سعيد الحسنية
أعادت إلينا الإطلالات المتلفزة لسماحة quot; السيد quot; إبان حرب تموز تذكيرنا بإطلالات زعيم القاعدة quot; بن لادن quot; من كهوف quot; تورابورا quot; الأفغانية وهو يوجه التهديد والوعيد للأميركي الذي يسرح ويمرح براحته في أي مكان من العالم يريده ويطمع به.
لقد ذكرنا quot; السيد quot; إبان الحرب الأخيرة ،quot; بالشيخ quot; وإن اختلفا في العقيدة واتفقا بالخطاب وتشابها باللحية والهيئة ، فكل منهما مقاوما على طريقته ، يوجهان الضربات للمحتل ويديران المعارك من مخابئهما غير عابئين أو مكترثين بعدد الضحايا الذين يسقطون جراء ردة فعل العدو ولا الدمار الذي تتركه طائرات المحتل ، معللين ذلك بالدفاع عن الأرض والتصدي للعدوان ، وإن كان هم المحرك والسبب الرئيسي لردة الفعل تلك ، ولكن لا يهم طالما النصر آت وإن كان بعد قرن أو قرنين أو حتى دهر ، لا يهم عدد الشهداء الذين يسقطون ولا قيمة لدموع الأمهات ولا أهمية لبكاء الأطفال ما دامت quot; الكاتيوشا quot; ، ترعب أطفال العدو وتوقظ سكان حيفا وتكدر عليهم ليلهم وتزعجهم ، فهم يذبحون أطفالنا ونحن نرعب أطفالهم ، هم يقتلون ألف طفل وشاب وامرأة منا ونحن نجرح عشرات منهم ونقتل اثنين أو ثلاث ، ونحن نغرق مركب لهم وهم يغرقوا وطننا ويدمروا جسورنا ، وفي الصباح يعيدوا كناسة بعض الغبار الذي سببته لهم quot; كاتيوشتنا quot; ونحن نشيع شهداءنا ونتوسل دول العالم لترسل لنا المساعدات ، وننتظر quot; السيد quot; ليطل علينا ويعلن انتصارنا ويعدنا بما بعد حيفا وبعد بعد حيفا ، وما همه طالما هو بعيد عن مرأى ال أف 16 وquot; الميركافا quot; .
فهذا هو توازن الرعب وهذه هي أفضل إستراتيجية دفاعية على الإطلاق .
هذا هو quot; السيد quot; في ما قبل حرب تموز ، أما بعد أن وضعت تلك الحرب المشؤمة أوزارها ، تغيرت رؤيتي لسماحته ، واختفت كل أوجه الشبه بينه وبين بن لادن بعد أن أطل علينا بخطاب جديد يذكرنا بالثوري الشهير تشي غيفارا ، ذلك البطل صاحب اللحية المهملة والسيجار الكوبي والعينين الخضراوين ، وكأنما انبعث حيا من جديد في زمن العولمة ، متمسكا بثورته على أميركا ولكنه أقلع عن التدخين .
بالحقيقة بدا السيد حسن نصرالله في خطابه الأخير شبيها جدا بالثائر الشهير ، وهو يتوعد وينظم ويعد العدة للتظاهر ، طالبا من جمهوره الاستعداد والبقاء على جهوزية دائمة منتظرين رصاصة أو صفارة الانطلاق إلى ساحة عرض العضلات ، أطل علينا غيفارا عصرنا معلنا البيان رقم واحد لمجلس قيادة الثورة التي تستعد للقيام بانقلاب جماهيري والاستيلاء على السلطة .
