منحناها المخيف الصيف الماضي عندما جاوزت الدولار للكيلوغرام.
وبينما يصرّ خبراء على وجود تلاعب بالمنتجات والأسعار والأسمدة وغيرها من طرف من ينعتونهم بـquot;السماسرةquot;، ينظر متابعون بقلق إلى ما يحدث، ويفسرون الواقع بما تنسجه أطراف خفية تعمل على خلق أسباب معينة لإبقاء السوق في اضطراب كبير في معزل عن أي رقابة، إذ لا يفهم أكثرية الجزائريين، كيف أنّ بلادهم التي أنتجت 53.3 مليون قنطار وفق بيانات رسمية، واستوردت 89 ألف طن من البطاطا من أجل مواجهة ندرة هذا المنتوج، يمكن لها أن تقنع مواطنيها بسببية هذا الغلاء الغريب، ويتبدى اللامنطق، عندما يؤكد مزارعون أنّ محافظة جزائرية واحدة يمكنها أن تغذّي كل الجزائريين، وتسدّ حاجاتهم من البطاطا!
في سياق متصل، يستحوذ الصعود الجنوني لسعر quot;الزيتquot; حاليا على كل الأضواء في الجزائر هذه الأيام، ويعود ذلك إلى تجاوز سعره 930 دينارا للصفيحة، وقد يصعد إلى أكثر من ألف دينار، في ظلّ عجز الحكومة الجزائرية عن احتواء الأزمة والحيلولة دون تفاقم مزايدات التجار والمضاربين، واللافت إنّ المضاربة بألوانها اشتدت في أسواق الجزائر، ومعها احتدمت فوضى الأسعار، ما دفع مراقبين للتحذير من تبعات محسوسة تلقي بظلالها على اقتصاد البلد المنهك بالتقلبات منذ النصف الثاني من العام الماضي.