وما أثار دهشتي واستغرابي ليست قيادته ودعوته للتظاهر ، فالتظاهر وحرية التعبير حق يكفله الدستور والقوانين ، ولكن ما لفتني هو الكم الكبير من الاتهامات بالخيانة التي ساقها للحكومة ، ووصفها بأنها حكومة السفير الأميركي ، واتهامه الأكثرية بالتعامل مع العدو والتأمر ضد المقاومة، وهذا ما يدفعنا إلى سؤاله ، أليست هذه الحكومة التي تنتقدها اليوم هي نفسها التي أشادت بالأمس القريب بها وفوضتها مع الرئيس بري بالتفاوض نيابة عن المقاومة ؟
أليست هي نفس الحكومة التي وافق وزراءكم فيها على كافة القرارات التي اتخذتها آنذاك لوقف الحرب وإنقاذ ما تبقى من لبنان جراء مغامرتكم المجنونة التي كادت تودي بالوطن وما فيه ؟ أليست هي التي وضعت النقاط السبع التي وافقتم عليها ؟ ماذا جرى اليوم حتى انقلبتم عليها ؟ أليست هي نفسها التي جلستم معها على طاولة المشاورات لتمنحكم الثلث المعطل ؟ كيف كنتم تقبلون وتريدون مشاركة العملاء والخونة والاجتماع معهم في حكومة وحدة وطنية ؟
جميعنا يشهد لبراعة السيد الخطابية ومصداقيته ، ولكن يسمح لي هذه المرة أن أقول له أنه لم يقنعني ولم يقنع أي متابع للوضع اللبناني ، فكل الحجج والردود على الاتهامات الموجهة إليه غير مقنعة ولم تدحض الاتهامات ، فكيف يريد أن يقنعنا أنه مع المحكمة الدولية لمحاكمة قتلة الرئيس الشهيد في حين نرى وزراءه لا ينسحبون من الحكومة إلا عند طرح ملف المحكمة ؟ وأي صدفة هذه وأي ضرورة ملحة لم تسمح لهم تأجيل استقالتهم يومين فقط لإثبات حسن نيتهم ؟كيف يريدنا أن نقتنع أن إيران لا تتدخل في لبنان ومن ثم يعترف إلى الدور الإقليمي لإيران في منطقة الشرق الأوسط ؟
يا أيها quot; السيد quot; الثائر الصادق ، بالله عليك كيف تريدنا أن نقتنع أنك لا تقيم دولة داخل دولة وجميعنا يشاهد رجال quot; الانضباط quot; خاصتك وهم ينظمون السير على طريق جسر المطار ؟ كيف تريدنا أن نصدق أنك لا تقيم دولة داخل دولة وأنت شخصيا تقيم داخل مربع أمني؟ كيف تريدنا أن نقتنع أنك مع اتفاق الطائف وأنت ترفض اللعبة الديمقراطية وتريد المشاركة بالسلطة متسلحا بالثلث المعطل تماما كما أنت ممسكا بسلاحك رغم انتفاء الحاجة إليه ؟ كيف تريدنا أن نقتنع بحرصك على لبنان وطن نهائي لجميع أبنائه وأنت تقيم احتفالات الولاء والدعم والشكر لسوريا ؟ كيف تطالب بحكومة وحدة وطنية وأنت تدين بالولاء للتكليف الشرعي للإمام الخامنئي؟تطالب بانتخابات مبكرة ولكن أنت تعلم أنها لن تغير كثيرا من المعادلة ، فربما يزيد نوابكم ثلاث أو أربع نواب على أبعد تقدير ، فهل سترضون بالنتيجة حينذاك ؟ وهل ستقبلون المشاركة في حكومة يجلس معكم من أسميتموهم بالعملاء ووصفتموهم بالخونة ؟ أم ستحكمون من دونهم ؟
عذرا منك يا سماحة quot; السيد quot; وعذرا من جمهورك ، لقد خطونا خطوة على طريق كشف الحقيقة وإحقاق العدالة من خلال المحكمة ذات الطابع الدولي والتي ستؤلف بهدف وقف هذا المسلسل الإرهابي والإجرامي ، ومن الخيانة الكبرى لدماء الشهيد الرئيس ورفاقه وكل الشهداء أن نتراجع عنها ، لن نسمح لأحد أن يعيد عقارب الساعة إلى الوراء ، كفى لبنان حربا وكفى اللبنانيين خنوعا واستسلاما والسماح للآخرين جرنا إلى حروب إقليمية ودولية .
يا سماحة quot; السيد quot; لقد ولى زمن الانقلابات والديكتاتوريات ، من حقك أن تشارك في السلطة بحسب حجمك التمثيلي في المجلس النيابي ولكن ليس من حق من يتمترس خلفك والساقط انتخابيا وشعبيا أن يشارك في تعطيل البلد وزيادة الأعباء الاقتصادية عليه ، وأرجوك أن تقتنع أن الاستحواذ على السلطة أو المشاركة بها لا يكون عبر حرب العصابات إنما من خلال الطرق الديمقراطية ، وأرجوك أن تحترم عقولنا قليلا وأن تدرك أن اللبنانيين ليسوا كلهم quot; جمهور quot; بل كثيرون أصبحوا quot; شعب quot; ، فالويل الويل كل الويل لشعب يريد أن يبقى جمهورا ، لا أن يصبح شعبا.




التعليقات